تجاوزت الأحداث بمراحل هذا الكتاب الصادر في مطلع 2005 قبيل إغتيال رئيس الوزارة اللبناني السيّد رفيق الحريري في 14 شباط من نفس العام ومع ذلك يبقى هذا العمل مفيداً لفهم عقليّة "الحمائم" من مفكّري الولايات المتّحدة وسياسييّها.
المؤلّف Flynt Leverett أستاذ في Pennsylvania State University ومدير سابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي ويعتبر من الخبراء في المواضيع المتعلّقة بسوريا. يحاول الكاتب من خلال حوالي 270 صفة أن يفحص الظروف الإقليميّة والدور السوري فيها مع تحليل لطبيعة الدولة السوريّة وطريقة إدارتها قبل وخلال السنوات الأولى لرئاسة بشّار الأسد والتحديات التي تجابهها ليختم بالخيارات التي تواجه إدراة جورج بوش في التعامل مع سوريا وتوصياته مع أو ضدّ هذه الخيارات.
يبدأ المؤلّف بلمحة سريعة عن بنية الدولة السورية التي يصفها "كفسيفساء هشّة" طائفيّاً وعرقيّاً ويلفت نظر قرّائه إلى ضعف إقتصادها حتّى مقارنة مع الدول العربيّة الغير نفطيّة إذ لا يتجاوز الناتج المحلّي الإجمالي GDP للفرد فيها 3،300$ سنويّاً لقاء 4،000$ في مصر و4،300$ في الأردن رغم أنّ النفط يشكّل على الأقلّ 50% من صادراتها التجارية ومع هذا نجحت في إثارة العقبات في وجه السياسة الأمريكيّة بما لا يتناسب مع حجمها وقدراتها وتعزى للدكتور هنري كيسنجر مقولة أنّ العرب لا يستطيعون شنّ الحرب دون مصر ولا يستطيعون عقد السلام دون سوريا.
التوزيع القومي والديني قي سوريا حسب المنطقة |
يرتكز استقرار سوريا في عهد الأسد على ثلاث دعائم: الأولى مفاتيح القوّة ألا وهي الجيش وحزب البعث والمنظّمات الشعبيّة. الدعامة الثانية تتمثّل في علمنة الحياة الإجتماعيّة والسياسيّة لجذب الأقليّات الدينيّة (دروز، إسماعيلييّن، علوييّن، مسيحييّن) دون الأقليّات القوميّة (الأكراد) ولكن يجب التوكيد هنا أنّ الحكومة (أو النظام حسب المنظور) بذلت جهدها لاستمالة "المعتدلين" من السنّة (أي غير المسيّسين). الدعامة الثالثة كانت في خلق رئاسة شخصيّة ومركزيّة تتبع نهج الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وتعطي الرئبس صلاحيات واسعة للغاية يكرّسها الدستور.
ولد بشّار الأسد في 11 أيلول عام 1965 ودخل كليّة الطب قي جامعة دمشق عام 1982 ليتخرّج عام 1988 قبل أن يؤدّي خدمته العسكريّة ومن ثم يسافر إلى المملكة المتّحدة عام 1992 بهدف الإختصاص في طبّ العيون تجدر الإشارة هنا أنّ الأسد باختياره أن يدرس الطبّ في سوريا خالف القاعدة العامّة في العالم العربي والتي تقضي بإرسال أولاد النخبة للدراسة في الغرب منذ البداية.
كانت المنطقة تمرّ بتغيّرات جوهريّة عندما تسلّم الأسد زمام الرئاسة بعد موت والده عام 2000 وهذا لا يعني بالطبع أنّ عهد الأسد الأب كان يفنقر إلى التحدّيات ولكن يمكن القول دون مبالغة أنّ طريق العهد الجديد كانت أكثر وعورة منذ البداية إذ على صعيد المنطقة انهارت المفاوضات السوريّة الإسرائيليّة في آذار وزادت الضغوط على سوريا لتسحب قوّانها من لبنان بعد أن أتمّ الإسرائيليّون إنسحابهم (أو هكذا ادّعوا ووافقهم مجلس الأمن) في أيّار كما اندلعت إنتفاضة الأقصى في أيلول. عام 2001 شهد بداية رئاسة جورج بوش في الولايات المتّحدة ووزارة آريل شارون في إسرائيل وكانت ثالثة الأثافي تفجير مركز التجارة العالميّة على يد إرهابييّ القاعدة في أيلول من نفس العام وما سميّ "بالحرب ضدّ الإرهاب" التي تلت هذا التفجير.
