Wednesday, October 31, 2018

موكب جنائزي في دمشق


تقتضي أمانة الترجمة نقل النصّ الأصلي كما هو قدر الإمكان ضمن حدود الاعتبارات اللغويّة، ويقتضي استقراء أي نصّ -أصليّاً كان أم مترجماً- التمييز بين الحقيقة والرأي. على سبيل المثال لا أحد يجادل في الحقيقة التاريخيّة ألا وهي أنّ جامع ابن العربي في حيّ الصالحيّة بني في عهد السلطان العثماني سليم الأوّل وبمبادرة منه أمّا عن كون السلطان المذكور فاتحاً عظيماً أو محتلّاً غاشماً فهذا رأي يختلف حسب المصدر. الهدف من هذا التنويه إيضاح أننّي أحاول جهدي نقل آراء الكاتب-المصدر كما هي وتقتصر الحاشية أو الحواشي على توضيح بعض النقاط المبهمة أو ذكر المصدر أو تصحيح الأخطاء إذا وجدت فقط لا غير ودون أدنى محاولة للتعليق على آراء المؤلّف أو الإدلاء برأيي فيها. 

نتابع الآن جولتنا في دمشق القرن التاسع عشر بمعيّة المبشّر الأمريكي W.M.Thomson متّجهين من الغرب إلى الشرق على طول السور الجنوبي للمدينة. 

وكأنّنا نلج تيهاً متعرّجاً من الدروب الملتوية المحفوفة بالبيوت البائسة وأكوام النفايات مع شواهد القبور الآيلة للتداعي في كلّ حدب وصوب. تختلط الأمور على العابر الذي لا يعرف أين يتّجه ومن المؤكّد أنّنا كنّا سنضيع لولا الدليل الذي قادنا في أمان عبر الطريق. على يسارنا الباب الصغير وهو أحد أبواب دمشق العديدة وقد مرّ خلاله عبر القرون مواكب جنائزيّة لا عدّ لها ولا حصر متّجهة إلى القبور والأضرحة التي تغطّي هذه المنطقة بكاملها على امتداد البصر. هذه المواكب -شأنها في ذلك شأن كلّ ما هو شرقي- تسير دون مراعاة تستحقّ الذكر للنظام والأعراف وهي عبارة عن خليط من الرجال والصبية المتنوّعي الأصول والأزياء يتبعون محمل النعش الذي يسبقه اثنان أو أكثر من الدراويش يرفعون أعلام طريقتهم وثلاث أو أربع من الفتية يحملون نسخة مفتوحة من القرآن وستّة أو ثمانية من العميان ينشدون "الحقيقة السرمديّة" أي الشهادة في صوت وحيد النبرة "لا إله إلّا الله" يتبعها "الأسطورة اللازمة" -حسب تعبير Gibbon *- "محمّد رسول الله". هذه الترنيمة هي الوحيدة المسموعة في هذه الجنائز ويستمرّ المشيّعون في ترديدها حتّى الوصول إلى الضريح.   

نلمح على اليسار بين الفينة والفينة سور المدينة وهو تقريباً على نفس درجة خراب وتداعي الضاحية التي يحاذيها.

من المحتمل أنّ الباب الصغير رومانيّ الأصل إذ نرى في بعض المواضع على طول السور أحجاراً كبيرة مقطوعة بعناية لربّما كانت موغلة في القدم ولكن السور الحالي مرقّع بناه المسلمون والعرب أو الأتراك وهو بالكاد يكفي لصدّ هجمات البدو المتكرّرة. 

* الإشارة إلى المؤرّخ الإنجليزي الشهير Edward Gibbon ١٧٣٧-١٧٩٤ وكتابه الكلاسيكي "انحطاط وسقوط الإمبراطوريّة الرومانيّة". 




https://archive.org/stream/landbookorbiblic00thom#page/n7/mode/2up

Tuesday, October 30, 2018

مآتم دمشق



فيما يلي ترجمة لما لأورده المبشّر الأمريكي W.M.Thomson صفحة ٤٠١-٤٠٢ من طبعة الجزء المتعلّق بلبنان ودمشق وما وراء الأردن Lebanon، Damascus، and Beyond Jordan من كتاب The Land and The Book عام ١٨٨٦. الكلام عن زيارته لمقبرة الباب الصغير وما رآه خلالها:

لم نر خلال تجوالنا على ظهور مطانا ما هو جدير بالذكر في هذا المدفن الإسلامي اللهمّ إلّا خليطاً من القبور المتجمّعة دون ترتيب ولا يوجد أي بناء بارز يلطّف كآبة هذه المدينة الكبيرة للأموات.

مع ذلك هناك بعض القبور الرخاميّة الجميلة ويوجد تحت العديد من القبور العاديّة سراديب تتّسع للعديد من الجثث. يعلوا معظم الشواهد الرخاميّة عمامة مشغولة بعناية وتحتها نقش كتابيّ طويل بالعربيّة يعدّد مآثر المؤمن الذي "ذهب إلى رحمة ربّه" في سلام. يرقد في المقبرة الكبيرة جنوب المدينة على ما يقال ثلاثة من أزواج محمّد وفاطمة ابنة ابنته الأثيرة قرينة علي (*). تكاد مدينة الأموات الساكنة  -هذه البريّة من الأضرحة- أن تكون مهجورة اليوم ولكنّها تزدحم في بعض المناسبات بالنساء والأطفال الذين يأتون لزيارة أضرحة أقربائهم البيضاء ليضعوا عليها أغصان الآس والنخيل النضرة. كثيراً ما يرافقهم مشايخ فقراء من الجوامع لتلاوة القرآن والصلاة على أرواح الأحياء والأموات.

كثيراً ما تكون مظاهر الحزن الجنائزيّة فوق قبور الأقرباء والأصدقاء بعد مواراتهم التراب صاخبة إلى درجة المغالاة إذ يتمّ اكتراء العديد من الندّابات المحترفات اللواتي يبكين ويتأوّهن ويلطمن صدورهنّ وينتفن شعرهنّ حسب ما تقتضيه العادات وما يمليه الاتّفاق ولكن هذا لا يعني انعدام الحزن الحقيقي لدى كافّة طوائف وطبقات الناس في هذه البلاد. هناك -في وسط هذه التظاهرة من الأسى المزيّف- دموع حرّاقة وقلوب تتألّم ورؤوس تنحني تحت المعاناة الصامتة واليأس. طالما ذهبت فاطمة فلانة ومريم فلانة إلى الضريح للبكاء يتبعهنّ المحبّون والأصدقاء لمواساتهنّ عن صدق وعطف لا رياء فيهما. 

* خطأ شائع وليس فقط لدى المستشرقين. فاطمة التي ترقد في الباب الصغير هي ابنة أحمد ابن الحسين ابن السيطي توفّيت عام ١٠٤٨ للميلاد أي في العهد الفاطمي وليست فاطمة ابنة النبي محمّد ولا حفيدته فاطمة ابنة الحسين. 




https://archive.org/stream/landbookorbiblic00thom#page/n7/mode/2up

Monday, October 29, 2018

جامع السلطان سليم



اللوحة أعلاه لجامع التكيّة السليمانيّة بالطبع التي درج المستشرقون على نسبتها خطأً إلى السلطان سليم الأوّل حتّى مطلع القرن العشرين. لم يشذّ المبشّر الأمريكي W.M.Thomson في طبعة عام ١٨٨٦ من كتاب The Land and The Book عن هذه القاعدة حيث يصفها كما يلي:

ما أجمل هذا الامتداد الأخضر على ضفّة نهر بردى الجنوبيّة! لم نر نظيره بتاتاً قرب أيّ من مدن وقرى هذه البلاد.

