يمكن بقليل من الجهد قراءة آخر كتاب للدكتور Nikolaos Van Dam في يومين أو ثلاثة (٢٤٠ صفحة من القطع الصغير) وهو جدير بالقراءة لأكثر من سبب: المؤلّف يعرف سوريا ويحبّها ويحبّ أهلها وعلى عكس العديد من كتّاب الغرب يتكلّم العربيّة بطلاقة (إضافة إلى عدّة لغات) وله كتاب آخر عن الصراع على السلطة في سوريا صدر عام ١٩٧٩ وأعيد طبعه (مع تعديلات وإضافات) عام ٢٠١١ إذاً فمعرفته بسيسات الشرق الأدنى ليست وليدة الأمس. أضف إلى ذلك أنّ الكتاب مهما كانت الإعتراضات عليه أبعد ما يكون عن دعاية رخيصة.
للتوضيح أنا لا أدّعي مطلقاً الحياديّة في موضوع سوريا ولا أعتقد أنّ هناك كثير من السورييّن الحيادييّن. لي بالطبع قناعات مسبقة تبلورت وتطوّرت خلال عشرات السنين بتأثير العديد من العوامل المختلفة ولكنّي سأحاول ما أمكن أن أنقل وجهة نظر الأستاذ Van Dam بأمانة مع التعليق عليها من منظور شخصيّ فأنا بالنهاية أمثّل نفسي فقط لا غير.
الكتاب موزّع على خمسة فصول يضاف إليها مقدّمة في البداية وخلاصة في النهاية تليها حواشي النصّ ومراجع الكتاب والفهرس الأبجدي.
صورة غلاف الكتاب تمثّل رجلاً في شرق حلب يحمل طفلاً في أعقاب غارة في ٢٧ آب ٢٠١٦ ألقيت فيها "reportedly" البراميل المتفجّرة. في المقدّمة يتعرّض الكاتب لتعريف سوريا ككيان "ثقافي وجغرافي" (صفحة ٣) طرأت على حدوده السياسيّة الكثير من التعديلات عبر العصور كما يشرح الاشتقاق اللغوي "لسوريا" (صفحة ٦) في القرن السادس قبل الميلاد وكيف تحوّلت إلى بلاد الشام مع بدايات الإسلام لتعود تسمية سوريا في أواخر القرن التاسع عشر للميلاد. ينتقل بعدها إلى موضوع حساسيّة العروبييّن من التسميات ذات المدلول االطائفي (صفحة ٧-٨) وكيف تحوّل جبل الدروز إلى جبل العرب وجبال العلوييّن إلى جبال الساحل ووادي النصارى إلى وادي النضارة...
في صفحة ١١ يتحدّث المؤلّف عن الأنظمة الديكتاتوريّة الشموليّة التي يتحكّم فيها قائد فرد ويعدّد منها مصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن والجزائر و"بلاد عربيّة أخرى". سواء عن قصد أو عن غير قصد القاسم المشترك بين كلّ هذه "الأنظمة" أنّها جمهوريّة أو على الأقلّ تدّعي أنّها جمهوريّة ولا نجد أي إشارة إلى مملكة أو إمارة أو مشيخة بحيث يمكن لمن لا يعرف العالم العربي أن يستنتج أنّ السعوديّة وقطر والأردن والمغرب "ممالك دستوريّة".
بالنسبة لي أكبر نقطة استفهام في المقدّمة كانت في صفحة ١٥ عندما ذكر الكاتب أنّه تمّ تجريد العديد من الأكراد السورييّن من جنسيّتهم عام ١٩٦٢ والأغرب أنّه لم يذكر مصدر معلومة بالغة الأهميّة كهذه ممّا جعلني أبحث عنها في google وأجدها على الويكيبيديا ولكن على اعتبار أنّ مصداقيّة الويكيبيديا في المواضيع السياسيّة ليست على المستوى المطلوب (عندما كان أولادي في المرحلة الثانويّة يقومون ببحث وطيفة للمدرسة على الشبكة كانت تعليمات أساتذتهم بتجنّب الموسوعات عموماً والويكيبيديا خصوصاَ) فقد وسّعت البحث والمصادر التي وجدتها كانت كرديّة أو نقلاً عن الأكراد. أنا لا أقول أنّ الحكومة السوريّة لم تجرّد الأكراد من جنسيّتهم ولكنّي أطلب الدليل ومع الأسف الرواية المعاكسة إن لم تكن مفقودة فهي غير مسموعة.
الفصل الأوّل من الكتاب مخصّص للكيفيّة التي وصل بها حزب البعث أوّلاً ثمّ الرئيس حافظ الأسد ثانياً إلى السلطة وهي ليست أكثر من تلخيص لكتاب الدكتور Van Dam الصادر في نهاية السبعينات ويمكن أيضاً الرجوع إلى كتاب حنّا بطاطو Syria's Peasantry وترجمة Patrick Seale للراحل حافظ الأسد وبهدف الإختصار كان البعث في البداية نوعاً من الثورة الإجتماعيّة للريف على المدينة ورغم أنّ خطاب الحزب كان علمانيّاً فقد استعملت الأطراف المتنازعة الورقة الطائفيّة والإقليميّة والعشائريّة كطريقة لضمان ولاء المرؤوسين وهذا الكلام ينطبق على أكثر من فئة. بالنتيجة بقي صلاح جديد وحافظ الأسد بالساحة وكان الأوّل يريد إعطاء الأولوية للتحويل الإشتراكي بينما احتلّ الصراع العربي الإسرائيلي مركز الصدارة بالنسبة للأسد. فترة السبعينات والثمانينات شهدت صراعاً على السلطة من نوع مختلف بين الحكومة والإسلامييّن (مدرسة المدفعيّة و حماة إلخ) ومن ثمّ المواجهة التي أجهضت بين الرئيس وأخيه الأصغر رفعت الأسد (١٩٨٣-١٩٨٤) استتبّت بعدها الأمور ولو ظاهراً حتّى نهاية القرن العشرين.
للحديث بقيّة.
http://bornindamascus.blogspot.com/2016/05/1961-1978.html
No comments:
Post a Comment