Tuesday, March 27, 2018

قلعة دمشق


تراجعت أهميّة القلعة العسكريّة مع تطوّر وسائل التدمير أو ما يسمّى مع شديد الأسف "فنون" الحرب في العصور الحديثة وأدّى هذا بالنتيجة لإهمال أحد أهمّ أوابد مدينة دمشق التي ردم خندقها وبني على محيطها سوق الحميديّة جنوباً والخجا غرباً واستعملت حجارتها في أبنية مختلفة وأضيف ضمن نطاقها مشيّدات بيتونيّة شوّهت وغطّت معالمها. زد على ذلك استعمالها لسنين طويلة كسجن ممّا جعل دراستها من قبل الأخصّائييّن صعبة إن لم تكن متعذّرة إلى أمد قريب. 



لم تمنع هذه العقبات الكأداء عدداً من الباحثين من دراسة البناء ويمكن اعتبار عمل الألمانييّن Watzinger و Wulzinger الذي نشر عام ١٩٢٤ المحاولة الجديّة الأولى لاستقراء الحصن بطريقة علميّة منهجيّة. أتت دراسة Jean Sauvaget (هنا و هنا) عام ١٩٣٠ كخطوة هامّة على الطريق الذي شقّه العالمان الألمانيّان ومن بعدها عمل King عام ١٩٥١ وأخيراً كتاب عبد القادر ريحاوي عام ١٩٧٩. 

انتقل الإشراف على القلعة للمديريّة العامّة للآثار والمتاحف في ثمانينات القرن العشرين وعنى ذلك الشروع بأعمال التنقيب على نطاق أوسع وأشمل بتعاون سوري-فرنسي مع إسهام مصري وأهميّة هذه الأعمال لا تقتصر على القلعة على ضخامتها وأنّما تمتدّ لدمشق ككلّ  (أي إسقاط معطيات الكشوفات ضمن القلعة على بقيّة المدينة ضمن حدود الإمكان) نظراً لعدم إمكانية التنقيب في المدينة بشكل عامّ دون تدمير الكثير من المباني العريقة مع النسيج العمراني الذي يحضنها. 

خصّصت مجلّة الدراسات الشرقيّة في عددها المزدوج ٥٣-٥٤ الصادر عام ٢٠٠٠-٢٠٠١ ملحقاً بطول ١٧٠ صفحة يلخّص بعض المكتشفات مع تعريف بأسلوب البحث وغاياته موجّه بالدرجة الأولى للأخصّائييّن. جميع المقالات بالفرنسيّة باستثناء واحد بالعربيّة وآخر بالإنجليزيّة وأمّا عن إدارة العمل فقد مثّل الفريق الفرنسي السيّدة Sophie Berthier والسوري السيّد إدمون العجي (مدير القلعة).



ليست هذه المقالات كافية لتغطية القلعة وهي لا تهدف لذلك أصلاً فهي تفترض أنّ القارىء ملمّ بالموضوع ومطّلع على الأعمال السابقة. يركّز الكتّاب جهودهم على بعض المواقع: الأبنية الجنوبيّة الغربيّة التي اعتقد Sauvaget أنّها تمثّل قصراً أيّوبياً، المدخل الشمالي (باب الحديد وملحقاته)، صالة الأعمدة في الشرق، والمعطيات الخزفيّة والفخّاريّة.

لا نملك ما يكفي من الدلائل لتوكيد أو نفي وجود القلعة بشكل أو بآخر قبل العصر السلجوقي ناهيك عن وجود الحصن الروماني castrum ولكن هناك أدلّة أكثر من كافية نصيّة وعينيّة على وجود قلعة سلجوقيّة بأبعاد ١٣٠ x ٢١٠ متر (بالمقابل أبعاد القلعة الحاليّة ١٥٠ x ٢٣٠ متر وهي أيّوبيّة تعود لمطلع القرن الثالث عشر وعهد الملك العادل مع ترميمات لاحقة في العهد المملوكي). من المثير للاهتمام وجود أدلّة عل أنّ الباب الشمالي أو باب الحديد سابق للقلعة إذ يعود لنهاية القرن العاشر الميلادي ويعتقد أنّه شكّل في حينه جزأً من تحصينات سور المدينة. بالنسبة للأبنية الحنوبيّة الغربيّة التي رأى فيها Sauvaget "القصر الأيّوبي" فيرى السيّد Jean-Blaise Gardiol أنّها بالأحرى تشكّل الزاوية الجنوبيّة الغربيّة من السور الأصلي السلجوقي وبالتالي كانت وظيفتها بالدرجة الأولى دفاعيّة. 

يبقى الجامع الأموي أهمّ معالم دمشق على الإطلاق وبإجماع الخبراء ولكن يمكن القول أنّ القلعة منافس جدّي على الميداليّة الفضيّة والمأمول أن تسلّط الأبحاث المستقبليّة المزيد من الأضواء على هذا الصرح العريق. 




No comments:

Post a Comment