زار المبشّر الأمريكي William McClure Thomson دمشق للمرّة الأولى في ثلاثينات القرن التاسع عشر وهو يقول ذلك -دون تحديد التاريخ الدقيق- في الصفحة ٣٩٥ من كتاب The Land and the Book في الطبعة الصادرة عام ١٨٨٦ عندما يخبرنا أنّه نزل وقتها ضيفاً في بيت القنصل البريطاني John William Perry Farren الذي كان يشغل هذا المنصب عام ١٨٣٤ وإن لم أستطع تحديد الفترة الكاملة لمهمّته. يستشهد السيّد Thomson في الصفحة ٣٥٧ من نفس الكتاب بزيارة البريطاني Charles G. Addison لدمشق في تشرين أوّل عام ١٨٣٥ التي جرت منذ "حوالي نصف القرن" والنتيجة المنطقيّة أنّ المؤلّف الأمريكي زار الشام للمرّة الثانية على الأقلّ حوالي عام ١٨٨٠. الأسطر التالية ترجمة لانطباعه الأوّل عن المدينة عندما أطلّ عليها من قبّة النصر الواقعة على مرتفعات قاسيون ومن المعروف أنّ هذه القبّة المملوكيّة هدمت عام ١٩٤١:
دعنا نحتمي من الوهج الباهر لهذه التلال الكلسيّة في فيء هذا الحرم الإسلامي ولنتمعّن النظر تحت أقواسه في هذا المشهد الذي لا مثيل له للنهر والسهل والمدينة الممتدّة تحتنا لعدّة أميال في جميع الاتّجاهات. يخبرنا الملازم Van de Velde أنّه من المحال أن يتخيّل المرء تبايناً يتجاوز ما نراه بين بياض تلال سلسلة جبال لبنان الشرقيّة الكلسيّة الذي يكسف البصر وبين واحة دمشق الخضراء، بين الصخور المعزولة المجدبة وبين أجمل مدن الشرق على الإطلاق وأكثرها سكّاناً. نظرة واحدة من هذا المكان تكفي لشرح الرواية التي يتداولها المسلمون عن أنّ الجنّة كانت تقع في هذا الموضع ويميل الناظر إلى التوقّف عن ترحاله كيلا يخسر متعة هذا المنظر الخلّاب. لا عجب أنّ السورييّن الذين يملكون هذه المدينة أكثر عجرفة من كافّة الأمم المحيطة يإسرائيل.
يقتبس الكاتب بعدها وصف البريطاني Addison الذي جرى كما أسلفنا "قبل حوالي النصف قرن" أي عام ١٩٣٥ ويضيف أنّه لم يتغيّر على الإطلاق خلال هذا الزمن ثمّ يستأنف فيقول:
يجب ألّا ننسى أنّ نهر دمشق بردى يشكّل المصدر الدائم هذا الخضار الغزير. يتلوّى هذا النهر بين التلال الجرداء خلال فجّ عميق إلى أن يصل إلى السهل ونتعرّف على مساره من خلال النباتات الكثيفة التي تحيط بضفّتيه من الصفصاف والحور والزعرور والجوز المعلّقة فوق المياه الرائقة المتدفّقة وهناك تضارب صارخ بين هذا وبين الصحراء العارية في المحيط كما قال Dean Stanley عندما نظر إلى بردى من نفس الموقع مضيفاً أنّ هذا النهر يجري في الأسفل في الوادي محاطاً بضفافه الخضراء مندفعاً إلى الأمام ومن ثمّ يتوزّع بسرعة تخالها لا تتجاوز اللحظات خلال السهل في دائرة تمتدّ ثلاثين ميلاً موزّعاً معه نفس الاخضرار الذي كان مقصوراً على الامتداد الضيّق للوادي وهو في انبثاقه من قوقعته أشبه ما يكون بثوران البركان مع فارق أنه في حالتنا هذه انفجار يطفح بالحياة عوضاً عن الموت.
http://bornindamascus.blogspot.com/2018/10/blog-post_14.html
No comments:
Post a Comment