المعضلة بالنسبة لصانعي القرار في الولايات المتّحدة هي كيفيّة التعامل مع سوريا التي يمكن تلخيص "ذنوبها" في "دعمها للإرهاب" سواء اللبناني (حزب الله) أو الفلسطيني (القيادة العامّة للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين) أوّلاً وامتلاكها "لأسلحة الدمار الشامل" أي الأسلحة الكيميائيّة ثانياً وقمعها لشعبها ثالثاً وعدم تعاونها بما يكفي مع أمريكا في حربها ضد الإرهاب رابعاً وعدم التزامها بالمقاطعة الأمريكيّة ضدّ العراق خامساً و"إحتلالها" للبنان سادساً. زادت هذه الآثام كثيراً بعد أن "حرّر" الرئيس بوش العراق عام 2003 إذ لم تكتف سوريا بشجب هذا التحرير بل ورفضت حراسة الحدود السوريّة العراقيّة بالتعاون مع الأمريكان أو نيابة عنهم كما تذبذبت عندما طالب هؤلاء بالأرصدة التي نقلها المسؤولون العراقيّون إلى البنوك السوريّة قبل سقوط الرئيس صدّام حسين.
طرح الكاتب خيارات الولايات المتّحدة في التعامل مع سوريا كما يلي:
- زيادة الضغط على سوريا "لتغيّر سلوكها" عن طريق المزيد من العقوبات ولكن الكاتب يرى أنّ هذا الطريق غير عملي إذ أنّ سوريا مدرجة على قائمة "الدول المؤيّدة للإرهاب" منذ عام 1979 دون نتيجة تذكر وأنّه ليس هناك ضمان بأن يتعاون الإتّحاد الأوروبي في هذا الصدد.
- الحلّ الثاني هو تغيير النظام بالقوّة على غرار النماذج العراقيّة والأفغانيّة ولكن بعد كلّ الصعوبات التي واجهتها والخسائر التي تكبّدتها والفوضى التي خلقتها (لا داعي لذكر ما حلّ باالعراقييّن والأفغان فهذه مشكلتهم وليست من شأن بوش وشركاه) تقلّصت شهيّة أمريكا "لتحرير سوريا" ولو إلى حين.
- الحلّ الثالث إعطاء حوافز لسوريا عن طريق إحياء "عمليّة السلام" أي المفاوضات السوريّة الإسرائيليّة ولكن العقبة الكأداء هنا ليست سوريا وإنّما إسرائيل فما الذي يدعوا الحكومة الإسرائيليّة أن تدفع الثمن الذي تطلبه سوريا للسلام ألا وهو إعادة الجولان؟
- الحلّ الرابع (وهو ما يوصي به المؤلّف) أن تتّبع الولايات المتّحدة مع سوريا سياسة "العصا والجزرة" فمثلاً تستطيع أمريكا أن تشطب سوريا من لائحة الدول المؤيّدة للإرهاب إذا تعاونت مع في الحرب ضدّ الإرهاب كما تستطيع أن تسمح لسوريا بالمساهمة في "إعادة بناء العراق" إذا تعاونت سوريا في الملفّ العراقي ويستشهد هنا بالوضع الليبي عندما وافقت إدارة بوش على "إعادة تأهيل" الزعيم الليبي معمّر القذّافي لقاء تنازله عن "أسلحة الدمار الشامل" ودفع تعويضات عن ضحايا Lockerbie (كلّنا نعلم ما حلّ بالقذّافي عام 2011 ولكن الوضع بدا مختلفاً في مطلع 2005).
ينتهي الكتاب ب 35 صفحة مخصّصة للتسلسل الزمني للأحداث من وفاة الرئيس حافظ الأسد في 10 حزيران 2000 إلى آخر كانون أوّل 2004 وأضيف أدناه رابطين لنفس المؤلّف الأوّل مقال نشره في 2 آذار 2005 أي بعد إغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري بقليل يدعو فيه للتريّث وعدم مهاجمة سوريا بل وحتّى عدم التسرع في حملها على سحب جيشها من لبنان والمقال الثاني صدر في 30 أيّار 2014 يعيب فيه على الرئيس أوباما مساندته للإسلامييّن المتشنّجين في سوريا ويؤكدّ أنّ معظم السورييّن يرفضونهم كما يحذّر من الكارثة التي تتتظر سوريا إذا سقطت حكومة الأسد ويتسائل: كم من السورييّن يتعيّن عليهم الموت قبل أن تفكّر واشنجتون بتغيير سياساتها؟!
https://www.brookings.edu/opinions/dont-rush-on-the-road-to-damascus/
http://nationalinterest.org/feature/middle-east-tragedy-obamas-syria-policy-disaster-10565
No comments:
Post a Comment