Saturday, March 31, 2018

سبل المياه في مدينة دمشق


صورة غلاف الكتاب مأخوذة من كتاب سوريا اليوم للطبيب والمستشرق والرحّالة الفرنسي Louis Lortet الصادر عام ١٨٨٤ وهي لسبيل عبد الله باشا العظم المندثر أمّا الكتاب قيد البحث فهو للسيّد عبد الرحمن بن حمزة النعسان أستاذ في كليّة هندسة العمارة في جامعة دمشق وهو من منشورات المعهد الفرنسي للشرق الأدنى عام ٢٠٠٨ عندما وقع الاختيار على دمشق لتكون عاصمة الثقافة العربيّة.



أنجز المؤلّف كتابه عام ١٩٨٦ وشاءت الظروف أن تتمّ طباعته بعد ٢٢ عاماً ولم يتعرّض الأستاذ النعسان في المقدّمة لأسباب هذا التأخير وفي كلّ الأحوال عمل من هذا النوع يستحقّ الانتظار ولا علم لي إذا طرق الباحثون هذا الموضوع بالذات من قبل. بالنسبة للمنهج فقد قام الكاتب بوضع مخطّط لجميع السبلان داخل السور وتصويرها فوتوغرافيّاً ونقل النصوص والكتابات من لوحاتها (مهمّة ليس بالسهلة إذ كثير منها طمس مع مرور الزمن وإساءة الاستعمال) ووصفها فنيّاً ومعماريّاً ووصف لمواد بنائها ووضعها الراهن.  

يمهّد الكاتب بالتعريف بالفيجة وبردى وفروعه وشبكة توزيع المياه في دمشق أي نظام الطوالع مستنداً في ذلك على أبحاث Richard Thoumin في ثلاثينات القرن العشرين ينتقل بعدها إلى دراسة لبعض أهمّ السبل فيه المختصر المفيد من الوصف والصور المرفقة بالإسقاطات الهندسيّة ويبوّب السبل من البدائيّة منها التي اقتصر الاهتمام فيها على النواحي النفعيّة والوظيفيّة إلى آيات الفنّ في العهدين المملوكي والعثماني عندما تعاظم الاهتمام بالنواحي الزخرفيّة والجماليّة. تزيّن الكتاب عشرات الصور بالأبيض والأسود من نوعيّة متوسّطة ويلحق به ثلاث خرائط مطويّة تعيّن مواقع السبلان مع بعض التفاصيل الإضافيّة. خصّص المؤلّف ثمانية صفحات في نهاية الكتاب يجدول فيها أسماء السبل وأسماء منشئيها ومجدّديها وتاريخ الإنشاء والتجديد وموقعها ووضعها الراهن وطرازها ومقترحاته للمحافظة عليها وهي معلومات لا تقدّر بثمن على الأقلّ من الناحية التوثيقيّة في حال إذا ذهيت هذه التحف ضحيّة الإهمال ونقص التمويل والجهل وحتّى الطمع.  

تزايد تلوّث بردى مع حلول القرن العشرين ولم تعد مياهه صالحة للشرب ويضرب المؤلّف على ذلك مثال وباء الهيضة (الكوليرا) عام ١٩٠٧ وحدا هذا الوالي ناظم باشا لفرض ضرائب لتمويل جرّ مياه عين الفيجة بواسطة قسطل قطره ٢٥ عشير المتر وتمّ توزيع المياه على المدينة بواسطة كبّاسات ظلّت تعمل حتّى الربع الثالث من القرن الماضي. تشكّلت عام ١٩٢٤ لجنة مياه عين الفيجة ومع حلول ١٩٣٢ انتشرت المياه العذبة النظيفة والصحيّة في ربوع دمشق وتناقصت الحاجة إلى السبل العامّة.  

