Saturday, January 20, 2018

دليل فلسطين وسوريّا ١٨٧٦




تجمعُ الإنسانَ الغربي عموماً والأوروپّي خصوصاً مع الشرق الأدنى روابطٌ تاريخيّةٌ وثقافيّةٌ ودينيّةٌ غنيّةٌ عن التعريف، بدأت مع الإسكندر الأكبر، وتعاظمت مع اعتناق الغرب المسيحيّة، وعزّزتها الدوافع التجاريّة. أدّت هذه العلاقات بالنتيجة إلى تدخّلٍ عسكريٍّ مباشر كما في العهد الصليبي، وتُوِّجَ هذا التدخّل في القرن التاسع عشر الذي كان استعماريّاً بامتياز، تزامن في المنطقة مع ضعف وتقهقر الإمبراطوريّة العثمانيّة.  

ازداد عدد زوّار سوريا الغربييّن مع تطوّر وسائل الاتّصالات والمواصلات؛ منهم من أتى حاجّاً إلى الديار المقدّسة، ومنهم من جَذَبَتْهُ إلى المشرق الآثار، خصوصاً اليونانيّة والرومانيّة والصليبيّة، ومنهم الديپلوماسيّون والتجّار والمبشّرون. القاسم المشترك لكلِّ هؤلاء وكثيرٍ غيرهم حاجتُهُم إلى مرجعٍ بلغتِهِم موجّهٌ إلى العامّة، يعرّفهم على الشام، ليس فقط على معالِمِها التاريخيّة، وإنّما أيضاً مناخِها وجغرافيتها وطرقاتِها ومحطّاتِها وفنادِقِها (إذا وجدت) ومطاعِمِها وتراجمتِها وأدلّتِها وأكلافِ الرحلة بالعملة المحليّة و"الصعبة" إذا أمكن، وكثيرٍ غيرها من المعلومات التي لا غنى عنها للرحّالة في كلّ زمانٍ ومكان.  

لا تزال الأدلّة السياحيّة المحليّة إلى اليوم شديدةَ التقصير في هذا المضمار، ومتواضعةً إخراجاً ومضموناً، وبإمكانِ من يريد التحقّق مقارنة عدد الأدلّة المتوافرة عن أي مدينة أوروپيّة متوسّطة مع تلك المتعلّقة بدمشق أو أي مدينة سوريّة كبيرة. إذا كان هذا وضعُ اليوم فما بالك في القرن التاسع عشر؟ هنا تأتي أهميّة دليل Baedeker الذي صدرت طبعتُهُ الأولى بالألمانيّة عام ١٨٧٥، وتلتها الطبعة الإنجليزيّة الأولى (اضغط هنا للتحميل بالمجّان) عام ١٨٧٦ وأُعيدَ تنقيحُهُ وطباعتُهُ بالإنجليزيّة في الأعوام ١٨٩٤، ١٨٩٨، ١٩٠٦، ثمّ ١٩١٢(آخر طبعة).

فلنتعرّف على الطبعة الإنجليزيّة الأولى عام ١٨٧٦. الكتيّب صغير الأبعاد (١٦ x ١١ من عشيرات المتر)، سهل الحمل، وصغير الخطّ، يحتاج إلى عيونٍ شابّة (أو نظّارات مناسبة) وإضاءة جيّدة. الدليلُ غنيٌّ بالمعلومات إلى درجة كبيرة، لا بل مدهشة. عدد الصفحات ٦٠٠ ونيّف تنتهي بفهرس أبجدي شامل، ويُضاف إلى النصّ ١٨ خريطة و ٤٣ مخطّط (للمدن وبعض المعالم) وعشر صور. الصفحات من ١ إلى ١٢٦ مقدّمةٌ عن الطريقة المُثْلى لتخطيط الرحلة والإقامة، ومعلوماتٌ عن المناخ، والتضاريس، والحيوان والنبات، وتاريخ المنطقة منذ أقدم الأزمنة حتّى العام السابق للنشر، والتعريف بسكّانها بمختلف دياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم وفنونهم، ثمّ اللغة العربيّة (مع تزويد السائح ببعض العبارات "الجاهزة")، وأخيراً تعريف بالمراجع المتوافرة عبر العصور. زَعَمَ المؤلّف أو المؤلِّفِين أنّ المصدرَ الأفضل للمعلومات عن فلسطين هو الكتاب المقدّس، وهناك أيضاً روايات الرحّالة والمستشرقين عبر العصور من Arculf في القرن السابع الميلادي نهايةً بصندوق استكشاف فلسطين Palestine Exploration Fund في القرن التاسع عشر. 

للحديث بقيّة. 

No comments:

Post a Comment