زار الأديب الإنجليزي Robert Hichens والفنّان الأمريكي Jules Guérin الشرق الأدنى بين الأعوام ١٩٠٨ (ثورة جماعة "تركيّا الفتاة") و ١٩١٠. شَهِدَ التاريخُ الأخير نشرَ كتاب "الديار المقدّسة" للمؤلِّفَيْن. بدأت الرحلة في بيروت ومنها إلى بعلبك فدمشق ثمّ بيت القصيد: فلسطين والقدس إبّان الاحتفال بعيد الفصح. الكلفة اليوميّة ١٥ دولار "آكل شارب نايم" مع المواصلات والأدلّة وهلمّجرّا. خصّ الكاتب بعلبك (أوّل ما وَصَفَهُ) بفصلٍ كامل، أمّا بيروت فلم تَنَل سطراً واحداً. يتوزّع الكتاب، الأقرب إلى المُصَوَّر، على سبعةِ فصول وثلاثمائة صفحة مُفْعَمة باللقطات الضوئيّة التاريخيّة مع لوحات للفنّان الأمريكي المذكور. الجملُ بما حمل متوافرٌ للمهتمّين بالمجّان.
احتلّت عاصمةُ الأموييّن فصلاً بعنوان "سحر دمشق" طولُهُ ٤٥ صفحة، علّه أكثر ما في الكتاب إثارةً للاهتمام من وجهة نظري عل الأقلّ. لا داعي للدخول في وصف المدينة فهناك مراجع أفضل بكثير لهذا أوّلاً، والكاتب لا يعرف الكثير عن تاريخ المنطقة ثانياً (ذَكَرَ على سبيل المثال أنّ سليم الأوّل بنى التكيّة السليمانيّة عام ١٥١٦)، كما لنا أن نتوقّع من إنجليزي متديّن اهتمّ بالدرجة الأولى بالمعالم المسيحيّة. تَكْمُنُ أهميّةُ الكتاب في وَصْفِهِ دمشق في المرحلة الإنتقاليّة القصيرة أواخر العهد العثماني قُبَيل نشوب الحرب العظمى (العالميّة الأولى).
تعرَّضَ المؤلّف بسرعةٍ إلى الجامع الأموي الذي عاينَ فيه عدّةَ عيوبٍ في سقفِهِ وزجاجِهِ ومظهرِهِ الخارجي "الرخيص المبتَذَل"، ولم يوفرّ كنيسة حنانيا التي وجدها في "غاية القبح". أهمُّ من رأيِهِ، وصفُهُ للمقاهي المزوّدة بالفونوغرافات، والمسرح وممثّلاتِهِ اليهوديّات. فيما يلي بعض الملاحظات التاريخيّة الطريفة:
- عارض العديدُ من أهالي دمشق دخول الترام، لأنّهم "متعصّبون يكرهون التغيير" (لربّما اعتبر العلماء الترام "بدعةً")، "وهالَهُم" الدستور العثماني الجديد على اعتبار أنّ الكثيرين منهم يمقتون جماعة تركيّا الفتاة وكلّ ما يمتّ إليها بصلة.
- زار الكاتب بيت عبد الرحمن باشا اليوسف، أمير الحجّ وأحد أغنى أغنياء دمشق ذلك الحين. بيت (بالأحرى قصر) اليوسف مزوّدٌ بالكهرباء، اختلط فيه القديم (العبد السوداني المخصي) مع الحديث (الشوَك والسكاكين في صالة الطعام).
- عرّج المؤلّف على الحمّامات التي رَتَعَت على بلاطِها الرخامي البديع "صراصيرٌ ضخمةٌ حمراء وبنيّة"، وقَفَزَ جرذٌ بين وقتٍ وآخر من إحدى الزوايا. سادَ هذا الوضع كما يبدو في عدّة أمكنة، منها أحد حمّامات نابلس حيث "غطّت الصراصير الجدران". لا أعتقد بوجود الكثير من المبالغة هنا ولا تخلوا معظم البيوت الدمشقيّة إلى اليوم من الصراصير رغم أننّا في عهد المبيدات الحشريّة "راڤين" و"هالِك" و"شلتوكس" التي ربينا مع دعاياتها على التلڤزيون السوري، أمّا بالنسبة للقوارض فحيثما توجد فضلات الإنسان تسرح الجرذان والفئران وتمرح، وما أنسى لا أنسى مشهدَ جرذٍ ضخم تسللّ بين قدمي إحدى الحوامل في مشفى التوليد الجامعي في دمشق مطلع الثمانينات (بالكاد أجْفَلَت السيّدة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من المخاض)، عن الجرذان في مطابخ الجيش الميدانيّة ومهاجع العسكر فحدِّث ولا حَرَج.
ختاماً لغة الكتاب أدبيّة صعبة المنال وقديمة إلى حدٍّ ما، بيد أنّ المواضيعَ المطروقة أليفةٌ لقرّاء المنطقة، ويمكن في أسوأ الأحوال الاستمتاع بالصور.

No comments:
Post a Comment