Tuesday, March 27, 2018

قلعة دمشق


تراجعت أهميّة القلعة العسكريّة مع تطوّر وسائل التدمير أو ما يسمّى مع شديد الأسف "فنون" الحرب في العصور الحديثة وأدّى هذا بالنتيجة لإهمال أحد أهمّ أوابد مدينة دمشق التي ردم خندقها وبني على محيطها سوق الحميديّة جنوباً والخجا غرباً واستعملت حجارتها في أبنية مختلفة وأضيف ضمن نطاقها مشيّدات بيتونيّة شوّهت وغطّت معالمها. زد على ذلك استعمالها لسنين طويلة كسجن ممّا جعل دراستها من قبل الأخصّائييّن صعبة إن لم تكن متعذّرة إلى أمد قريب. 



لم تمنع هذه العقبات الكأداء عدداً من الباحثين من دراسة البناء ويمكن اعتبار عمل الألمانييّن Watzinger و Wulzinger الذي نشر عام ١٩٢٤ المحاولة الجديّة الأولى لاستقراء الحصن بطريقة علميّة منهجيّة. أتت دراسة Jean Sauvaget (هنا و هنا) عام ١٩٣٠ كخطوة هامّة على الطريق الذي شقّه العالمان الألمانيّان ومن بعدها عمل King عام ١٩٥١ وأخيراً كتاب عبد القادر ريحاوي عام ١٩٧٩. 

انتقل الإشراف على القلعة للمديريّة العامّة للآثار والمتاحف في ثمانينات القرن العشرين وعنى ذلك الشروع بأعمال التنقيب على نطاق أوسع وأشمل بتعاون سوري-فرنسي مع إسهام مصري وأهميّة هذه الأعمال لا تقتصر على القلعة على ضخامتها وأنّما تمتدّ لدمشق ككلّ  (أي إسقاط معطيات الكشوفات ضمن القلعة على بقيّة المدينة ضمن حدود الإمكان) نظراً لعدم إمكانية التنقيب في المدينة بشكل عامّ دون تدمير الكثير من المباني العريقة مع النسيج العمراني الذي يحضنها. 

خصّصت مجلّة الدراسات الشرقيّة في عددها المزدوج ٥٣-٥٤ الصادر عام ٢٠٠٠-٢٠٠١ ملحقاً بطول ١٧٠ صفحة يلخّص بعض المكتشفات مع تعريف بأسلوب البحث وغاياته موجّه بالدرجة الأولى للأخصّائييّن. جميع المقالات بالفرنسيّة باستثناء واحد بالعربيّة وآخر بالإنجليزيّة وأمّا عن إدارة العمل فقد مثّل الفريق الفرنسي السيّدة Sophie Berthier والسوري السيّد إدمون العجي (مدير القلعة).



ليست هذه المقالات كافية لتغطية القلعة وهي لا تهدف لذلك أصلاً فهي تفترض أنّ القارىء ملمّ بالموضوع ومطّلع على الأعمال السابقة. يركّز الكتّاب جهودهم على بعض المواقع: الأبنية الجنوبيّة الغربيّة التي اعتقد Sauvaget أنّها تمثّل قصراً أيّوبياً، المدخل الشمالي (باب الحديد وملحقاته)، صالة الأعمدة في الشرق، والمعطيات الخزفيّة والفخّاريّة.

لا نملك ما يكفي من الدلائل لتوكيد أو نفي وجود القلعة بشكل أو بآخر قبل العصر السلجوقي ناهيك عن وجود الحصن الروماني castrum ولكن هناك أدلّة أكثر من كافية نصيّة وعينيّة على وجود قلعة سلجوقيّة بأبعاد ١٣٠ x ٢١٠ متر (بالمقابل أبعاد القلعة الحاليّة ١٥٠ x ٢٣٠ متر وهي أيّوبيّة تعود لمطلع القرن الثالث عشر وعهد الملك العادل مع ترميمات لاحقة في العهد المملوكي). من المثير للاهتمام وجود أدلّة عل أنّ الباب الشمالي أو باب الحديد سابق للقلعة إذ يعود لنهاية القرن العاشر الميلادي ويعتقد أنّه شكّل في حينه جزأً من تحصينات سور المدينة. بالنسبة للأبنية الحنوبيّة الغربيّة التي رأى فيها Sauvaget "القصر الأيّوبي" فيرى السيّد Jean-Blaise Gardiol أنّها بالأحرى تشكّل الزاوية الجنوبيّة الغربيّة من السور الأصلي السلجوقي وبالتالي كانت وظيفتها بالدرجة الأولى دفاعيّة. 

