Saturday, October 13, 2018

التربة التكريتيّة

يغلب الطابع الأيّوبي على عمائر الصالحيّة الأثريّة كما يغلب المملوكي في حيّ الميدان وعلى اعتبار أنّ العهدين متتاليان، لا غرابة في وجود نماذج "انتقاليّة" إذا جاز التعبير. 

Photo credit Degeorge 1997

تطلّ التربة التكريتيّة على زاوية في شارع المدارس وهي واقعة تماماً مقابل دار الحديث الأشرفيّة التي تتوسّط الأتابكيّة والمرشديّة. ليس في التكريتيّة نقوش كتابيّة تحدّدها وبالتالي آلت هذه المهمّة إلى الكتابات التاريخيّة ويخبرنا النعيمي أنّ هذه التربة موجودة في سوق الصالحيّة بمواجهة دار الحديث الأشرفيّة وأنّها مثوى الشيخ تقيّ الدين ابن الصاحب أبي البقاء ابن المهاجر التكريتي (من المعروف أنّ تكريت مسقط رأس صلاح الدين). 

إذاً لا التباس في كون هذه التربة هي التكريتيّة التي أشار إليها النعيمي ولكن ماذا عن هويّة المدفون فيها؟!

قام المستشرق Ernst Herzfeld عام ١٩٤٦ بتحليل المعطيات الواردة في النعيمي وسبط ابن الجوزي وغيرهم وتوصّل بناءً عليه إلى وجود شخصين بكنية "ابن المهاجر" وأنّ كليهما دفنا في التربة المذكورة : الأوّل في العهد الأيّوبي وهو الوزير السيّد كمال الدين مات عام ٦٣٤ (الموافق ١٢٣٦) وتتضارب الروايات المتعلّقة بكيفيّة وفاته بين حدوثها أثناء تأدية فرض الصلاة وبين قيام الملك الأشرف موسى بتسميمه، والثاني في زمن المماليك وهو تقيّ الدين الذي ذكره النعيمي (٦٢٠-٦٩٨ الموافق ١٢٢٣-١٢٩٨) والذي تقلّب بين منصب الوزير والسجن كما كان مألوفاً وقتها.  

الشكلان ١٣٦ و ١٣٧ للزخارف الكتابيّة في التربة التكريتيّة وأمّا ١٣٥ فهو لنقش كتابي من مسجد خالد ابن الوليد قرب باب توما وبنى الشيخ رسلان زاوية ملاصقة له في عهد نور الدين
    
البناء إذاً هجين يعكس الطراز المملوكي في نهايات القرن الثالث عشر وفي نفس الوقت صرامة وبساطة العمائر الأيّوبيّة. يقودنا المدخل الذي تعلوه المقرنصات وقوقعة إلى دهليز بيضاوي الشكل نلج منه على اليمين إلى غرفة الضريح المتوّجة بقبّة تحتها عنقين مضلّعين للعلوي منهما ستّة عشر وجهاً والسفلي ثمانية. الواجهة مبنيّة من الحجارة الملساء الجميلة ولها أربع نوافذ منخفضة إثنان منها للتربة وإثنان لقاعة الصلاة تعلوها سواكف أيّوبيّة النمط. تحتوي قاعة الصلاة على عصابة كتابيّة شديدة الغنى بالزخارف تمتدّ على ثلاث جدران وهي فريدة من نوعها في دمشق ذات طابع مغربي-أندلسي وعلّها أضيفت في القرن الرابع عشر بعد أن صبّ غازان وأوباش المغول جام غضبهم على حيّ الصالحيّة وأحرقوه بما فيه التربة التكريتيّة عام ١٣٠٠ للميلاد.  

الشكل ١٣٨ من التربة التكريتيّة وأمّا ١٣٩ فمن مسجد الطشتدار * الأيّوبي

* النقش يزيّن صحن دائري قطره ٧٢ سم داخل مضلّع مثمّن نقرأ عليه الكتابة التالية موزّعة على سبعة أسطر:

"بسم الله الرحمن الرحيم....جدّد هذا المسجد العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الله الطشتدار الملكي الصالحي في شهر رمضان المبارك سنة سبع وثلثين وستّمائة (١٢٣٩ للميلاد) تقبّل الله منه وغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين".


https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica11121946detr

Gérard Degeorge: Damas des Origines aux Mamluks, l'Harmattan 1997

No comments:

Post a Comment