Wednesday, July 5, 2017

سوريا وإسرائيل بين الحرب والسلام

يقول المؤرّخ الإغريقي Thucydides (القرن الخامس قبل الميلاد) : "يمكن مناقشة مسألة العدالة فقط بين الأنداد ببنما يفعل القوي ما يستطيع ويعاني الضعيف كما يتحتّم عليه" أو بالإنجليزيّة:

The question of justice arises only between parties equal in strength, the strong do what they can and the weak suffer what they must

في اعتقادي أنّ هذه العبارة تلخّص مأساة الصراع العربي الإسرائيلي والذي كان ولا يزال صراعاً أبعد ما يكون عن النديّة بين الغرب ممثّلاً بإسرائيل (ومن يدعمها بداية ببريطانيا العظمى ومروراً بألمانيا وفرنسا ونهاية بالولايات المتّحدة الأمريكيّة) وبين شعوب ضعيفة ومتخلّفة على أكثر الأصعدة رغم المظاهر الخادعة والتفّوّق العددي (النظري) والجغرافي ورغم "العنتريّات التي ما قتلت ذبابة". 

المؤلّف هو الأكاديمي الإسرائيلي موشيه ماعوز تلميذ الأستاذ الراحل ألبرت حوراني وصاحب سيرة للرئيس الراحل حافظ الأسد صدرت في الثمانينات تقريباً بنفس الوقت الذي صدرت به السيرة الأكثر شهرة للصحافي البريطاني المأسوف عليه Patrick Seale أمّا عن الكتاب فقد نشر عام 1995 عن Oxford University Press بطول حوالي 280 صفحة. تجدر هنا الإشارة أنّ السيّد ماعوز يعتبر من "الحمائم" في إسرائيل ويدير معهد السلام في الجامعة العبريّة في القدس



ليس الكتاب محاولة لتلخيص ما يمكن اعتباره الصراع الأقدم في الشرق الأدنى وإنّما يسرد قصّة الإتّصالات المباشرة وغير المباشرة بين العرب والصهاينة قبل وبعد قيام دولة إسرائيل مع تركيز خاصّ على سوريا.

غزل الهاشمييّن مع الصهاينة معروف وقديم وليس هذا موضوع الكتاب  من "إتفاقيّة فيصل-وايزمان" في كانون الثاني عام 1919 إلى الإجتماعات بين الملك عبد الله الأوّل وبين السيّدة غولدا مائير في أواخر أربعينات القرن العشرين وصولاً إلى التعاون السرّي بين الملك حسين وزعماء إسرائيل لدرجة أنّه ذهب شخصيّاً ليحذّر السيّدة مائير من هجوم مصري-سوري متوقّع وشيكاً عام 1973. 

يبدأ الفصل الأوّل بالتعرّض لإتصالات بعض زعماء الكتلة الوطنيّة في سوريا تحت الإنتداب الفرنسي مع الصهاينة وكان هدفهم خطب ودّ بريطانيا لتساعدهم في مساعيهم لتحقيق الإستقلال وعلى سبيل المثال أدان رئيس الوزراء جميل مردم بك ما وصفه بالإرهاب في فلسطين في تشرين أوّل عام 1937 (ورد هذا فقط في جريدة باللغة الفرنسيّة في دمشق) كما عقد عدّة اجتماعات مع حاييم وايزمان الذي اعتقد أنّه يمكن أن يتوسّط لصالح سوريا مع رئيس الوزراء الفرنسي  Léon Blum  اليهودي والصهيوني الهوى  ولم يقتصرالإتصال المباشر على مردم بك إذ عقد زعيم الكتلة الوطنيّة شكري القوّتلي اجتماعاً مع ممثّلي الصهاينة في بلودان عام 1936.  

في عهد الإستقلال عرض حسني الزعيم معاهدة سلام شاملة مع إسرائيل عوضاً عن الهدنة بما فيها تبادل سفراء وحدود مفتوحة وتعاون إقتصادي وعسكري كما تطوّع بتوطين 250،000 إلى 300،000 لاجىء فلسطيني في منطقة الجزيرة ولكن بن غوريون رفض عرضه ورفض حتّى لقائه ما لم تخلي القوّات السوريّة مسبقاً الأراضي التي "احتلّتها" عام 1948. تكرّرت المحاولات في عهد الشيشكلي بوساطة أمريكيّة ولكنّها كانت أقلّ طموحاً إذ اقتصر عرض الشيشكلي على أنهاء حالة الحرب وإن أبدى استعداده لتوطين نصف مليون لاجىء فلسطيني من الأردن ولبنان وغزّة إضافة إلى 80،000 المتواجدين في سوريا بشرط حصول بلاده على 200 مليون دولار لتطوير إقتصادها ومرّة ثانية لم تكن هذه الحوافز كافية لزعماء إسرائيل. 