يبقى الجامع الأموي أهمّ معالم دمشق على الإطلاق وبإجماع الخبراء ولكن يمكن القول أنّ القلعة منافس جدّي على الميداليّة الفضيّة والمأمول أن تسلّط الأبحاث المستقبليّة المزيد من الأضواء على هذا الصرح العريق. 




Tuesday, March 20, 2018

عروبة العرب


لكل إنسان ملء الحقّ بتحديد هويّته وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول. لدينا على سبيل المثال وليس الحصر الجمهوريّة "العربيّة" السوريّة والمملكة "العربيّة" السعوديّة  والإمارات "العربيّة" المتّحدة وجمهوريّة مصر "العربيّة" ويتوّج الجميع بالطبع جامعة الدول "العربيّة". قد لا يوافق جميع المصرييّن أو السورييّن على كونهم عرباً وجميعنا نعلم أنّ سكّان الإمارات -وليس مواطنيها- أجانب بالأكثريّة ولكن تبقى اللغة العربيّة وهي أهمّ مكوّنات الشخصيّة العربيّة لغة رسميّة في جميع هذه الدول بل اللغة الرسميّة بامتياز. 

لا يمكن من الناحية المنطقيّة تمييز العروبة عن اللغة العربيّة. يمكن أن يكون العربي آسيويّاً أو إفريقيّاً، شرقيّاً أو غربيّاً، أبيض البشرة أو داكن اللون، مسلماً أو مسيحيّاً أو يهوديّاً أو لا دينيّاً... ولكن جميع هؤلاء -على الأقلّ من الناحية النظريّة- يتكلّمون العربيّة كلغة أمّ والخلاصة أنّ الشرط اللازم وإن لم يكن بالضرورة الشرط الكافي للعروبة هو "لسان الضاد" الذي "يجمعنا بغسّان وعدنان". 

فلنتناول الآن هذا المجلّد الفاخر المطبوع على ورق صقيل والمزيّن بالعديد من الصور بنوعيّة ممتازة بعنوان "عواصم الثقافة الإسلاميّة الأولى". صدر الكتاب عام ٢٠١٤ بمناسبة اختيار إمارة الشارقة "عاصمة للثقافة الإسلاميّة" تحت رعاية صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمّد القاسمي وبتعاون الخبرات الألمانيّة-الإماراتيّة (متحف برلين مع متحف الشارقة) وتمويل سخي من إدارة متاحف الشارقة. أسهم العديد من المؤلّفين في هذا الكتاب بعضهم من العرب ومعظمهم أوروبيّون ومنهم العالم الكبير Stefan Weber ويتوزّع العمل بالتساوي على قسمين أحدهما بالعربيّة والثاني بالإنجليزيّة ٧٠ + ٧٠ = ١٤٠ صفحة يحتويان على نفس الصور ونفس المعلومات ولكن بلغتين مختلفتين.



يمكن تسمية لغة القسم الأوّل بالعربيّة تجاوزاً إذ أنّها بلغت من الركاكة حدّاً فيه أكثر من الكفاية ليتحرّك المعلّم الراحل يوسف الصيداوي في قبره وإلى درجة أنّني ظننتها في البداية ترجمة google إلى أن استدركت أنّه من غير المحتمل أن تكون هذه الأخيرة بهذه الدرجة من السوء دع جانباً التخبيص بالأسماء والحقائق التاريخيّة. لحسن الحظّ لدينا النصّ الإنجليزي الأفضل بما لا يقاس من الناحيتين اللغويّة والعلميّة نستطيع عن طريقه تدقيق وتصحيح النصّ العربي. سأورد بعض الأمثلة وهي غيض من فيض:

- صفحة ١٥: جامع قرطبة وقاعة الصلاة بنيت نحو ٧٨٤ و ٩٨٧ للميلاد. "نحو" هنا ترجمة between.

- صفحة ٢٩ على الخريطة مدينة واسط (بين البصرة والكوفة) اسمها "الوسيط".