إنّه يدعى المرج الأخضر وهو ملاذ الدمشقييّن المحبّب..............يتردّد إليه الرجال والنساء والأطفال ليجلسون في تكاسل على ضفاف النهر يحتسون القهوة ويدخّنون الأركيلة ويأكلون الحلويّات والفواكه ويتأمّلون عابري السبيل ويتمتّعون بمشاهدة خيّالة المدينة يدرّبون مطاهم. هنا يلتقي الدمشقيّون مع العائدين من أصدقائهم وأقاربهم وهنا يودّعون المسافرين ويرحّبون بالضيوف وهنا أيضاً تعسكر قافلة الحجّ قبيل مغادرتها إلى مكّة.......

في نهاية المرج على اليمين بناء متعدّد القباب ذو مآذن طويلة يدعى التكيّة شيّده السلطان سليم الأوّل في القرن السادس عشر. يقسم هذا المجمّع الرباعي الأضلاع إلى صحنين ويحيط جدار الصحن الشمالي صفّان من الحجرات أمامهما رواق معمّد. يوجد فوق كل حجرة قبيبة تسقفها وهناك قبيبة ثانية تعلوا قسم الرواق المارّ أمامها وبهذا يتشكّل صفّان من القبيبات حول الصحن. يماثل الصحن الجنوبي نظيره الشمالي وإن اختلف عنه باحتوائه على جامع كبير جميل ذو قبّة ومئذنتين. هذه التكيّة مخصّصة لإيواء وإطعام الحجّاج الفقراء في طريقهم من وإلى مكّة لأداء فريضة الحجّ وجامع التكيّة مع قبّته الكبيرة ومئذنتيه الطويلتين النحيلتين وصفيّ الأعمدة أمامه، أحد أجمل جوامع دمشق وإن كان الهيكل بكامله آيلاً للتداعي في مستقبل قريب.   



https://archive.org/stream/landbookorbiblic00thom#page/n7/mode/2up

Sunday, October 28, 2018

بيت في صالحيّة دمشق



لا أعلم من صاحب هذا البيت ولا إذا كان لا يزال موجوداً اليوم ولكنّي أرجح استناداً إلى وصف المبشّر الأمريكي W.M.Thomson أن يكون منزل قنصل بريطانيا في دمشق في منتصف ثلاثينات القرن التاسع عشر السيّد John William Perry Farren.  فلنقرأ سويّة ترجمة ما كتبه مؤلّف كتاب  The Land and The Book عام ١٨٨٦ عن هذا البيت والحيّ الموجود فيه: 

الصالحيّة قرية طويلة وضيّقة يقع القسم الأكبر منها فوق سهل وبساتين دمشق. 

يقال أنّ مناخ الصالحيّة أكثر موائمة للصحّة من دمشق وبناء عليه شيّد كثير من المواطنين الأثرياء بيوتهم فيها لقضاء أشهر الصيف القائظة. قمت في زيارتي الأولى لدمشق بزيارة المستر Farren قنصل بريطانيا الذي كان وقتها مقيماً في إحدى فيلّات الصالحيّة. كان هذا البيت واقعاً في وسط بستان فسيح على مسافة قصيرة من الطريق الحالي وأمّا عن دخوله فيتمّ من خلال باب منخفض يؤدّي إلى الصحن الأمامي. في هذا الصحن بحرة كبيرة مع نافورة يتلاعب فيها الماء وفوقها تعريشة من الورود والأزهار المتسلّقة ونعاين على ثلاث جوانب لهذه التعريشة مصاطب رخاميّة مخصّصة لدواوين ترتفع حوالي قدمين فوق الأرضيّة. هناك حوض بعمق ثلاثة أقدام طوله عشرين قدماً وعرضه اثني عشر قدماً يقع على مسافة قصيرة من التعريشة ووراءه بحرة ثانية مثمنّة الأضلاع مكسوّة بالرخام الأبيض ومنها يجري تمديد المياه إلى حديقة بواسطة قناة مرصوفة بالبلاط الملوّن. يوجد في مركز الصحن الداخلي مستودع مياه جميل ثمانيّ الأوجه تزوّده أربع صنابير من الشبه (البرونز) بشكل رؤوس ثعابين بالمياه الرائقة الباردة.  

علاوة على هاته البحرات والصهاريج والأحواض، هناك قناة تمتدّ على طول جدار الحديقة الغربي وثانية في منتصف هذه الحديقة لريّ الأزهار وسقاية أشجار الفاكهة والخضروات.

بنيت فيلّا المستر Farren على غرار النموذج العامّ للبيوت التي زرناها في دمشق وتتمتّع بالمقدار المألوف من زخارف الجدران والأسقف ولكنّها مفروشة على الطراز الأوروبي وهي بذلك تجمع  الترف الشرقي مع الراحة الغربيّة. 

تسمح غزارة المياه بنموّ كافّة أنواع النباتات في هذه الحدائق بكثافة تثير الدهشة وحتّى الآس هنا يكبر ليشكّل شجرة قويّة البنية. يتردّد الدمشقيّون في نزهاتهم على حيّ الصالحيّة في مواسم الثمر بغية قطاف الحبلاس الذي يؤكل ناضجاً أو يجفّف ليباع في الأسواق.

تعطي هذه البحرات والجداول والأحواض وخزّانات المياه الموزّعة في المدينة وبساتينها دمشق سحراً متميّزاً.  




https://archive.org/stream/landbookorbiblic00thom#page/n7/mode/2up

Saturday, October 27, 2018

بيت لزبونا



عنوان هذه اللوحة من القرن التاسع عشر "صحن وليوان أحد البيوت الخاصّة في دمشق" دون تحديد هويّة البيت ولكنّه بيت لزبونا ما في ذلك من شكّ. استعمل المبشّر الأمريكي W.M.Thomson هذه الصورة في كتابه The Land and The Book لوصف البيت الدمشقي الموسر بشكل عامّ وقبل أن أقوم بترجمة ما كتبه يحسن أن نستعرض بسرعة بعض المعلومات عن هذا القصر أخذتها بتصرّف عن الدكتور Stefan Weber:

بني هذا البيت على مرحلتين رئيستين وتعود البنية الحاليّة لمطلع القرن التاسع عشر. طرأت عليه تعديلات بين ١٨٦٥-١٨٧٢ كلّفت حسب القساطلي ٢٠،٠٠٠ جنيه استرليني (؟) على الأقلّ ويبدو أنّ العمل فيه أنجز عمليّاً قبل زيارته من قبل الليدي Isabel Burton (قرينة القنصل البريطاني) عام ١٨٧٠. شغلته مدرسة يهوديّة حتّى عام ١٩٩٠ وكان ملكاً للسيّد ضاهر حدّاد وفي حالة سيّئة عندما صدرت دراسة الدكتور Weber عام ٢٠٠٩ مع التذكير أنّ ترميمه بدأ عام ١٩٩٧-١٩٩٨.