دون الدخول في قصّة تحويل نهر الأردن ولا المزاودات التي تكلّلت بهزيمة مصر وسوريا والأردن فقد جرت أكثر من محاولة من وراء الستار -على الأقلّ من الجانب المصري- للوصول لصيغة تفاهم مع إسرائيل بعد كارثة 1967 دون نتيجة وحتّى في دمشق أعلن الرئيس حافظ الأسد في آذار 1972 قبوله لقرار مجلس الأمن رقم 242 (والذي رفضه صلاح جديد سابقاً) ولم يتنازل الإسرائيلييّن بإعارة هذه المبادرات أدنى اهتمام وبالنتيجة أدرك السادات والأسد أنه لا مفرّ من الحرب إذا أرادوا تحسين موقفهم التفاوضي وبالفعل شنّوا هجوماً على إسرائيل في تشرين أوّل 1973 تغيّرت على أثره معادلات كثيرة وليس بالضرورة إلى الأفضل.

اضطر الأسد بعد توقيع المعاهدة المصريّة الإسرائيلية إلى البحث عن استراتيجيّة بديلة لتحسين وضع سوريا التفاوضي واستعادة الجولان تلخّصت في إنشاء جبهة شرقيّة إذا جاز هذا التعبير تجمع العراق وسوريا ولبنان والأردن ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة ولم يكن نجاح هذا الائتلاف على المستوى المأمول إذ تدهورت العلاقات مع العراق ووصلت إلى الحضيض عندما هاجم صدّام حسين إيران عام 1980 وتذبذب عاهل الأردن إلى حدّ دعم الإخوان المسلمين في سوريا وزادت صلافة الإسرائيلييّن بعد تحييد مصر إلى حدّ  ضمّ الجولان في كانون أوّل 1981 ومن ثم غزو لبنان في حزيران 1982.

أتت أواخر الثمانينات بتحديات جديدة علّ أهمّها الضعف المتزايد للإتحاد السوفييتي الذي سعى بنفس الوقت الذي قلّص فيه دعمه المادي والعسكري لدمشق إلى تحسين علاقاته مع إسرائيل. حاول الأسد جهده أن يعزّز وضعه الإستراتيجي المتدهور عن طريق رأب الصدع مع مصر  وتحسين العلاقات مع واشنجتون قدر الإمكان وقد ساعده إلى درجة كبيرة تهوّر الرئيس العراقي في غزوه الكويت في صيف 1990 عندما خطب الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب ودّ سوريا إلى درجة إطلاق يدها في لبنان "لتتصرّف" مع ميشيل عون وأدّى هذا في النهاية إلى فتح فرصة جديدة للمفاوضات السوريّة-الإسرائيليّة في مؤتمر مدريد الذي استهلّ جلساته في تشرين أوّل 1991 والذي شهد تبادل الإتهامات الشهير  بين إسحق شامير وفاروق الشرع.     

ساء الوضع التفاوضي السوري مجدّداً بعد توقيع ياسر عرفات لإتفاقيّة أوسلو في تشرين أوّل 1993 ومن ثمّ عندما وقّع الأردن إتفاقيّة وادي العربة في تشرين ثاني 1994 وعنى هذا بكل بساطة أن سوريا بقيت دولة المجابهة الوحيدة (إذا استثنينا لبنان الذي كان جنوبه لا يزال تحت الإحتلال الإسرائيلي) وأنّ المعادلة التي لم تكن يوماً متوازنة أصبحت أسوأ من أي وقت مضى ولم يبق أمام الأسد إلّا أن يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه وأكّد للرئيس الأمريكي كلينتون في 27 تشرين الثاني 1994 استعداد سوريا لإقامة سلام كامل مع إسرائيل لقاء انسحاب كامل من الجولان أمّا عن رئيس وزراء الدولة العبريّة وقتها السيّد إسحق رابين فقد كان مستعدّاً -حسب تعبيره- لاتّخاذ "قرارات مؤلمة" وأن "تفعل إسرائيل المطلوب منها إذا فعل السوريّون المطلوب منهم". 

اغتيل رابين في 4 تشرين الثاني عام 1995 أي قبل صدور الكتاب بقليل.

ختاماً أرفق أدناه رابطاً لمقال كتبه "المعتدل" البروفسور موشيه ماعوز في جريدة هاآرتز في 13 حزيران 2013 يدعوا فيها لدعم المتمرّدين -أي المعارضة- في سوريا لعدّة إعتبارات منها أنّ "نظام الأسد يشكّل حلقة مهمّة في المحور الشيعي المتطرّف الذي تقوده إيران أخطر أعداء إسرائيل وأخطر أعداء الدول السنيّة مثل تركيا والسعوديّة والأردن وبعض دول الخليج". 


http://www.haaretz.com/opinion/.premium-1.529402







No comments:

Post a Comment