- صفحة ٣٨ النص العربي يورد الخليفة الأموي "اليزيد" والإنجليزي الوليد بن يزيد (الثاني هو الصحيح طبعاً). 

- صفحة ٤٤ "بغداد ومينائها في الشمال البصرة". 

- صفحة ٤٧ "بناء مدينة سكنيّة أخرى غير الرقّة" بينما المدينة المذكورة تحديداً هي الرقّة! 

- صفحة ٦٥: ترجمة next to "على عكس". 



في كثير من المواضع لا يمكن فهم النصّ على الإطلاق دون الرجوع لمقابله الإنجليزي (ترجمة المفردات خاطئة وصياغة الجمل ميؤوس منها أمّا عن النحو فحدّث ولا حرج) وهنا لا أستطيع إلّا أن أتساءل: هل نسي إخواننا وأخواتنا في الشارقة لغتهم العربيّة؟ وإذا كان الأمر كذلك أليس لديهم أساتذة مصرييّن أو سورييّن أو فلسطينييّن أو لبنانييّن يستطيعون رصف بعض الأسطر بلغة عربيّة شبه مقبولة؟ وبفرض أنّ هذا أمر متعذّر لم يجشّمون أنفسهم عناء الترجمة إلى ما يعتقدون أنّه العربيّة على الإطلاق؟ هل يجوز في عرف أو منطق الخلط بين الوليد ويزيد لمن يكتب عن التاريخ الإسلامي وهل هناك طالب ثانوي متوسّط المستوى أو حتّى إعدادي في الشرق الأدنى يجهل أنّ البصرة تقع جنوب بغداد وليس العكس؟

في النهاية أشكر الجهات المسؤولة في دولة الإمارات الشقيقة عضو جامعة الدول العربيّة على اهتمامها بالتراث الإسلامي عموماً وتراث دمشق وبغداد خصوصاً وأملي أن أرى في مستقبل قريب طبعة ثانية معدّلة ومنقّحة بلغة عربيّة سليمة إذا وقعت على أسماعنا كانت لنا برداً على الأكباد.  




Saturday, March 10, 2018

كيف تحوّلت دمشق إلى حاضرة إسلاميّة


مقال بطول ٢٥ صفحة باللغة الفرنسيّة للسّيد (أو السيّدة ؟!) Cyrille Jalabert من منشورات معهد دمشق الفرنسي ومجلّة الدراسات الشرقيّة عام ٢٠٠١ يحاول استقراء المعطيات التاريخيّة بهدف تسليط الأضواء على فترة زمنيّة امتدّت على أربعة قرون تخلوا أو تكاد من النصوص المعاصرة المتعلّقة بتاريخ عاصمة الأموييّن. 



بقي المسلمون أقليّة في دمشق خلال العهد الأموي ولم يقم الفاتحون بمحاولات جدّية لحمل سكّان المدينة على اعتناق الدين الجديد وإن أعطى بعضهم (خصوصاً الخليفة الورع عمر بن عبدالعزيز) حوافزاً لتبنّي الإسلام عن طريق بعض الإجراءات المعيّنة التي اتّخذها للتمييز ضدّ الذميّين. شهدت الفترة بين القرنين التاسع والقرن الحادي عشر للميلاد تزايداً مضطّرداً في عدد المسلمين ذوي الأصول المسيحيّة أو اليهوديّة وأصبحت أكثريّة دمشق مسلمة قبل أو مع حلول ١١٠٠-١٢٠٠ وتعزّز عدد المسلمين اعتباراً من مطلع القرن الثاني عشر مع نزوح العديد من فلسطين فراراً من الصليبييّن. 


