لست متأكّداً من سبب اختيار المؤلّف أو المؤلّفين هذا العنوان لهذا البحث؛ لا تغطّي الدراسة قيد الحديث إلاّ بعض الآثار الأيّوبيّة العديدة في دمشق وضواحيها التاريخيّة - الصالحيّة خصوصاً، ولا تتطرّق حتّى إلى ضريح مؤسّس السلالة صلاح الدين؛ أضف إلى ذلك أنّها تصف بالتفصيل عدداً من المعالم السابقة للعصر الأيّوبي كما سنرى.
صدرت هذه الدراسة في أربع كرّاسات على مدى اثني عشر عاماً (١٩٣٨، ١٩٤٠، ١٩٤٨، ١٩٥٠). معظمُ مقالاتِها وكثيرٌ من صورِها للمستشرق الفرنسي الكبير Jean Sauvaget (١٩٠١-١٩٥٠)، الذي وافته المنيّة في سنّ مبكّرة قبيل صدور الإصدار الرابع والأخير.
____________
يتألّف الكرّاس الأوّل من أربع مقالات جميعها بقلم Sauvaget، باستثناء المقال الأوّل الذي ساهم فيه المعماري ومخطّط المدن الشهير Michel Écochard (١٩٠٥ - ١٩٨٥)؛ يبحثُ هذا المقال بالذات في أمر تربة صفوة الملك خاتون (وفيّات ١١١٩ للميلاد)، أمّ الحاكم شمس الملوك دقاق. دُفِنَت صفوة الملك - حسب ابن القلانسي - إلى جانب ابنها في القبّة الواقعة فوق المرج الأخضر، بين الخانقاه اليونسيّة والمدرسة العزيّة. لهذا القبر أهميّة استثنائيّة كونهُ المبنى السلجوقي (وليس الأيّوبي) الوحيد المتبقّي في دمشق، وأقدم أوابد المدينة الإسلاميّة بعد العهد الأموي على الإطلاق. كانت حالتُهُ سيّئة مع شديد الأسف عندما هُدِمَ عام ١٩٣٨، وحتّى Sauvaget لم يعتقد بإمكانيّة إنقاذه وإن قام لحسن الحظّ بدراسَتِهِ والتقاط عددٍ من الصور التي لا تُقَدّر بثمن قبل هدمه.
يحتوي الكرّاس الثاني على خمس مقالات، أربعٌ منها عن مدارس إسلاميّة منها ما اندثر، كالمدرسة العذراويّة في "حريق تشرين أوّل ١٩٢٥"، ومنها ما لا يزال موجوداً كالمدرسة العادليّة (التي اختيرَت عام ١٩١٩ مقرّاً لمجمع اللّغة العربيّة ومتحف دمشق الوطني)، والمدرسة العزيّة أو بالأحرى بقاياها. المقال الخامس كتبه Écochard عن ثلاث حمّامات، أحدها حمّام البزوريّة الذي حافظ على حالةٍ جيّدة للغاية رغم التعديلات والإضافات اللاحقة. لنفس المؤلّف كتاب مستقلّ عن حمّامات دمشق صدر بعد هذا المقال بفترة وجيزة.
الكرّاس الثالث بكامله من تأليف Sauvaget، فصّلَ فيه في ضريحين ومدرستين (الماردانيّة في الجسر الأبيض والشبليّة) بأسلوبه المعتاد الذي يتناول وضع الصرح كما رآه، وتصوّر لحاله في الأصل، ومقارنة ما عاينَهُ مع النصوص التاريخيّة والأبنية المماثلة، أضف إلى كلّ ذلك وصف وتحليل منهجي لمواد البناء وهيكله وتوزيعه ونقوشه وزخارفه والوسط المحيط به.
الكرّاس الرابع والأخير عن نقوش وزخارف الأضرحة التاريخيّة في مقبرة الباب الصغير، وجميعها دون استثناء سابقة للعهد الأيّوبي. المؤلّفة Janine Sourdel Thomine. تشمل هذه الأضرحة المدافن الافتراضيّة لبلال الحبشي، وسكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، والتابع (لتمييزه عن الصحابة) كعب الأحبار. تبيّن من تحليل الخطوط الكوفيّة والزخارف أنّ هذه القبور تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، أي بعد وفاة الأشخاص "المدفونين" بها بمئات السنين وإن كان أحدها أقدم بقليل. هذا الاستثناء هو قبر أو على الأقلّ شاهدة قبر فاطمة بنت أحمد بن الحسين السبطي (وفيّات ١٠٤٨ للميلاد)، وهناك من يخلط بينها وبين فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب. هذا الضريح هو الوحيد المتبقّي من دمشق الفاطميّة.
يمكن قراءة جميع هذه المقالات باللّغة الفرنسيّة أو على الأقلّ الاستمتاع الصور التاريخيّة المرفقة بالمجّان على رابط المعهد الفرنسي لدراسات الشرق الأدنى.

No comments:
Post a Comment