ننتقل الآن إلى وصف المستشرق الأمريكي للبيت الدمشقي في كتابه الصادر عام ١٨٨٦: 

يبنى جدار البيت الدمشقي الخارجي دائماً من الطين العادي الداكن اللون دون نوافذ وإن وجدت هذه الأخيرة فهي صغيرة للغاية. يتمّ الدخول من الزقاق من خلال باب متواضع إلى أبعد الحدود يؤدّي إلى دهليز ضيّق ومظلم يغلق نهايته الداخليّة بروز أو ستار لحجب الصحن الرئيس من عيون الناطرين. هذا الصحن مربّع على وجه التقريب وغير مسقوف ويمكن أن يتجاوز طوله ١٥٠ قدماً في بعض البيوت الكبيرة. جدران الصحن مبنيّة من الأحجار الكلسيّة البيضاء أو الحمراء أو البازلت الأسود تتناوب في صفوف إلى ارتفاع حوالي ١٥ قدم لتنتهي بحجارة عاديّة. الصحن مبلّط بألواح كبيرة من الرخام الأبيض على محيطها ألواح ضيّقة من الأردواز الأسود تنظم أحياناً في نماذج حلوة وأشكال معقّدة خاصّة أمام مداخل الغرف وحول البحرات. ترتفع البحرة في منتصف الصحن قدمين أو أكثر فوق مستوى الأرض وهي عادة متمّنة الشكل ومكسوّة بالرخام على جوانبها تصاميم وزخارف شديدة الغنى من الأردواز والحجر الكلسي المتعدّد الألوان. تملأ البحرة مياه صافية فوّارة من "نهر دمشق" الذي لا ينضب أبداً وتنجبس هذه المياه من صنابير من الشبه (البرونز) ونوافير في المركز. نرى على حافّة البحرة أزهار مختارة بعناية فائقة منظومة في أصص كبيرة وقربها أشجار فاكهة وأيك للورد وكروم الياسمين الجميلة. يفوح أريج هذه النباتات عبر الديار بكامله لينفذ إلى جميع غرف البيت.

يقع الليوان على جدار الصحن الجنوبي بمواجهة البحرة وهو غرفة مفتوحة يعلوها قوس تحت سقف البناء. بلاط الليوان رخامي تزيّنه نماذج من الفيسفساء المختلفة الأشكال والقياسات والألوان. نشاهد على طول ثلاث من جدران الليوان مقاعد رخاميّة الواجهة يبلغ ارتفاعها قدماً ونصف القدم تغطّيها فرش ملبّسة باللحف ويتكوّم فوقها كثير من الوسائد المغلّفة بالحرير الدمشقي ذو الألوان الزاهية والملمس الثمين. يبلغ ارتفاع القسم المزيّن من جدران الليوان حوالي العشرة أقدام تتناوب فيها صفوف الأحجار الكلسيّة البيضاء والحمراء أو البازلت الأسود تعلوها نماذج غنيّة من الرسوم الجداريّة أو أشغال الفسيفساء في ألواح كبيرة. تحيط بجانبيّ الليوان غرف واسعة عالية الأسقف يبلغ ارتفاعها أحياناً أكثر من ثلاثين قدماً ويتمّ الدخول إليها من أبواب مفتوحة على الليوان تزيّن أحدها على الأقلّ زخارف أكثر غنى من هذا الأخير. كثيراً ما نصادف بحرة رخاميّة في منتصف الغرفة وأمّا الجدران فهي مملوءة بالزخارف الرخاميّة والجصيّة وأشغال الفسيفساء والرسوم الجداريّة الشديدة البذخ.  

يستند السقف على روافد خشبيّة طويلة ونحيلة من الحور المصقول المطلي بالألوان الصارخة وتدهن هذه الروافد بكساء مذهّب في بعض بيوت الأثرياء ويضاف إلى زخارفها قطع صغيرة من المرايا والصدف المرصّع في الخشب تسطع في المنزل. تزيّن ألواح السقف والأبواب وأطر النوافذ والمصاريع زخارف مماثلة ناهيك عن العديد من قطع الخشب المصقول الصغيرة من مختلف الأنواع منظّمة في أشكال مثيرة للفضول يتجاوز عددها الخمسين في اللوح الواحد. تتوزّع أجنحة العائلة والخدم والمطبخ والحمّام حول الصحن في هذا الجانب أو ذاك كما بما يوائم ذوق واحتياجات سكّان المنزل ويوجد في بيوت المسلمين قسم داخلي مستقلّ بالكامل مخصّص للحريم ويتمّ الدخول إليه من صحن المبنى الرئيس. يكون هذا القسم أحياناً أغنى زخرفة وأرقى أثاثاً من يقيّة البيت. 



https://archive.org/stream/landbookorbiblic00thom#page/n7/mode/2up

Stefan Weber
Damascus, Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918
Proceedings of the Danish Institute in Damascus V. 2009


Friday, October 26, 2018

أروقة الجامع الأموي



الوصف التالي للمبشّر الأمريكي W.M.Thomson وعلى اعتبار أنّ هذه الطبعة من كتاب The Land and The Book صدرت عام ١٨٨٦ فهي بالطبع تعكس وضع الحرم قبل حريق عام ١٨٩٣. ما يلفت الانتباه في وصف الجامع الذي خصّص له المؤلّف حوالي عشر صفحات غياب أيّ ذكر للفسيفساء (*) ولا غرابة في ذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّها كانت مغطّاة وقتها إلى أن تمّ كشفها في أواخر العقد الثالث للقرن العشرين.


نحن الآن في الصحن الواسع المحاط بجدران الجامع ومساحة هذا الصحن ضمناً الأروقة المعمّدة في الشرق والشمال والغرب تبلغ حوالي أربعمائة وخمسين قدماً طولاً ومائة وثمانين قدماً عرضاً.  تغلّف الأحجار أعمدة الرواق الشمالي التي تستند عليها أربع وعشرون قوساً بشكل حدوة الحصان (**) يعلوها صفّ علوي آخر من الأقواس الدائريّة الأصغر قياساً يبلغ عددها الخمسين. تزّين جوانب الركائز الحجريّة ألواح مختلفة النماذج وأمّا التيجان فتتحلّى بزخارف عربيّة غنيّة بينما نرى الأقواس مطليّة من الداخل بمربّعات بيضاء وسوداء متناوبة تعطي مظهراً رقعيّاً (***) يلفت النظر. تتكوّن الأقواس العلويّة بكاملها من طبقات من الأحجار الكلسيّة البيضاء والسوداء ويعطي مجموع هذه االتصاميم والألوان المختلفة للأروقة المعمّدة انطباعاً جذّاباً وشرقيّ الهويّة بامتياز. لا يزال أكثر من نصف عدد الأعمدة القورنثيّة مكشوف للعيان في الرواقين الغربي والشرقي وأمّا عن أقواسها العلويّة فهي محمولة على أعمدة صغيرة من نفس الطراز. 



(*) http://bornindamascus.blogspot.com/2018/06/blog-post_18.html

(**) الكلام هنا غير دقيق فالأقواس بشكل حدوة الحصان نمط مغربي-أندلسي والأصحّ في حالة الجامع الأموي هو الأقواس الدائريّة أو بالأحرى نصف الدائريّة. 