من المستحيل معرفة عدد سكّان دمشق أو غير دمشق في القرون الوسطى بله توزيعهم الطائفي وكلّ ما نملكه في هذا الصدد تقديرات. ظلّ هذا الوضع سائداً في الشرق الأدنى حتّى القرن التاسع عشر ومع ذلك يمكن تخمين مسار الأمور من خلال كتابات إبن عساكر (القرن ١٢) وإبن شدّاد (القرن ١٣) إذ ذكر الأوّل ٢٤٢ مسجداً داخل سور المدينة و ١٧٨ خارجها بينما كان الرقم حسب الثاني ٢٨٨ في الداخل و ٣٧٢ في الخارج. بالمقابل فسواء رجعنا إلى إبن عساكر أو إبن شدّاد لا يتجاوز عدد الكنائس المسيحيّة والكنس اليهوديّة العشرين بما فيها المتهدّمة والتي تمّ تحويلها إلى مساجد (يضيف إبن شدّاد أربع أديرة أشهرها دير مرّان استناداً إلى أبي الفرج الأصفهاني). بالطبع كل جامع مسجد ولكن العكس ليس صحيحاً فبعض المساجد ولربّما معظمها صغير للغاية ومع ذلك الاتّجاه واضح لا لبس فيه: دمشق على الأقلّ من القرن الحادي عشر فصاعداً أصبحت مدينة إسلاميّة ديموغرافيّاً وثقافيّاً وسياسيّاً.  

لا بدّ لأيّ دين من مقدّساته وذخائره ولا مناص (في البدايات على الأقلّ) من الاستعارة من الثقافة والتراث المحليّبن بهدف انسجام العقيدة الجديدة مع بيئتها المتبنّاة. بناء الجامع الأموي وقبّة الصخرة إنجاز عظيم ما في ذلك من شكّ ولكنّها لا تكفي وبالتالي كانت الخطوة التالية أخذ بعض السير المسيحيّة منها واليهوديّة من الكتاب المقدّس وإعطائها حلّة إسلاميّة وعلى سبيل المثال رأس يوحنّا المعمدان (مقام النبي يحيى في الجامع الأموي) وجعل برزة موطناً لإبراهيم والربوة لعيسى (يسوع) إبن مريم وأمّه ومغارة الدم في قاسيون التي يفترض أنّ قابيل قتل فيها أو عندها هابيل وهلمّجرّا.

بعد أن استتبّ الأمر للمسلمين انتقلوا إلى المرحلة الثانية ألا وهي خلق تراث مادّي إسلامي صرف يصبح موضعاً للتبجيل وقبلة للزوّار مع التركيز على محمّد والصحابة وأهل البيت والخلفاء (خاصّة القبور) وكان هذا اعتباراً من القرن الثاني عشر وعلى سبيل المثال:

* المصحف العثماني الذي جلب من طبريّا إلى دمشق عام ١٠٩٩.

* أثر قدم محمّد على حجر أسود انتقل إلى المدرسة المجاهديّة من حوران في منتصف القرن الثاني عشر ("القدم" جنوب المدينة كانت في الأصل لموسى).

* نعل محمّد وقصّته طريفة إذ يخبرنا العلموي عن النعيمي أنّ السلطان الأيّوبي الأشرف موسى كان يملك فردة حذاء للنبي وأنّ الفردة الثانية كانت في حوزة إبن أبي الحديد الذي رفض بيعها رغم المال الجزيل الذي عرضه عليه الأشرف لقائها ولكن هذا الأخير استحوذ عليها بعد وفاة المالك وعظّمها وجعلها في دار الحديث الأشرفيّة ومع الأسف فقد النعل بفردتيه عندما استباح تيمورلنك دمشق عام ١٤٠٠-١٤٠١. 

كلّ هذا كان بالإضافة إلى انتشار المدارس كمؤسّسات لنشر الإسلام السنّي اعتباراً من نهاية العهد السلجوقي أمّا عن المرحلة الثالثة فكانت التركيز على قبور الأولياء والمتصوّفين والفقهاء خصوصاً بعد تقهقر نقوذ الحنابلة ومع بداية العهد العثماني وعلّ أشهر الأمثلة ضريح الشيخ محيي الدين إبن عربي في حيّ الصالحيّة.  

الخلاصة غلب الطابع المسيحي على دمشق الأمويّة رغم النخبة الإسلاميّة الحاكمة ورغم الحامع الأموي وتغيّر هذا بالتدريج في العهد العبّاسي الذي كان عهد انحطاط في دمشق وسوريا عموماً وحسم مع نهاية العهد الفاطمي وبداية السلجوقي عندما غلب الطابع الإسلامي على المدينة.   

