Thursday, September 28, 2017

تدمير وطن: هل كان من الممكن تجنّب الحرب في سوريا؟




يشكّل هذا السؤال عنوان الفصل الثاني في كتاب الدكتور Van Dam ويبدأ فيقول بأنّه إذا أخذنا بعين الاعتبار تاريخ "النظام" وسلوكه خلال نصف قرن من الحكم فموضوع حلول يوم "الحساب" كان مسألة وقت ليس ألّا. لربّما كان من المفيد هنا التعرّض لبعض "المصطلحات" السياسيّة الدارجة:

١. كلمة "نظام" ظاهريّاً بريئة ولكنّها تستعمل بمعنى سلبي ومن جميع الأطراف. "النظام" هو باختصار حكومة عدوّة أو مغضوب عليها وأذكر جيّداً عندما كان الإعلام السوري في السبعينات يهاجم "الأنظمة" المصريّة والعراقيّة والأردنيّة وبالطبع كالت هذه "الأنظمة" لحكومة دمشق أو فلنقل "النظام السوري" الصاع صاعين. أمّا عندما تستعمل الإدارة الأمريكيّة هذا التعبير لوصف حكومة شرق أوسطيّة فهذه علامة مشؤومة إلى أقصى الحدود وقد رأينا نتائجها في العراق. 

٢. "الربيع العربي" يترادف في الإعلام الغربي (على الأقلّ في البداية) بمحاولات الشعوب العربيّة المغلوبة على أمرها التخلّص من حكوماتها المتسلّطة الفاسدة ولكن إذا استثنينا التوقيت فهناك اختلافات كبيرة للغاية ليس فقط بين أحداث تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا والبحرين، وإنّما أيضاً في الطريقة التي تعامل بها "الغرب" مع هذه الأحداث. لا يوجد ما يدعو للإعتقاد أنّ واشنجتون سعت للتخلّص من الرئيس حسني مبارك وإن تخلّت عنه بالنتيجة وبالنسبة للبحرين جرى تعتيم إعلامي شبه كامل عندما قمعت حكومة هذه "المملكة" المظاهرات بالاستعانة بالجيش السعودي أمّا في حالة ليبيا فقد تمّ إسقاط القذّافي وقتله والتمثيل بجثّته عن طريق تدخّل عسكري مباشر للغرب وأذنابه العرب (دويلة قطر مثلاً) بحجّة "حماية المدنييّن" أمّا في سوريا فكلّنا نعرف المقاطعة الإقتصاديّة وسحب السفراء والإدانة الدوليّة وما تلاها من دعم "الثوّار المعتدلين" ونتائجها المحزنة. 

٣. الديكتاتوريّة هي نظام الحكم في دولة مستهدفة من "الغرب الديموقراطي" أمّا الحاكم في دولة سلطويّة authoritarian صديقة فهو ملك أو شيخ أو رجل قوي strongman ولكنّه بالتأكيد ليس ديكتاتوراً والعياذ بالله. 

يسلّم المؤلّف في أكثر من موضع (صفحة ٧٤ مثلاً) أنّ المظاهرات بدأت سلميّة وأنّ طلباتها كانت معقولة للغاية وأنّ "النظام" أجاب بالعنف وعندما عرض تنازلات كانت هذه التنازلات أقلّ ممّا ينبغي وأتت متأخّرة أكثر ممّا ينبغي وبالنتيجة تحوّلت المعارضة إلى العنف وسيطر عليها ميدانيّاً الإسلاميّون المتطرّفون ولكنّه وللأمانة يحرص على إيراد وجهة النطر المعاكسة أي الموالية للحكومة وإن كان الصواب -في اعتقادي على الأقلّ- جانبه (صفحة ٧٦) عندما كتب أنّ تركيا والسعوديّة والجامعة العربيّة بذلت في البداية "جهوداً جديّة" لإنهاء العنف ولم تتحوّل إلى فتح حدودها (تركيّا) للمسلّحين وتمويلهم وتسليحهم (السعوديّة) إلّا عندما عيل صبرها من عنف "النظام". 

شملت طلبات المعارضة "المعقولة" (صفحة ٧٥) "الحقّ بالقيام بالمظاهرات السلميّة دون إذن مسبق من الحكومة (للعلم فقط لا يتمتّع المواطنون في الولايات المتحّدة الأمريكيّة يهذا "الحقّ") وبناء عليه زار السفير الأمريكي Robert Ford ونظيره الفرنسي Eric Chevalier (صفحة ٨٨) حماة في تمّوز ٢٠١١ لتشجيع "المظاهرات السلميّة" ضاربين عرض الحائط بأبسط الأعراف الديبلوماسيّة إذ مهمّة السفير أوّلاً وأخيراً التواصل مع الحكومة المضيفة وليس مع المعارضة سلميّة كانت أو غير سلميّة ولو كانت العلاقة بين سوريا من جهة وأمريكا وفرنسا من جهة ثانية علاقة أنداد لتمّ طرد السفراء فوراً ودون تردّد كما سيكون بالتأكيد موقف فرنسا والولايات المتّحدة لو تجاسر سفير أي دولة على تشجيع المظاهرات المعارضة في بلادها. 

يتجاهل المؤلّف أو يكاد دور الإعلام العربي (القطري مثلاً) في تأجيج العنف والطائفيّة بأبشع صورها ولكنّه يسلّم أنّ المعارضة الداخليّة لجأت بالنتيجة للعنف وإن لم يذكر جيوش الجهادييّن التي أمّت سوريا من أصقاع الأرض ومنهم أبو عمر الشيشاني وأبو هريرة الأمريكي وكثير غيرهم والذين ما كان لهم أن يصلوا إلى سوريا دون معابر وتمويل وتسليح إلخ. بالنتيجة تحوّلت "الحرب الأهليّة’" إلى "حرب بالواسطة"  proxy بين سوريا وإيران وروسيا وحزب الله من جهة والولايات المتّحدة الأمريكيّة (ومن وراء أو حتّى أمام الكواليس إسرائيل) وتركيا والسعوديّة وقطر الخليج العربي وفرنسا وبريطانيا العظمى من جهة ثانية. أمّا من الأغنى موارداً والأكثر عدداً وعدّة فهذا متروك لحسن تقدير القارىْ. 

يختم الدكتور Van Dam هذا الفصل بالتأكيد بأنّ جميع السورييّن (اللهم إلّا بعض الأكراد وبتأييد من إسرائيل)  ورغم كلّ ما جرى ضدّ التقسيم ويضيف بأنّ الأقليّات حاليّاً موزّعة في كل أنحاء سوريا فهناك مثلاً نصف مليون علوي في دمشق والعلويّون قطعاً لا يسعون لإقامة دولة في الساحل كما يزعم البعض (صفحة ٩٤-٩٥) وأنّ آل الأسد أباً عن جدّ ووجهاء العلوييّن رفضوا في عهد الإنتداب عرض فرنسا لإعطاء دولة مستقلّة لطائفتهم. 

للحديث بقيّة. 


http://bornindamascus.blogspot.com/2017/09/blog-post_27.html

No comments:

Post a Comment