(***) أي بشكل رقعة الشطرنج أو ما شابهها.




https://archive.org/stream/landbookorbiblic00thom#page/n7/mode/2up

Thursday, October 25, 2018

مقام السيّد يحيى




نتابع جولتنا بمعيّة المبشّر الأمريكي Thomson في حرم الجامع الأموي. تاريخ الزيارة في أيلول وأمّا عن السنة فلم يقم بتحديدها وإن توجّب وقوعها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فلنقل بين ١٨٦٠ (أي بعد أن سمح لغير المسلمين بزيارة الجامع) و ١٨٨٦ (تاريخ نشر طبعة كتاب The Land and The Book قيد المراجعة). يصف المؤلّف هنا بدقّة أكثر من معقولة ضريح النبي يحيى كما كان قبل حريق عام ١٨٩٣: 

يغطّي سجّاد ذو مقاسات ونماذج مختلفة الأرضيّة الرخاميّة بكاملها تقريباً ويؤدّي "المؤمنون الحقيقيّون" صلواتهم اليوميّة على هذه البسط. أكثر ما يثير الانتباه إذا نظرنا شرقاً على طول هذه الممرّات الثلاث أطر كبيرة بشكل القباب وعليها مئات الشمعدانات معلّقة بسلاسل طويلة من الأقواس والأسقف العالية. نشاهد على الجدار الجنوبي المنبر والمحراب وهما بأعمدتهما الرخاميّة الممشوقة على قدر لا بأس به من الجاذبيّة والإلهام. أقدس موقع في الجامع على الإطلاق هو الكهف الذي يعلوه مقام السيّد يحيى بين العمودين الثالث والرابع على يمين القبّة وقرب الجدار الجنوبي للقسم الشرقي من الحرم. يحيط بهذا المقام جدار رباعي الأضلاع مؤلّف من خمسة مداميك من الرخام المصقول يعلوها عشرون من الأعمدة المربّعة تقع ستّة منها على الأوجه الطوليّة وأربع على الأوجه العرضيّة إذا حسبنا أعمدة الزوايا مرّتين. تزّين الطنف cornice زخارف كتابيّة من القرآن بأحرف كبيرة وفوقها قبّة محزّزة فوق بنية مثمّنة الشكل * ويعلوا هذه القبّة هلال مذهّب. يبلغ ارتفاع القبّة حوالي ٢٥ قدماً ويعتقد المسلمون أنّ رأس يوحنّا المعمدان مدفون تحت هذا المقام. تمّ توزيع بقايا المعمدان بسخاء على عدّة جوامع اختيرت بعناية’ شأنه في ذلك شأن الكثيرين من القدّيسين المسيحييّن. رأسه موجود هنا وأمّا عن قلبه فتدّعي حلب امتلاكه بينما يقال أنّ أحد جوامع بيروت يحتوي على إصبع من أصابعه. 

تبدوا هذه العلاقة بين مشاهير الكتاب المقدّس وحتّى المسيحيّة منها وبين الحرم المحمّديّة في أكثر المدن تمسّكاً بالإسلام أحد االسمات الغريبة التي تتميّز بها دمشق. 

للحديث بقيّة. 

* المقصود عنق القبّة أو ما يسمّى بالإنجليزيّة drum.




https://archive.org/stream/landbookorbiblic00thom#page/n7/mode/2up

Wednesday, October 24, 2018

جامع السيّد يحيى



دأب كثير من الرحّالة والمستشرقين على مدى السنين على الاعتقاد أنّ إسهام الوليد ابن عبد الملك في مطلع القرن الثامن للميلاد لم يتجاوز تحويل مبنى كنيسة يوحنّا المعمدان إلى جامع دون إجراء تعديلات تستحقّ الذكر سواء من ناحية التخطيط أو العمار وما لفت نظري في وصف المبشّر الامريكي Thomson أنّه يدّعي -لزيادة الطين بلّة- أنّ الدمشقييّن كانوا لا يزالون يطلقون على الأموي اسم "جامع السيّد يحيى" عندما قام بزيارته في القرن التاسع عشر. كما هي العادة أقوم في الأسطر التالية بترجمة ما كتبه دون تشذيب أو تنقيح أو تلطيف وللتذكرة فاقت مبيعات كتاب The Land and The Book في حينه مبيعات جميع الكتب المعاصرة في الولايات المتّحدة باستثناء كوخ العمّ توم:

تقاسم المسلمون والمسيحيّون هذه الكنيسة بعد سقوط دمشق في أيدي المحمّدييّن في القرن السابع للميلاد عندما استحوذ المسلمون على القسم الشرقي منها وسمحوا للمسيحييّن أن يستعملوا القسم الغربي. لم يدم هذا التسامح النسبي للمحمّدييّن طويلاً إذ لم يطرد المسيحيّون بعدها من دار عبادتهم فحسب، وإنّما منع عليهم أيضاً دخول حرم الصرح المقدّس. تحوّل البناء بكامله إثر ذلك إلى جامع السيّد يحيى أو جامع القدّيس يوحنّا ولا يزال يحمل هذا الإسم حتّى اليوم. اتّخذت الكنيسة شكل basilica (*)  بلغت أبعاد جدران المستطيل الذي قامت عليه ٥٠٠ قدم طولاً و ٣٥٠ قدم عرضاً وشغلت الكنيسة (**) القسم الجنوبي من هذا المستطيل مع تعديلات طفيفة أجريت في الداخل عندما تمّ تحويلها إلى جامع. يحتلّ الصحن في الشمال الشطر الأكبر من هذا المستطيل وأزيلت أبنيته الخارجيّة ليستعاض عنها ببحرات ومآذن. 

للحديث بقيّة. 

* الباسيليكا في الأصل شكل عماري روماني اقتبسته لاحقاً بعض أنماط الكنائس المسيحيّة. 
** المقصود حرم الصلاة. 




https://archive.org/stream/landbookorbiblic00thom#page/n7/mode/2up

Tuesday, October 23, 2018

بقايا البوّابة الخارجيّة لمعبد جوبيتر في دمشق



كتب المستشرق الأمريكي W. M. Thomson في جملة ما كتبه عن دمشق كما ورد في طبعة عام ١٨٨٦ من كتاب The Land & The Book ما يلي:

فلنتّجه الآن من سوق الصاغة إلى سوق بائعي الكتب (المسكيّة). من الممكن بين حين وآخر العثور على نسخ مرخرفة جميلة من القرآن في الحوانيت ولكن لا يمكن الحصول على مخطوطة جيّدة إلّا خلسة وبدفع ثمن باهظ ولا شكّ أنّ طاقة المطابع العجيبة ستزيح قريباً النسخ اليدوي المرهق بالكليّة ولا يوجد اليوم إلّا عدد صغير من المخطوطات الثمينة معروض للبيع في هذه الأكشاك. بقليل من البخشيش نستطيع فتح هذا الباب الجانبي الصغير ومنه إلى مشرقة أحد البيوت الخاصّة بهدف الإطلال على آثار البوّابة القديمة أمام المدخل الغربي للجامع الكبير. كلّ ما يمكن رؤيته من الشارع لا يتجاوز أربع أعمدة ضخمة.

