Friday, September 22, 2017

قمم عالميّة في تراث الحضارة العربيّة الإسلاميّة المعماري والفنّي

لربّما كان هذا الكتاب الجميل من منشورات وزارة الثقافة في سوريا عام ٢٠٠٠ آخر عمل للدكتور عبد القادر الريحاوي رحمه الله ويشترك مع سابقه "العمارة في الحضارة الإسلاميّة" الذي صدر عام ١٩٩١ في الكثير منها مقدمّة مفصّلة عن السمات المشتركة للعمارة الإسلاميّة بشكل عامّ أو ما أسماه "بالمدرسة الأمّ" ينتقل بعضها إلى دراسة المدارس المتفرّعة عنها على مدى العصور وعلى امتداد جغرافيّ واسع من الهند والسند شرقاً إلى إسبانيا وشمال أفريقيا غرباً ومن اليمن جنوباً إلى آسيا الصغرى والقسم الأوروبي من تركيّا الحاليّة شمالاً. يختم المؤلّف الكتاب بحوالي ثلاثين صفحة يخصّصها للمصطلحات بالعربيّة مع مقابلها في الإنجليزيّة والفرنسيّة (كما فعل في كتابه السابق المذكور) يليها سرد المراجع العربيّة والأجنبيّة. 



هذا لايعني أنّ هذا العمل مجرّد تكرار لكتابه السابق بحلّة جديدة فكتاب "قمم عالميّة" يركّز على عدد أقلّ من الأوابد في محاولة لتسليط الأضواء على ما اعتبره ذروة الإبداع على مستوى العالم الإسلامي بأسره مع اختصار الحيّز المخصّص للأقلّ أهميّة أو حتى إغفال ذكره خاصّة إذا كانت شهرته بالدرجة الأولى محلّية.  الكتاب أيضاً يركّز على الخلفيّة التاريخيّة ويعطيها عدداً أكبر من الصفحات من سابقه كما يخصّص فصلاً كاملاً جديداً (الأوّل بعد المقدّمة) للحرمين في مكّة والمدينة ويختم (الفصل الرابع عشر) ببحث عن البيت العربي وتطوّره.

يتوزّع الكتاب في جزئين على ٧٠٠ صفحة بقياس ١٧ سم في ٢٣ سم ويحتوي على العشرات من الصور معظمها ملوّن مع الكثير من الإسقاطات والمخطّطات.  تتسلسل فصول الكتاب كما يلي:

١. الحرمان الشريفان المكّي والمدني ويتعرّض فيه للأصول والتوسّعات اللاحقة ومن حسن الحظّ لا نجد هنا ذكراً لبرج الساعة القبيح الذي بني بعد نشر الكتاب بسنوات لا لقيمة دينيّة أو جماليّة وإنّما لإشباع غرور البعض وملء جيوب البعض الآخر وحدث شيء مشابه في فندق الفصول الأربعة في دمشق وإن كان على مستوى أقلّ تواضعاً.
٢. الحرم الشريف في القدس أي المجمّع الذي يشمل قبّة الصخرة والمسجد الأقصى والذي استطاع الدكتور ريحاوي زيارته قبل أن تستولي عليه إسرائيل عام ١٩٦٧. 
٣. الفصل الثالث مخصّص لجامع بني أميّة الكبير في دمشق (للمؤلّف كتاب مستقلّ عن هذا الجامع أعيد طبعه عام ٢٠٠٤). 
٤. العمائر العبّاسيّة وبغداد المنصور (التي اندثرت) وبقايا سامرّاء.
5. تونس وجامع القيروان وعمائر الأغالبة.
٦. جامع قرطبة وتوسّعاته على مدى أكثر من قرنين من الزمن وهو أحد أجمل فصول الكتاب.
٧. القاهرة وتطوّرها من الفسطاط (بداية العهد الإسلامي) مروراً بالعسكر (العهد العبّاسي) فالقطائع (العهد الطولوني) فقاهرة المعزّ لدين الله وعامله جوهر الصقلي ويتعرَض الكاتب لسور وأبواب المدينة والجامع الأزهر وغيرها من المعالم الفاطميّة قبل أن ينتقل إلى العهد الأيّوبي (والذي ترك معالماً في بلاد الشام أكثر من مصر) فالمملوكي الذي شهد اتساع المدينة وازدهارها وهذا الفصل أيضاً من أجمل فصول الكتاب وهو مفيد للغاية للمهتمين بمعالم القاهرة ولا يملكون الوقت لاستشارة مؤلّفات أكثر تفصيلاً.
٨. قلعة دمشق. بحث فيه المختصر المفيد عن هذا الصرح الأيّوبي الشديد الأهميّة وللدكتور ريحاوي كتاب مستقلّ عن هذه القلعة يتجاوز طوله ٥٠٠ صفحة لمن يرغب في التوسّع. 
٩. مدرسة الفردوس في حلب.
١٠. عمارة المغرب الأقصى.
١١. قصر الحمراء في غرناطة والذي يعتبره المؤلّف قمّة العمارة الإسلاميّة في المغرب. أيضاً من أجمل وأغنى فصول الكتاب.
١٢. عمائر إيران (بالذات أصفهان) وتركستان والهند ويعتبر الدكتور ريحاوي تاج محلّ في أغرا قمّة العمارة الإسلاميّة في الشرق وصنو قصر الحمراء في غرناطة في الغرب بالجمال والإبداع.
١٣. الجوامع العثمانيّة وتأثّرها بكنيسة جستنيان البيزنطيّة آيا صوفيا ثمّ تطوّرها.
١٤. الفصل الأخير مخصّص للبيت العربي والذي نرى نماذج مبكّرة باذخة له خارج المدن كما في قصر الحير مثلاً أمّا في المدن فلا توجد بقايا تستحقّ الذكر سابقة للعهد المملوكي وإن كانت هناك أدلّة لا بأس بها على شكل وتوزيع البيت الذي يشبه إلى حدّ كبير -إن لم يطابق- المدرسة وبالفعل تخبرنا المصادر أنّ بعض البيوت تحوّلت إلى مدارس (من أشهرها دار العقيقي في دمشق الذي أصبح المدرسة الظاهريّة) وأنّ بعض المدارس استعملت لسكن العلماء (المدرسة العادليّة أعطيت لإبن خلّكان).

إذا كان هناك تحفّظات على هذا العمل القيّم فعلّ أهمّها صوره ليس من ناحية الكمّ أو النوع وإنّما من ناحية التوزيع فبعضها يتواجد مرافقاً للنصّ وبعضها الآخر مستقلّ عنه وترقيمها بالذات اعتباطي أو يكاد وبالطبع لا يمنع كلّ هذا القارىء من الإستفادة منها والإستمتاع بها وإن صعّب مهمّته إلى حدّ ما. 

جزيل الشكر للدكتور ريحاوي طيّب الله ثراه.  


http://bornindamascus.blogspot.com/2017/09/blog-post_3.html
  

No comments:

Post a Comment