لا يوجد تفسير مقنع لهدم جامع يلبغا إلّا التفسير المادّي وأقول تفسير وليس تبرير ما لا يمكن تبريره تراثيّاً أو أخلاقيّاً أو جماليّاً. هدم البناء الأثري والاستعاضة عنه ببناء حديث أرخص وأربح وأسهل بكثير من ترميم مهني مكلف يحتاج لخبرات ومهارات خاصّة ومع شديد الأسف ذهب هذا الجامع العريق ضحيّة حسابات من هذا النوع. لم يكن هذا الصرح هو الوحيد الذي أزيل في ساحة المرجة فقد سبقته أبنية دار البلديّة والبريد والعدليّة مع فارق أنّ جميع هذه المشيّدات تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وبالتالي فهي حديثة نسبيّاً وكان من الممكن تفهّم هدمها لو أنّ بدائلها كانت أقلّ دمامة وقباحة ممّا هي عليه فعلاً أمّا عمر جامع يلبغا فيتجاوز الخمسمائة سنة.
كان الموقع غرب سوق الخيل على نهر بردى في محلّة تحت القلعة ويقول Jean Sauvaget عن تاريخه الكلام التالي:
"بني الجامع عام ١٢٦٤ للميلاد (٦٦٢ للهجرة) ورمّم عام ١٤٠١ (٨٠٣-٨٠٤) ثمّ عام ١٤٤٣ (٨٤٦-٨٤٧) على يد نائب الشام يلبغا الذي سمّي المعلم على اسمه وأيضاً في القرن الثامن عشر".
يعلّق Ernst Herzfeld على هذا موافقاً على تاريخ ٦٦٢ للهجرة كقراءة صحيحة لنقش كتابي تحت الطلاء وأمّا عن تاريخ ٨٤٧ فيرتأي أنّه خطا ارتكبه النعيمي أو من نسخ النعيمي في الخلط بين نائبين باسم يلبغا الأوّل (٧٤٦-٧٤٨ الموافق ١٣٤٥-١٣٤٦ للميلاد) والثاني بعده بمائة عام وأنّ الصواب أنّ النائب الأوّل هو الذي قام ببناء أو ترميم الجامع.
جدّد الجامع من جديد في مطلع القرن الخامس عشر في عهد نوروز الحافظي كما يدلّ أحد النقوش الكتابيّة وتحوّل في عهد ابراهيم باشا (ثلاثينات القرن التاسع عشر) إلى معمل بسكويت وهدم عام ١٩٧٤ وإن تمّ إنقاذ أحد بوّاباته التي نقلت لمتحف دمشق الوطني.
شيّد الجامع في مكان خال على موضع عرف بتلّ المشانق وبلغ قياس صحنه ٦٠ في ٤٢ متر شغلتها مساكن حديثة منعت Herzfeld من زيارتها عندما حاول ذلك في مطلع القرن العشرين. أبعاد حرم الصلاة ٦٧ في ١٢ متر وقسمت في الأصل إلى ثلاث ممرّات فصلتها صفّان من الأقواس المعمّدة وتوسّطتها قبّة بمثابة المجاز المعترض في الجامع الأموي.
https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica13141948detr
No comments:
Post a Comment