يرتفع قسم من قوس (*) arch وجملون pediment البوّابة فوق سقف السوق مستنداً على ثلاث أعمدة قورنثيّة التيجان. يتألّف العمود في النهاية من ركيزة حجريّة مربّعة ونصف عمود على جانبها الداخلي وآخر على الجانب الخارجي. تزيّن الطنف cornice والقوس والجملون زخارف غنيّة حلزونيّة الشكل وأزهار وأوراق وتصميمات عماريّة شبيهة بما نراه في أطلال بعلبك. نرى في الحجارة فوق الطنف نافذة صغيرة مزدوجة القولبة moulding ونستنتج قياساً على أبعاد هذه القطعة المعقّدة التنفيذ أنّ ارتفاع البوّابة كاملة وعرضها تجاوزا السبعين قدماً. فلنهبط الآن ونتمشّى خلال سوق الكتب إلى باب البريد في نهاية الشارع. لم يبف من صفّ الأعمدة المزدوج الذي وصل قديماً بين البوّابة الخارجيّة ومدخل الجامع إلّا القليل وبعض هذه الأعمدة المتبقيّة مستعمل في بناء جدران البيوت والدكاكين على طول الطريق. 

نحن الآن أمام مدخل الجامع المتواضع المظهر وقام القيّمون عليه بجلب أحذية يتعيّن علينا ارتدائها للدخول إلى الحرم المقدّس. اضطررت في زيارات سابقة إلى شراء الحذاء المطلوب من سوق الكندرجيّة shoemakers ولكنّ المسؤولين اليوم أكثر مجاملة ولا عجب إذ أنّهم يتوقّعون أن نكافىء لطفهم بسخاء لدى مغادرتنا الجامع.

للحديث بقيّة.  

* ذكرت الأصل الإنجليزي لبعض المفردات لتسهيل البحث عنها (تعريفاً أو صوراً)  لمن يهمّه الأمر باعتبار أنّه يمكن ترجمة المصطلح التقني الأجنبي بأكثر من طريقة إلى اللغة العربيّة.   




https://archive.org/stream/landbookorbiblic00thom#page/n7/mode/2up

Monday, October 22, 2018

بردى والفيجة



نستطيع إذا طرحنا جانباً تحليل وتأويل المستشرقين والرحّالة أن نثق بالمعلومات التي يزوّدوننا بها وخاصّة الجغرافيّة والطبوغرافيّة منها إلى حدّ كبير وعلّها كانت ولا زالت أفضل الموجود عن زمن مضى واندثر. من هذا المنطلق أقدّم فيما يلي ترجمة لبعض الفقرات اخترتها من الصفحات ٣٥٢-٣٥٤ من كتاب "لبنان، دمشق، وما وراء الأردن" للمبشّر الأمريكي W. M. Thomson طبعة عام ١٨٨٦. توخّيت الأمانة في الترجمة وإن حذفت بعض المقاطع لتجنّب الإطالة ويمكن مراجعة النصّ الكامل على الرابط أدناه لمن يرغب بالتوسّع فهو أكثر من جدير بالقراءة.   

يحتار المرء لدى عين الفيجة في اختيار الأكثر إثارة للإعجاب، أهي غزارة المياه الباردة والرائقة المنجبسة تحت أنقاض هذه المصطبة أم هذا الشلّال المندفع الهادر عندما يزبد متدفّقاً فوق الصخور ليهبط في قناته الضيّقة، أو بالأحرى هذه الغابة الكثيفة من أشجار الصفصاف والجوز والجمّيز والدلب والحور الباسقة التي تظلّل الضفاف، أو علّها هذه الصخور الجرفيّة الرائعة التي تسموا أكثر من ألف قدم لتعزل هذا الوادي السعيد من كلّ حدب وصوب. كلّ هذا يتتالى متعة للناظر تسلب خياله.   

ليس عين الفيجة بأبعد مصادر بردى ولكنّه -وبفارق بعيد- أكثر ينابيعه غزارة. اعتقد جغرافيّو العرب أنّه نبع نهر دمشق الأوّل وهذا غير صحيح إذ أنّ القسم الأعلى من مجرى بردى يصرّف مرتفعات ووديان هذه المنطقة من سلسلة جبال لبنان الشرقيّة بكاملها لمسافة تتجاوز العشرين ميلاً وبالتالي فبردى خلال الفصول الممطرة نهر ضخم دون إضافة رافده من عين الفيجة. ينبع ها الأخير من كهف تحت جبل ذو فتحتين فوق إحداهما قوس يعلوا قسماً منها وأمّا عن كميّة مياه الفيجة فتبلغ ضعفيّ مياه مجرى بردى العلوي في فصل الشتاء. تندفع مياه عين الفيجة في عنفوان أشبه ما يكون بالسيل الهادر بعد خروجها من الكهف لتهبط بين الصخور عابرة غابة كاملة من أشجار الجوز والحور وغيرها ثمّ تتوسّع إلى جدول عريض رائق كالبللور وتلاقي بردى على بعد مسافة إضافيّة تبلغ المائة خطوة حيث يجري النهران أحدهما إلى جانب الآخر لفترة تتّحد بعدها مياه عين الفيجة الصافية مع مياه بردى العكرة.

كم أرغب في قضاء أيّام هنا عوضاً عن ساعات معدودة! 

لا شكّ في ذلك ولكن لهذه الجنّة أفعاها -شأنها في ذلك شأن الجنّة الأصليّة- فهي موبوءة بالحمّى والبرداء التي تعيث في غياضها وهي نظراً لوفرة مياهها وكثافة نباتاتها بما فيها المتعطّنة بالقطع غير صحيّة في الصيف والخريف. أصبت لدى مروري في هذا المكان في تشرين الأوّل بالشحوب الذي يعاني منه أهل البلاد. الخلاصة أنّ قضاء حتّى ليلة واحدة لدى هذا النبع المجيد أمر لا تجمد عقباه.  




https://archive.org/stream/landbookorbiblic00thom#page/n7/mode/2up

Sunday, October 21, 2018

شلّالات بردى



الأسطر التالية ترجمة لما كتبه المبشّر الأمريكي Thomson في رحلته من الغرب إلى الشرق عبر وادي بردى باتّجاه دمشق.

يبلغ ارتفاع بلدة الزبداني قرابة ٣٦٠٠ قدم أما بلودان فهي تعلوها بألف قدم يينما ترتفع القمّة الشاهقة لجبال لبنان الشرقيّة خلفها أكثر من ٧٥٠٠ قدماً فوق البحر المتوسّط.  

تمتاز بلودان بكونها المكان الذي يقضي فيه القنصل البريطاني في دمشق والبعثات التبشيريّة الإيرلنديّة والأمريكيّة فصل الصيف. تحتلّ هذه البلدة موقعاً جميلاً على خاصرة الجبل بمواجهة الغرب وتحيطها كروم وبساتين لأشجار الفاكهة والخضار والأزهار. تتمتّع بلودان بكميّات وافرة من المياه الجارية والجداول المخرخرة وتهيمن من ارتفاع شاهق على منظر بديع للسهل تحتها والجبال جنوباً حتّى حرمون.

تحدّ بساتين فاكهة الزبداني أسوار هي الأفضل إتقاناً وصيانة في سوريا بأسرها لا أستثني من ذلك حتّى دمشق. نتجاوز هذه البساتين ثمّ ننعطف إلى الغرب إلى نهر بردى ونتبع ضفّته الشماليّة إلى موضع هبوطه عبر الجبال الشرقيّة إلى فجّ سوق وادي بردى العميق الضيّق.

