نستطيع إذا طرحنا جانباً تحليل وتأويل المستشرقين والرحّالة أن نثق بالمعلومات التي يزوّدوننا بها وخاصّة الجغرافيّة والطبوغرافيّة منها إلى حدّ كبير وعلّها كانت ولا زالت أفضل الموجود عن زمن مضى واندثر. من هذا المنطلق أقدّم فيما يلي ترجمة لبعض الفقرات اخترتها من الصفحات ٣٥٢-٣٥٤ من كتاب "لبنان، دمشق، وما وراء الأردن" للمبشّر الأمريكي W. M. Thomson طبعة عام ١٨٨٦. توخّيت الأمانة في الترجمة وإن حذفت بعض المقاطع لتجنّب الإطالة ويمكن مراجعة النصّ الكامل على الرابط أدناه لمن يرغب بالتوسّع فهو أكثر من جدير بالقراءة.
يحتار المرء لدى عين الفيجة في اختيار الأكثر إثارة للإعجاب، أهي غزارة المياه الباردة والرائقة المنجبسة تحت أنقاض هذه المصطبة أم هذا الشلّال المندفع الهادر عندما يزبد متدفّقاً فوق الصخور ليهبط في قناته الضيّقة، أو بالأحرى هذه الغابة الكثيفة من أشجار الصفصاف والجوز والجمّيز والدلب والحور الباسقة التي تظلّل الضفاف، أو علّها هذه الصخور الجرفيّة الرائعة التي تسموا أكثر من ألف قدم لتعزل هذا الوادي السعيد من كلّ حدب وصوب. كلّ هذا يتتالى متعة للناظر تسلب خياله.
ليس عين الفيجة بأبعد مصادر بردى ولكنّه -وبفارق بعيد- أكثر ينابيعه غزارة. اعتقد جغرافيّو العرب أنّه نبع نهر دمشق الأوّل وهذا غير صحيح إذ أنّ القسم الأعلى من مجرى بردى يصرّف مرتفعات ووديان هذه المنطقة من سلسلة جبال لبنان الشرقيّة بكاملها لمسافة تتجاوز العشرين ميلاً وبالتالي فبردى خلال الفصول الممطرة نهر ضخم دون إضافة رافده من عين الفيجة. ينبع ها الأخير من كهف تحت جبل ذو فتحتين فوق إحداهما قوس يعلوا قسماً منها وأمّا عن كميّة مياه الفيجة فتبلغ ضعفيّ مياه مجرى بردى العلوي في فصل الشتاء. تندفع مياه عين الفيجة في عنفوان أشبه ما يكون بالسيل الهادر بعد خروجها من الكهف لتهبط بين الصخور عابرة غابة كاملة من أشجار الجوز والحور وغيرها ثمّ تتوسّع إلى جدول عريض رائق كالبللور وتلاقي بردى على بعد مسافة إضافيّة تبلغ المائة خطوة حيث يجري النهران أحدهما إلى جانب الآخر لفترة تتّحد بعدها مياه عين الفيجة الصافية مع مياه بردى العكرة.
كم أرغب في قضاء أيّام هنا عوضاً عن ساعات معدودة!
لا شكّ في ذلك ولكن لهذه الجنّة أفعاها -شأنها في ذلك شأن الجنّة الأصليّة- فهي موبوءة بالحمّى والبرداء التي تعيث في غياضها وهي نظراً لوفرة مياهها وكثافة نباتاتها بما فيها المتعطّنة بالقطع غير صحيّة في الصيف والخريف. أصبت لدى مروري في هذا المكان في تشرين الأوّل بالشحوب الذي يعاني منه أهل البلاد. الخلاصة أنّ قضاء حتّى ليلة واحدة لدى هذا النبع المجيد أمر لا تجمد عقباه.
https://archive.org/stream/landbookorbiblic00thom#page/n7/mode/2up
No comments:
Post a Comment