Thursday, March 8, 2018

Damascus, al-Zaytun Church

This Greek-Catholic church is located inside the wall of the Old City south of the Street Called Straight of Biblical fame and not far from the East Gate (Bab Sharqi).

On the left is a view from the west and on the right the north aisle both in 2005


Originally a Karaite Synagogue, the building was sold by the last surviving member of this Jewish sect in Damascus in 1832 to be converted into a church under the protection of Patriarch Maximus Mazloum and with financial support of  Hanna Bey Bahri, Ibrahim Pasha's lieutenant in Syria during the Egyptian domination in the 1830's. 

As was the case with many other Damascene landmarks, the church was devastated during the 1860 Massacre. It was reconstructed in 1863 thanks to private donations, foreign funding, and generous contributions from Mitri Shalhub and Antun al-Shami. 

A private house was assigned to the patriarchate in 1873 along with a priests' seminary and school. A boy's school was also added in a courtyard house. 

The edifice is extant and in good condition.



Damascus
Ottoman Modernity and Urban Transformation
1808-1918

Stefan Weber


Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009


كنيسة الزيتون للروم الكاثوليك في دمشق

تقع هذه الكنيسة داخل سور المدينة جنوب الشارع المستقيم وهي ليست بعيدة عن الباب الشرقي. كانت في الأصل كنيساً لليهود القرائييّن وباعه آخر سليل لهذه الطائفة التي انقرضت بعدها في دمشق عام ١٨٣٢. تمّ تحويل الكنيس إلى كنيسة برعاية البطريرك مكسيموس مظلوم وبفضل تمويل حنّا بك بحري، الساعد الأيمن لإبراهيم باشا في سوريا عندما ضمّت إلى إمبراطوريّة محمّد علي في ثلاثينات القرن التاسع عشر. دمّرت ككثير غيرها في مجزرة ١٨٦٠ وأعيد بناؤها بعد ثلاث سنوات بفضل التبرّعات الخاصّة والأجنبيّة وكرم السادة متري شلهوب وأنطون الشامي. خصّص بيت مستقلّ للبطركيّة عام ١٨٧٣ وألحق بالمجمّع مدرسة اكليركيّة ومدرسة للذكور. حالة البناء جيّدة. الصورتان من عام ٢٠٠٥ اليسرى من الغرب واليمنى للممرّ الشمالي.

Tuesday, March 6, 2018

Damascus, St. Mary's Cathedral

This ancient Greek Orthodox cathedral goes all the way back to the Byzantine age, some say prior. It is located inside the walls of the Old City north of Via Recta and east of the Omayyad Mosque and Maktab Anbar.



When, at the beginning of the 8th century CE, Caliph al-Walid I decided to confiscate and demolish St. John's Cathedral along with the Roman temenos in order to construct the Omayyad Mosque, he agreed to leave St. Mary's Church to the Christians who, in return, had to renounce all rights to the new Islamic sanctuary. 

Time, natural disasters, wars, and human follies are bound to take their toll on this proud edifice as they have on so many others, including the venerable Omayyad Mosque. At least two episodes are worth mentioning:

1. Damascus surrendered to Kitbugha, a Nestorian Christian lieutenant of Hulagu in February 1260. The occupation was short-lived as the Mongols had to evacuate the city after their defeat at the Battle of Ayn Jalut (Fountain of Goliath) in September of the same year. The invaders, however, had shown too much indulgence to the city's Christian population allowing them to practice their faith openly and -if we are to credit certain accounts- provoke their Muslim neighbors with acts of impiety from the latter's perspective. With the restoration of Muslim authority under the Mameluke, the mob took their revenge destroying St. Mary's Church.

2. The last, and relatively recent calamity to befall the cathedral was during the 1860 infamous massacre. Only few years prior (1855), Reverend Porter described the building as "modern". Be that as it may, this "modern building" was leveled with the devastation of the Christian Quarter when thousands of innocents were slaughtered. The edifice was rebuilt in red brick with financial support from Russia shortly thereafter. 