يبدوا النهر هنا عميقاً ويجري بسرعة وسكون متلوّياً خلال حقول ومروج هذا السهل الذي يضيق باستمرار إلى أن يسقط قرب أطلال جسر قديم فوق ناتىء صخريّ في سلسلة من الشلّالات الجميلة في طريقه إلى المعبر الواقع غرب سوق وادي بردى ويصبح سيلاً صاخباً وهادراً. فلنأخذ استراحة في هذا المكان البرّي الروائيّ نقضيها معجبين بهذا المشهد العظيم الرائع الذي يصعب إيجاد ما يماثله حتّى في هذه البلاد.

تكاد المرتفعات الصخريّة أن تكون عموديّة في بعض الأماكن خاصّة على الطرف الجنوبي للفجّ أمّا عن الجبال التي تشمخ فوفها على يميننا فيبلغ ارتفاعها أربعة آلاف قدم على الأقلّ.  




https://archive.org/stream/landbookorbiblic00thom#page/n7/mode/2up

Saturday, October 20, 2018

دمشق الشام




زار المبشّر الأمريكي  William McClure Thomson دمشق للمرّة الأولى في ثلاثينات القرن التاسع عشر وهو يقول ذلك -دون تحديد التاريخ الدقيق- في الصفحة ٣٩٥ من كتاب  The Land and the Book في الطبعة الصادرة عام ١٨٨٦ عندما يخبرنا أنّه نزل وقتها ضيفاً في بيت القنصل البريطاني John William Perry Farren الذي كان يشغل هذا المنصب عام ١٨٣٤ وإن لم أستطع تحديد الفترة الكاملة لمهمّته. يستشهد السيّد Thomson  في الصفحة ٣٥٧ من نفس الكتاب بزيارة البريطاني Charles G. Addison لدمشق في تشرين أوّل عام ١٨٣٥ التي جرت منذ "حوالي نصف القرن" والنتيجة المنطقيّة أنّ المؤلّف الأمريكي زار الشام للمرّة الثانية على الأقلّ حوالي عام ١٨٨٠. الأسطر التالية ترجمة لانطباعه الأوّل عن المدينة عندما أطلّ عليها من قبّة النصر الواقعة على مرتفعات قاسيون ومن المعروف أنّ هذه القبّة المملوكيّة هدمت عام ١٩٤١:

دعنا نحتمي من الوهج الباهر لهذه التلال الكلسيّة في فيء هذا الحرم الإسلامي ولنتمعّن النظر تحت أقواسه في هذا المشهد الذي لا مثيل له للنهر والسهل والمدينة الممتدّة تحتنا لعدّة أميال في جميع الاتّجاهات. يخبرنا الملازم Van de Velde أنّه من المحال أن يتخيّل المرء تبايناً يتجاوز ما نراه بين بياض تلال سلسلة جبال لبنان الشرقيّة الكلسيّة الذي يكسف البصر وبين واحة دمشق الخضراء، بين الصخور المعزولة المجدبة وبين أجمل مدن الشرق على الإطلاق وأكثرها سكّاناً. نظرة واحدة من هذا المكان تكفي لشرح الرواية التي يتداولها المسلمون عن أنّ الجنّة كانت تقع في هذا الموضع ويميل الناظر إلى التوقّف عن ترحاله كيلا يخسر متعة هذا المنظر الخلّاب. لا عجب أنّ السورييّن الذين يملكون هذه المدينة أكثر عجرفة من كافّة الأمم المحيطة يإسرائيل.  

يقتبس الكاتب بعدها وصف البريطاني Addison الذي جرى كما أسلفنا "قبل حوالي النصف قرن" أي عام ١٩٣٥ ويضيف أنّه لم يتغيّر على الإطلاق خلال هذا الزمن ثمّ يستأنف فيقول:

يجب ألّا ننسى أنّ نهر دمشق بردى يشكّل المصدر الدائم هذا الخضار الغزير. يتلوّى هذا النهر بين التلال الجرداء خلال فجّ عميق إلى أن يصل إلى السهل ونتعرّف على مساره من خلال النباتات الكثيفة التي تحيط بضفّتيه من الصفصاف والحور والزعرور والجوز المعلّقة فوق المياه الرائقة المتدفّقة وهناك تضارب صارخ بين هذا وبين الصحراء العارية في المحيط كما قال Dean Stanley عندما نظر إلى بردى من نفس الموقع مضيفاً أنّ هذا النهر يجري في الأسفل في الوادي محاطاً بضفافه الخضراء مندفعاً إلى الأمام ومن ثمّ يتوزّع بسرعة تخالها لا تتجاوز اللحظات خلال السهل في دائرة تمتدّ ثلاثين ميلاً موزّعاً معه نفس الاخضرار الذي كان مقصوراً على الامتداد الضيّق للوادي وهو في انبثاقه من قوقعته أشبه ما يكون بثوران البركان مع فارق أنه في حالتنا هذه انفجار يطفح بالحياة عوضاً عن الموت. 





http://bornindamascus.blogspot.com/2018/10/blog-post_14.html


Friday, October 19, 2018

مأساة جامع يلبغا


لا يوجد تفسير مقنع لهدم جامع يلبغا إلّا التفسير المادّي وأقول تفسير وليس تبرير ما لا يمكن تبريره تراثيّاً أو أخلاقيّاً أو جماليّاً. هدم البناء الأثري والاستعاضة عنه ببناء حديث أرخص وأربح وأسهل بكثير من ترميم مهني مكلف يحتاج لخبرات ومهارات خاصّة ومع شديد الأسف ذهب هذا الجامع العريق ضحيّة حسابات من هذا النوع. لم يكن هذا الصرح هو الوحيد الذي أزيل في ساحة المرجة فقد سبقته أبنية دار البلديّة والبريد والعدليّة مع فارق أنّ جميع هذه المشيّدات تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وبالتالي فهي حديثة نسبيّاً وكان من الممكن تفهّم هدمها لو أنّ بدائلها كانت أقلّ دمامة وقباحة ممّا هي عليه فعلاً أمّا عمر جامع يلبغا فيتجاوز الخمسمائة سنة.



كان الموقع غرب سوق الخيل على نهر بردى في محلّة تحت القلعة ويقول Jean Sauvaget عن تاريخه الكلام التالي:

"بني الجامع عام ١٢٦٤ للميلاد (٦٦٢ للهجرة) ورمّم عام ١٤٠١ (٨٠٣-٨٠٤) ثمّ عام ١٤٤٣ (٨٤٦-٨٤٧) على يد نائب الشام يلبغا الذي سمّي المعلم على اسمه وأيضاً في القرن الثامن عشر".

يعلّق Ernst Herzfeld على هذا موافقاً على تاريخ ٦٦٢ للهجرة كقراءة صحيحة لنقش كتابي تحت الطلاء وأمّا عن تاريخ ٨٤٧ فيرتأي أنّه خطا ارتكبه النعيمي أو من نسخ النعيمي في الخلط بين نائبين باسم يلبغا الأوّل (٧٤٦-٧٤٨ الموافق ١٣٤٥-١٣٤٦ للميلاد) والثاني بعده بمائة عام وأنّ الصواب أنّ النائب الأوّل هو الذي قام ببناء أو ترميم الجامع.

