أجرى العلماء والمستشرقين الأوروبييّن عدّة دراسات عن دمشق اعتباراً من أواخر القرن التاسع عشر ومع التدقيق في خارطة المدينة ميّز هؤلاء بين مدينتين متراكبتين: الأولى رومانيّة والثانية عربيّة وإن قال البعض بأنّ الخطوط العريضة للمدينة الإسلاميّة رسمت في العهد البيزنطي.
تتميّز المدينة الرومانيّة بشوارعها العريضة المنتظمة والمتقاطعة بزوايا قائمة وأمّا عن محورها فهو بالطبع الشارع المستقيم الذي يقطعها من الشرق (الباب الشرقي) إلى الغرب (باب الجابية) وهناك أيضاً محور القيمريّة الأقصر والممتدّ من ساحة المدينة إلى معبدها (ولاحقاً محور سوق ساروجا خارج المدينة إلى الشمال وبالطبع لا علاقة له بدمشق الرومانيّة).
تميّزت طبوغرافيّة المدينة العربيّة-الإسلاميّة في القرون الوسطى بتعرّج الأزقّة وتشابكها وضيقها ولهذا بالطبع أكثر من تفسير فلربّما كان أحد الأسباب الرغبة في توسيع المنزل على حساب الشارع ضمن مساحة محدودة داخل سور المدينة (ولاحقاً في الأحياء الجديدة خارج السور) إلى درجة أنّ بعضهم لجأ إلى مدّ الطابق العلوي فوق الشارع عندما ضاق هذا الأخير إلى الحدّ الأدنى ونجم عن ذلك ما يسمّى السباط والذي يوفّر الظلّ للمشاة في الصيف ويحميهم من أمطار الشتاء علاوة عن وظيفته الأصليّة ألا وهي زيادة مساحة البيت.
تبقى العوامل الأمنيّة هي الأهمّ في نظام (أو بالأحرى لا نظام) النسيج العمراني في العهود الإسلاميّة إذ يدفع الخوف المرء إلى إغلاق بابه ويؤدّي هذا إلى بناء وإغلاق باب للحارة إذا شاركه جيرانه هذا القلق وكانت هذه الأبواب كثيرة إلى أن بدأت بالزوال في أواخر القرن التاسع عشر وإن جرى تبديل وترميم العديد منها عام ١٩٢٥-١٩٢٦ (الإشارة هنا بالطبع للثورة السوريّة الكبرى).
الصورتان أعلاه لباب في سوق ساروجا رمّم أو استبدل عام ١٩٢٥ ولباب آخر في حيّ الميدان. حتّى صدور الكتاب عام ١٩٣٦ كانت بعض الأبواب لا تزال تغلق بين الساعة التاسعة والساعة الحادية عشر مساءً.
Richard Thoumin
Géographie humaine de la Syrie Centrale
Tours
Arnault et Cie, Maîtres Imprimeurs
1936
No comments:
Post a Comment