This very important monument of Damascus is currently in good condition. 


https://archive.org/stream/fiveyearsindamas01port#page/n5/mode/2up


Damascus
Ottoman Modernity and Urban Transformation
1808-1918

Stefan Weber
Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009

Top photo  circa 1900 courtesy of W.-D. Lemke
Bottom photo Weber 2006

Saturday, March 3, 2018

القدس ودمشق عام ١٨٩٣




فلنبدأ المشوار قبل ثلاثين عاماً -أي في ستّينات القرن التاسع عشر- عندما دعي المؤلّف شارل لالمان إلى حضور حفل زفاف باذخ في الحيّ اليهودي في دمشق وتحديداً بيت لزبونة.  شهد هذا اليوم الميمون عقد قران شابّ يبلغ عمره سبعة عشر ربيعاً من صبيّة تصغره بأربع سنوات وبارك الجلسة ثمانية أو عشرة حاخامات ذوي هيئة رسميّة ومهيبة. قدّر للكاتب أن يزور دمشق من جديد في صيف ١٨٩٣ وبالجملة نفس البيت الفخم الذي لم يتغيّر وإن كان العريس أصبح كهلاً شابت ذوائبه. كانت فرحة السيّد لزبونة كبيرة عندما ذكّره ضيفه الفرنسي بأيّام الشباب. 







لم أستطع الحصول على معلومات تستحقّ الذكر عن السيّد Lallemand وأمّا عن متى صدر الكتاب فيمكن الاستدلال عليه بشكل غير مباشر من ذكر له في مجلّة لهواة الفنّ من منتصف تسعينات القرن التاسع عشر The Art Collector: Volumes 5-6, 1893-1894 & 1894-1895 والأهمّ من ذلك قراءة الكتاب (بالفرنسيّة) إذ يقول المؤلّف أنّه زار دمشق للمرّة الثانية في تمّوز ١٨٩٣ قبل حريق الأموي (تشرين أوّل نفس العام) الذي ذكره وإن لم يشهده. إذاً التاريخ ليس قبل ١٨٩٣. يذكر الكاتب أيضاً العمل الجاري على خطّ حديد دمشق بيروت الذي لم ينجز بعد. على اعتبار أنّ هذا الخطّ دشّن عام ١٨٩٥ فالكتاب إذاً ليس أحدث من هذا التاريخ.  

الكتاب ١٣٠ صفحة من القطع الكبير التي تتخلّلها العديد من الصور التاريخيّة ويضاف إليها لوحات فوتوغرافيّة خارج النصّ. من الواضح أنّه لم يكن موجّهاً لذوي الدخل المحدود ومن حسن الحظّ أنّ الجمل بما حمل متوافر بالمجّان على هذا الرابط

تجدر الإشارة هنا إلى انفتاح الإمبراطوريّة العثمانيّة على أوروبا في أعقاب حرب القرم وتحسّن وضع الأقليّات عموماً. أصبح من الممكن لغير المسلمين زيارة الجوامع والمعالم الإسلاميّة. 

لا يقتصر وصف الديار المقدّسة على القدس وإن نالت حصّة الأسد. خصّص الكاتب حيّزاً لا بأس به لبيت لحم ويافا ولكن لنتعرّض بسرعة لزهرة المدائن من وجهة نظر أديب ورحّالة أوروبي قد لا تخلوا من العنصريّة كما هو الحال في معظم أدبيّات ذلك الزمن. مدينة القدس بائسة ومظلمة وهناك تناقض كبير بين بهاء الحرم الشريف بما فيه قبّة الصخرة وبقيّة المدينة. ينظر السيّد Lallemand لمسيحيّي فلسطين بازدراء ويدين تناحر طوائفهم بعضها مع البعض الآخر بينما يمدح الجنود الأتراك ذوي الثياب الرثّة الذين يحافظون على الأمن خاصّة في المناسبات الدينيّة (حول كنيسة القيامة). عدد سكّان القدس في زعمه "على الأقلّ" ٥٠٠٠٠ منهم ٣٥٠٠٠ إلى ٤٠٠٠٠ يهودي. للتحقّق من هذا الرقم قمت بالمقارنة مع طبعة عام ١٨٩٤ من دليل Baedeker الذي نقل عن مصدر من عام ١٨٨٧ إجمالي عدد سكّان القدس بحوالي ٤٠٠٠٠ منهم ٢٨٠٠٠ يهودي ولكنّه أضاف أنّ الهجرة اليهوديّة كانت تتسارع بسبب الاضطهاد في روسيا ورومانيا (طبعة Baedeker الأولى عام ١٨٧٦تقدّر عدد يهود القدس بين ٤٠٠٠ إلى ٨٠٠٠). في كلّ الأحوال يعطف المؤلّف على وضع اليهود ويحبّذ أن تصبح القدس عاصمتهم شريطة أن يتركوا للمسيحييّن والمسلمين أماكنهم المقدّسة (يحضرني هنا تصريح بلفور) ويضيف أنّ اليهود -المكابييّن خصوصاً- علّموا العالم الوطنيّة وأنّ هذا العالم مدين لهم. 