جدّد الجامع من جديد في مطلع القرن الخامس عشر في عهد نوروز الحافظي كما يدلّ أحد النقوش الكتابيّة وتحوّل في عهد ابراهيم باشا (ثلاثينات القرن التاسع عشر) إلى معمل بسكويت وهدم عام ١٩٧٤ وإن تمّ إنقاذ أحد بوّاباته التي نقلت لمتحف دمشق الوطني.  



شيّد الجامع في مكان خال على موضع عرف بتلّ المشانق وبلغ قياس صحنه ٦٠ في ٤٢ متر شغلتها مساكن حديثة منعت Herzfeld من زيارتها عندما حاول ذلك في مطلع القرن العشرين. أبعاد حرم الصلاة ٦٧ في ١٢ متر وقسمت في الأصل إلى ثلاث ممرّات فصلتها صفّان من الأقواس المعمّدة وتوسّطتها قبّة بمثابة المجاز المعترض في الجامع الأموي.  





https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica13141948detr

Thursday, October 18, 2018

جامع الجرّاح




كان هذا الجامع الواقع خارج الباب الصغير في الأصل مسجداً للجنائز آيلاً للتداعي في سوق الغنم وأعاد بنائه الجرّاح (نسبة لبني الجرّاح من قبيلة طيء) ثمّ الأيّوبي الملك الأشرف موسى ابن العادل عام  ٦٣١ للهجرة (الموافق ١٢٣٣ للميلاد). أحرق هذا الجامع عام ١٢٤٤ عندما طوّق الخوارزميّون دمشق ورمّمه بعدها الأمير مجاهد الدين محمّد ابن الأمير شمس الدين محمود ابن غرس الدين القليجي النوري عام ١٢٥٤ (بينما يقول Sauvaire استناداً إلى نقش كتابي مندثر أنّ التجديد جرى على يد الأمير مجاهد الدين المالكي الناصري عام ١٢٥٠ في عهد الملك الناصر صلاح الدنيا والدين الثاني). احترق الجامع من جديد عام ١٥٦٦ ورمّم من جديد.  لزيادة تعقيد تاريخه هناك نقش كتابي في أحرف شديدة الصغر على زوج من الأعمدة الصغيرة في المحراب يعزوا تجديد "هذين العمودين" إلى "الفقيرة إلى الله تعالى بلقيس بنت الحاجّ عبد الرزّاق".


وجد العالم Ernst Herzfeld  هذا الجامع في حالة جيّدة عندما زاره في مطلع القرن العشرين وبدا وكأنّه بوضعه آنذاك يعكس مرحلة بناء واحدة عام ٦٤٨ للهجرة (١٢٥٠ للميلاد) وإن كان السقف ينتمي إلى عام ٩٧٤ (١٥٦٦ للميلاد) على الأرجح. المحراب قديم ولربّما تمّت إضافة أو ترميم الأعمدة على يد السيّدة الورعة بلقيس في فترة سبقت العام ١٥٦٦.

بالنسبة لتخطيط الجامع (الرسم الملحق) فهو يتبع نموذج الجامع الأموي وإن كان أصغر منه بكثير. التقطت الصورتان أعلاه لصحن الجامع وحرم الصلاة مع المنبر والمحراب بين الأعوام ١٩٠٨ و ١٩٣٠ من القرن الماضي. 




https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica13141948detr

Wednesday, October 17, 2018

جامع الأقصاب



يسمّى أيضاً جامع القصب أو "جامع السادات الزينبيّة" على اعتبار أنّه المكان المفترض الذي دفن فيه عدد من رؤوس الصحابة من أشياع علي قتلوا بأمر من معاوية. يقع هذا الجامع خارج سور المدينة شمال نهر بردى وعلى بعد حوالي ٢٠٠ متر من باب السلام أو السلامة ويقول Jean Sauvaget أنّ المملوكي ناصر الدين محمّد ابن منجك أعاد بنائه عام ١٤٠٨ للميلاد. ماذا عن تاريخه السابق؟

لا شكّ أنّ البناء القديم سابق للإسلام إذ نرى في رواقه الشمالي عناصر قد تعود للعهد البيزنطي وعلى الأغلب شغلت كنيسة بيزنطيّة هذا الموقع سالفاً. يمكن أخذ فكرة عن تاريخه من خلال استقراء المعلومات التالية:

- يخبرنا النعيمي (القرن السادس عشر) أنّ حدود وقف المدرسة المسماريّة (نسبة للشيخ مسمار الهلالي الذي مات عام ٥٤٦ للهجرة = ١١٥١ للميلاد) كانت متاخمة لمسجد الأقصاب. إذاً كان هذا الجامع (بالأحرى في ذلك الوقت المسجد) موجوداّ في منتصف القرن الثاني عشر.

- يقول ابن كثير (مات ١٣٧٣) أنّه تمتّ تأدية صلاة الجمعة في جامع الأقصاب في جمادى الثاني للعام ٧٢١ (الموافق ١٠ تمّوز ١٣٢١) إذاً الجامع (وليس فقط المسجد) كان موجوداً قبل حوالي ٩٠ عاماً من إعادة بنائه على يد منجك. 

- يعلمنا ابن قاضي شهبة (مات ١٤٤٧) أنّ منجك هدم المسجد وبنى مكانه جامعاً كبيراً وأنّه استملك المكان بشكل غير شرعي وأدّع ذلك إلى خلاف قضائي بين قضاة المذهب الحنفي والشافعي. 

الصورة العليا لجامع الحنابلة والسفلى لجامع الأقصاب


نأتي الآن إلى البناء:

تعود زينة الجامع بما فيها المحراب الكبير والأسقف الخشبيّة ولربّما أيضاً ركائز الرواق المعمّد الداخلي إلى عهد منجك وإن التبس منشأ القسم الغربي بما فيه الحجرات الصغيرة والمطاهر. في كلّ الأحوال البناء الحالي أقدم من العهد المملوكي ويحمل طابعاً أيّوبيّاً نمطيّاً وبالذات عصر الأشرف موسى. تتناوب حول الصحن الأعمدة column مع الركائز pillar المضلّعة على غرار الجامع الأموي أو على الأقلّ تفسير الأيّوبييّن للجامع الأموي وكذلك نجد المداخل الشماليّة والشرقيّة والغربيّة موزّعة على نمط الأموي أمّا قاعة الصلاة فلها ممرّين nave عوضاً عن ثلاثة كما نرى في المخطّط أعلاه.

معظم المعلومات مقتبسة عن العالم Ernst Herzfeld في مقال نشرته مجلّة الفنون الإسلاميّة عام ١٩٤٨ ويمكن الرجوع للرابط المرفق.  



https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica13141948detr

Tuesday, October 16, 2018

جامع الحنابلة




التزمت كافّة المدن الإسلاميّة حتّى القرن السادس الهجري بقاعدة لا تحيد عنها ألا وهي وجود جامع وحيد لتأدية صلاة الجمعة والاستماع إلى الخطبة وبالطبع هناك العديد من المساجد الصغيرة إضافة للمسجد الجامع. تبدوا حواضر بغداد وسامرّاء والقاهرة وكأنّها تشذّ عن هذه القاعدة ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّها كانت مدناً اندماجيّة (مثلاً عاصمة مصر بدأت بالفسطاط ثمّ أضيفت القطائع في عهد ابن طولون وأخيراً قاهرة المعزّ لدين الله الفاطمي وعامله جوهر). من هنا نجد أنّ جامع الحنابلة في صالحيّة دمشق لم يكن استثناءً لهذه القاعدة فهذا الحيّ حافظ على استقلاله عن الشام منذ تأسيسه في القرن الثاني عشر وحتّى القرن التاسع عشر للميلاد.

