دامت دولة الأتابك نور الدين زنكي من عام ١١٤٦ للميلاد وحتّى وفاته عام ١١٧٤، وكان شاغله الشاغل في هذه السنوات الحرب ضدّ الصليبييّن وبشكل أو بآخر الفاطمييّن. ازدهرت سوريّا في عهده أو على الأقلّ المدن السورية، وترك وراءه الكثير من العمائر خصوصاً العسكريّة والدينيّة في حلب ودمشق وبعلبك وحماة وحمص ومكّة والمدينة والموصل وكثير غيرها. احتلّت حلب ودمشق مركز الصدارة في سوريا الأتابكيّة وسأتعرّض هنا لبعض المعالم الشهيرة في دمشق فقط. بإمكان من يرغب بكشف مفصّل للآثار النوريّة الرجوع إلى مقال Nikita Elisséeff الأصلي بالفرنسيّة المنشور في ٣٨ صفحة عام ١٩٥١ في العدد الثالث عشر من مجلّة الدراسات الشرقيّة الصادرة عن معهد دمشق الفرنسي والمطبعة الكاثوليكيّة في بيروت.
____________
أعطى نور الدين عنايةً خاصّةً للمباني العسكريّة وأشرف على تحصين المدينة وترميم سورها وتعزيزه بالأبراج. أبوابُ دمشق قبل نور الدين سبعة: الصغير وكيسان والشرقي وتوما والجنيق والفراديس والجابية. بنى نور الدين أربعة أبواب جديدة: السلام الفرج والحديد والسرّ.
أجرى نور الدين بعض التعديلات على الأبواب القديمة:
- سدّ باب كيسان. علّ هذا كان بهدف منع خيانة مماثلة للتي سمحت له بدخول دمشق عندما سهّلت امرأة يهوديّة لعسكره فتح الباب الشرقي. باب كيسان (زحل في العهد الروماني) هو المكان المُفْتَرَض لفرار القدّيس بولس من دمشق مستعملاً إحدى النوافذ المجاورة عام ٣٨ للميلاد. ظلّ هذا الباب مسدوداً حتّى عام ١٣٦٤، وبالنتيجة هُدِمَ وبُنيَت مكانَهُ كنيسة القدّيس بولس في عهد الانتداب الفرنسي.
- بناء جامع صغير ومئذنة فوق الباب الشرقي والباب الصغير.
الأبواب التي بنيت في عهد نور الدين:
١. السلام في الشمال. جُدِّدَ عام ١٢٤٣ في عهد السلطان الأيّوبي الملك الصالح.
٢. الفرج في الشمال إلى جانب القلعة من جهة الشرق.
٣. الحديد شمال القلعة، ويصله مع خارج المدينة جسرٌ فوق بردى. الباب مشمولٌ ببرج القلعة التي أعاد بنائها الملك العادل لاحقاً.
٤. السرّ في جدار القلعة الغربي قرب القصر (أقام نور الدين في القلعة).
____________
أهمّ المباني المدنيّة:
أوّلاً. البيمارستان النوري. رمّم عدّة مرّات عبر العصور. حوّله السلطان عبد الحميد عام ١٨٩٩ إلى ميتم للبنات وأصبح مدرسة تجاريّة تابعة للحكومة السوريّة عام ١٩٣٧.
ثانياً. دار العدل في حيّ الأروام (مدخل سوق الحميديّة لاحقاً). كانت بالدرجة الأولى لمحاسبة المتنفّذين (مثل أسد الدين شيركوه) الذين لا يتجرّأ القضاة العاديّون على المساسِ بهم. تحوّلت إلى دار السعادة في عهد صلاح الدين واندثرت لاحقاً.
ثالثاً. المدرسة النوريّة الكبرى. أكبر مدارس دمشق الحنفيّة في دمشق وفيها تربة نور الدين.
رابعاً. دار الحديث النوريّة في العصرونيّة. الأولى من نوعها في الشام وكان ابن عساكر أوّل أساتذتها. أقام بها الرحّالة الأندلسي ابن جبير لدى زيارته دمشق في أواخر القرن الثاني عشر. أصبحت أنقاضاً بعد حريق ١٨٩٣ المدمِّر.
خامساً. حمّام نور الدين أو حمّام البزوريّة.
سادساً. المدرسة العادليّة الكبرى. بوشر في بنائها في عهد نور الدين ولكنّها لم تكتمل إلّا بعد وفاة الملك العادل الذي دفن فيها عام ١٢٢٢ ومن هنا تسميتها. علّم فيها ابن خلكان وكانت حسب ابن بطوطة أكبر مدرسة شافعيّة في دمشق. أصبحت في القرن العشرين مقراً للمجمع العلمي العربي أو مجمع اللغة العربيّة.

No comments:
Post a Comment