أخذت بيروت حصّة صغيرة من اهتمام الكاتب كمدينة ساحليّة توسّعت كثيراً في النصف الثاني للقرن التاسع عشر وتضاعف عدد سكّانها ليصبح ١١٥٠٠٠ نسمة منهم ٣٣٠٠٠ مسلم. يضيف فيقول أنّ دماء المسيحييّن -في لبنان- "فينيقيّة" وأنّ جميعهم عمليّاً يتكلّمون اللغة الفرنسيّة. 

فتنت دمشق الزائر الأوروبّي كما لم تفعل القدس ولا غير القدس في الشرق الأدنى ولم يكن بالطبع الوحيد في هذا المضمار. يكمن سحر العاصمة السوريّة في التفاوت الفجائي والصارخ بين الجبال والسهوب الجرداء المحيطة بها من جهة وبين واحتها الغنّاء من جهة ثانية والتي لا يمكن تمييز المدينة بين أشجارها اللهمّ إلّا من قاسيون أو شرفات المآذن. عدد سكّان دمشق ١٢٥٠٠٠ إلى ١٣٠٠٠٠ منهم ١٠٠٠٠ مسيحي و ٧٠٠٠ يهودي. أسواق دمشق شديدة الازدحام بالبشر والدوابّ (الحمير والبغال والخيول والجمال) ودخول العربات إليها أمر عسير (الكلام طبعاً عن العربات التي تجرّها الخيول). الكلاب في كل مكان وتتعاون مع الطيور الجارحة في تنظيف فضلات المدينة في غياب خدمات بلديّة فعّالة. واضح أنّ الكاتب "يحبّ بطنه" من الأسطر العديدة التي تغنّى فيها بمأكولات دمشق من الشاورما إلى قمر الدين والكنافة ومشروباتها المبرّدة من الليموناضة إلى العرقسوس... الضيافة في دمشق تعطي مكان الصدارة للتبغ والقهوة والمضيف الذي لا يقدّمهما للزوّار يخالف العرف الاجتماعي وفي ذلك إهانة للضيوف لا تغتفر. أقام السيّد Lallemand في فندق دميتري الذي زار منه أسواق المدينة ووصف حرف النسيج والنحاس والفسيفساء الخشبيّة وادّعى أنّ معظم الحرفييّن المهرة مسيحيّون أو يهود مضيفاً أنّ المسلمين يزدرون الأعمال اليدويّة ويفضّلون التجارة. 

ختم المؤلّف بالتحذير من مخاطر انفتاح دمشق على التقنيّة الغربيّة والعالم الخارجي وفيما قاله مخاطباً المدينة الخالدة:

"دافعي عمّا تبقّى من ثرواتك ولا تستبدلي كنوزك ببضائع الغرب الرخيصة....حافظي على كمال ضواحيك وعلى زينة جوامعك المقدّسة...سيضيف الخطّ الحديدي بالتأكيد ضربة جديدة لأصالتك...يسعدني أن أحتفظ عنك بصورتك في أيّام مجدك وأنّني حاولت جهدي أن أخلّدها في صفحات هذا الكتاب".

أخيراً يقول: ":يتلاشى الشرق في الماضي كحلم جميل يلوذ بالفرار".