جميع هذه المعلومات مأخوذة عن Ernst Herzfeld ومقاله في عدد مجلّة الفنون الإسلاميّة الصادر عام ١٩٤٨ وهو مختزل في هذه الأسطر لتجنّب الإطالة ويمكن الرجوع للرابط الملحق لمزيد من التفاصيل. 

بدأ أبو عمر محمّد ابن قدامة المقدسي في بناء جامع الجبل على سقوح قاسيون على نفقة الشيخ أبي داود محاسن ابن الفامي (نسبة إلى مدينة أفامية) وبالنتيجة تولّى ابن قدامة المصاريف حتّى نفذت وسائله وعلى إثر ذلك أخذ مظفّر الدين كوكبوري صاحب إربيل (زوج أخت صلاح الدين ربيعة خاتون مؤسّسة مدرسة الصاحبة) على عاتقه إكمال الجامع والمصاريف اللازمة لهذا الغرض وأنجز العمل عام ٥٩٩ للهجرة (١٢٠٢ للميلاد). 



بالنسبة لمخطّط جامع الحنابلة أو المظفّري (نسبة لكوكبوري) فهو نموذج مصغّر ومتقشّف من الجامع الأموي مع بعض التعديلات. صحن الجامع هنا مربّع تتناوب في الأروقة التي تحيطه الأعمدة column مع الركائز pier وتتواجد مئذنته إلى جانب بوّابته الشماليّة (كما في حال عروس الجامع الأموي) وله بوّابتان شرقيّة وغربيّة (أيضاً على غرار بابيّ جيرون والبريد) . تبلغ أبعاد حرم الصلاة ٢٠،٥ متر  في ٣١،٥ متر وتغطّيه ثلاثة أسقف خشبيّة جملونيّة توازي جداره الجنوبي ويقسم إلى ثلاث ممرّات nave من الشرق إلى الغرب تحدّدها أقواس ترتكز على زوج من ستّة عضائد تزيد المسافة بين الثالث والرابع منها عن بقيّة المسافات الفاصلة بين العضائد وبذلك تعطي انطباعاً شبيهاً بالمجاز المعترض transept في الأموي. لم تسمح إمكانيّات بناة المظفّري بمجاراة الأموي من جهة الفخامة والاتّساع وإن تمتّعوا بميزة البناء بحريّة على أرض خالية منذ البداية دون التقيّد بالعمائر السابقة في الموضع المختار. 




لحرم الصلاة سبعة أبواب في جداره الشمالي أمّا المحراب (في الجدار الجنوبي طبعاً) فهو حجريّ نرى على جانبيه عمودين صغيرين لا شكّ بكونهما من الغنائم الصليبيّة بعد بتر بعض الرؤوس البشريّة المنحوتة بما يتوافق مع العقيدة الإسلاميّة. المنبر خشبي وجيّد الصنعة وإن لم يرق لمستوى المدرسة الحلبيّة في عهد نور الدين ولا حتّى لنظيره في ضريح صلاح الدين.  




https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica13141948detr

Monday, October 15, 2018

بقايا كتابات سلوقيّة وسلجوقيّة في جامع دمشق الكبير

 قبل حريق ١٨٩٣

أدلى عدد  من العلماء المستشرقين منهم والمحلييّن بدلوهم من خلال دراسات منها المبتسر ومنها المستفيض عن جامع دمشق الأموي ولم يرغب العالم الراحل Ernst Herzfeld أن يكرّر المعلومات المتوافرة بل اقتصر على ذكر سريع في صفحتين  (١١٨-١١٩ من الرابط الملحق) في عدد مجلّة الفنون الإسلاميّة الصادر عام ١٩٤٨ يذكر بهما "اسهامه الوحيد" وعلى اعتبار أنّه لا يمكن إهمال أي معلومة عن هذا الجامع الذي يعتبر ويحقّ أهمّ آثار دمشق -إن لم نقل سوريا- على الإطلاق أورد فيما يلي ترجمة ما كتبه في الأصل الإنجليزي:

يكفي لأن يذكر اسم دمشق كي نتصوّر جامعها الأموي الكبير الذي يعتبره العرب أحد عجائب الدنيا ورمزاً للعهد الذي كانت فيه دمشق عاصمة العالم المتمدّن. 

كتب الكثير عن جامع الوليد الذي دمّر في حريق كبير عام ١٨٩٣ وما نراه اليوم مبنى جديد ولكنّه يحافظ على هيكل الجدران الخارجيّة القديم ويتبع في الداخل نموذج البناء الأصلي. التقط الصورة الملحقة Bonfils قبل الحريق وكان الجامع لا يزال قيد البناء عندما زرته عام ١٩٠٣ بينما درسه Van Berchem عام ١٨٩٣ و ١٨٩٤ قبل وبعد الحريق وتشكّل المعطيات التي دوّنها مع كتابات Dussaud التي لم تنشر المواد الأساسيّة لدراسة تاريخ الجامع القديم. يزداد تعقيد المشكلة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ الكنيسة لا تتبع أي نموذج تقليدي بل هي استثنائيّة بالكامل كما هو الحال في أهمّ حرم بقيّة المدن السوريّة العظيمة كحمص وحماة وحلب إذ جميع هذه الدور كانت معابد قديمة تحوّلت إلى كنائس ومن ثمّ إلى جوامع.  

أقدّم هنا إسهامي الوحيد إلى تاريخ الجامع الأموي. نرى في الشكل أدناه علامات خطّها بنّاء داخل المئذنة الغربيّة في الطبقة السفليّة القديمة الواقعة على مستوى المجموعة الخارجيّة المكوّنة من أعمدة جداريّة pilaster مع تيجانها المقعّرة القولبة. من الواضح أنّ هذه العلامات سلوقيّة وتتوائم مع طراز الأعمدة الجداريّة الخارجيّة وبالتالي يعود تاريخ أهمّ الأجزاء المزيّنة بهذه الأعمدة الجداريّة إلى القرن الثالث قبل الميلاد. 



الشكل الثاني خطّه بنّاء آخر بالكوفيّة داخل الطبقة التالية المكعّبة الشكل لنفس المئذنة وتتكوّن هذه الطبقة من عشرة مداميك من الأحجار الضخمة يعلوها طنف cornice بسيط وفوقها جذع البنية المملوكيّة المثمّنة. قراءة الكتابة هي التالية:



"غفر الله للقاضي سلمان ابن علي"

يعود هذا النقش للعهد السلجوقي وبالتالي فمستوى المئذنة المكعّب المذكور كان موجوداً وقتها.

هدفي إظهار الأثر الكبير الذي مارسه هذا الجامع على عمائر الفترات اللاحقة ولا ينكر أحد هذا الأثر إلّا أنّه يتجاوز كثيراً ما هو متعارف عليه. 




https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica13141948detr