الكاتب المستشرق الفرنسي Richard Thoumin، والكتاب يعود لعام ١٩٣٦ وعهد الانتداب الفرنسي، أمّا عن نسختي فقد كانت في فترةٍ من الفترات ملكاً لقسم التاريخ في مكتبة الحامية Bibliothèque de Garnison التابعة لوزارة الحرب Ministère de la Guerre، وتحديداً Cercle National des Armées de Terre, de Mer, & de l’Air الدائرة الوطنيّة للجيش والبحريّة والجوّية. يتجاوز عدد الصفحات ٣٥٠ من القطع الكبير، يتخلّلها العديد من الخرائط والصور التاريخيّة بالأبيض والأسود، أضِف إلى ذلك خريطتين مطويّتين في نهاية الكتاب.
الحديث عن الجغرافيا البشريّة لسوريا المركزيّة، وهنا يحسنُ تعريف الجغرافيا البشريّة أوّلاً، وما يقصده المؤلّف بسوريّا المركزيّة ثانياً:
يمكن، بهدف التبسيط، أن نصنِّف علم الجغرافيا تحت بابين: الأوّل الجغرافيا الطبيعيّة Physique التي تبحث في المناخ والتضاريس والبيئة والأرض والماء والسماء دون التعرّض لأثر الإنسان؛ الثاني، أي الجغرافيا البشريّة Humaine، يتناول التفاعل بين الإنسانِ ومحيطِهِ في المناطق المأهولة، ويتعرّض للظواهر الديموغرافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والدينيّة.
عرّف المؤلّف سوريّا المركزيّة بالمنطقة التي تحدّها شمالاً حمص وسهل عكّار، وجنوباً نهر الليطاني، وغرباً البحر المتوسّط، وشرقاً بادية الشام. يشملُ هذا الإقليم دمشقَ مع غوطتِها، القلمون، سلسلة جبال لبنان الشرقيّة وامتدادها الجنوبي حرمون (جبل الشيخ)، وادي البقاع، جبل لبنان (السلسلة الغربيّة)، والشريط أو السهل الساحلي.
يتعيّن هنا التنويه أنّ الدراسة تتناول الجغرافيا البشريّة وليس التاريخ البشري، وأنّ Thoumin يعطي العوامل الجغرافيّة، كتواجد المياه والحواجز الجبليّة والطقس، الأولويّةَ في تحديد توزّع السكّان ونشاطهم منذ أقدم الأزمنة وحتّى مطلع القرن العشرين، عندما أدّت التقنيّة الحديثة وتطوّر وسائل المواصلات بالتدريج إلى تغيير العلاقة بين الجبل والسهل، والريف والمدينة، والبدو والحَضَر.
تكافلت العوامل الجغرافيّة لتميّز سوريّا المركزيّة عن سائر الشرق الأدنى، وتمنع بنفس الوقت وحدةَ مكوّناتِها الداخليّة، وتعطي مناطقها المختلفة شخصيّاتٍ متميّزة قليلة التواصل بعضها مع البعض الآخر، وممزّقة بين نداء الشرق والصحراء (السلبي حسب المؤلّف) من جهة، ونداء الغرب والبحر المتوسّط (الإيجابي وفقاً للكاتب) من جهةٍ ثانية. شتّان بين المدن - القرى الصغيرة المتجمّعة حول مصادر مياه محدودة في القلمون وواحة دمشق الشاسعة الغنّاء، وما أبعد الصلة - على قرب المسافة - بين وادي البقاع والسهل الساحلي، وما أكبر الفرق بين بيروت - التي كانت حتّى النصف الثاني للقرن التاسع عشر أقلّ أهميّة بكثير من طرابلس وصيدا - وبين عاصمة الأموييّن التي يفصلها عنها سلسلتان جبليّتان وممرّاتٌ ضيّقة وعرة (ضهر البيدر).
يتبع.

No comments:
Post a Comment