Saturday, September 30, 2017

عواصم الإسلام العربي

يحاول الدكتور فيليب حتّي (١٨٨٦-١٩٧٨) بأسلوبه الأخّاذ في هذا الكتاب الصغير (١٧٠ صفحة) الصادر عن University of Minnesota عام ١٩٧٣ أن يعرّف الطلّاب والهواة بتاريخ العرب من خلال ستّة مدن. الدكتور حتّي أكثر من مؤهّل لهذه المهمّة فهو علاوة على معارفه الواسعة في الإسلام وتاريخ الشرق الأدنى عموماً والعرب خصوصاً، متمكّن من اللغتين العربيّة والإنجليزيّة ولا عجب كونه أحد أعضاء المجمع العلمي العربي في دمشق ويبدو أنّ موهبة إتقان اللغات امتدّت إلى أخيه الدكتور يوسف حتّي صاحب قاموس المصطلحات الطبيّة الإنجليزي-العربي المعروف.



هذه المدن الستّ هي مكّة والمدينة ودمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة وخصّص المؤلّف لكل مدينة حوالي ٢٥ صفحة. ورغم أنّه ليس موجّهاً للأخصائيّين فقد وجدت فيه بعض المعلومات التي لم أكن أعرفها إضافة لخضمّ من النوادر الطريفة.

مكّة العاصمة الدينيّة
أوّل ذكر معروف لمكّة كان تحت إسم Macoraba في جغرافية المؤلّف الإغريقي-المصري بطليموس في منتصف القرن الثاني للميلاد وإسم أبرهة الحبشي ما هو إلّا أبراهام أو إبراهيم. قصّة مكّة في العهد الإسلامي معروفة ولكن أكثر ما أثار اهتمامي مغامرات الأوروبييّن المسيحييّن الذين نجحوا في دخول مكّة مخاطرين بحياتهم وجمع بعض المعلومات التي تفاوتت دقّتها. كان أوّل هؤلاء الرحّالة الإيطالي Ludovico di Varthema الذي "اعتنق" الإسلام واعتمد إسم يونس ونجح في زيارة المدينة المقدّسة عام ١٥٠٣. تلاه الإسباني Badia y Leblich المدعو علي بك العبّاسي عام ١٨٠٧ومن ثمّ السويسري John Lewis Burckhardt عام ١٨١٤ وأكبر إنجاز لهذا الأخير كان اكتشاف البتراء.

المدينة عاصمة الخلافة
يثرب أيضاً مذكورة في جغرافية بطليموس تحت إسم Iathripa ولكنّها كمكّة لا يعرف عنها شيء يذكر قبل الإسلام خارج الروايات الإسلاميّة اللاحقة والكثير من صفحات هذا الفصل مخصّص للفتوحات العربيّة التي وجد الدكتور حتّي بعض أوجه التشابه (على الأقلّ من ناحية التفسير الديني) بينها وبين دخول العبرييّن إلى أرض الميعاد قبل ظهور الإسلام بثمانية عشر قرناً. 

دمشق عاصمة الإمبراطوريّة
تاريخ دمشق بالطبع أقدم بكثير من العرب والإسلام وعليه يبدأ المؤلّف بأوّل ذكر لها على لائحة غزوات الفرعون تحوتمس الثالث في القرن الخامس عشر قبل الميلاد مروراً بدولة آرام-دمشق وتوسّعها على حساب الممالك المجاورة ومنها إسرائيل قبل أن تسقط على يد الآشورييّن أهل ٧٣٢ ق.م. احتكر الآراميّون تجارة الداخل كما احتكر الفينيقيّون تجارة السواحل والبحار ولكن التاريخ اسدل ستارته على دمشق في العهود اللاحقة تحت الفرس وخلفاء الإسكندر عندما صعد نجم أنطاكيا كمدينة سوريا الأولى. ازدادت أهميّة دمشق في العهد الروماني حين توسّع معبدها الضخم الهائل ويبقى العهد الأموي عهدها الذهبي بامتياز.

دمشق الحديثة


بغداد عاصمة الفكر
تحوّلت الخلافة في العهد العبّاسي إلى ملكيّة على غرار أباطرة الفرس وظهر للمرّة الأولى في الإسلام منصب الوزير ويروي الدكتور حتّي قصّة البرامكة وغناهم وحظوتهم إل أنّ قلب لهم هارون الملقّب بالرشيد ظهر المجنّ ونكّل فيهم أشنع تنكيل. بنيت بغداد في عهد أبي جعفر المنصور وأصبحت في عهد المأمون خصوصاً مركزاً للعلم والتأليف والترجمة سواء في العلوم الدينيّة (أبو حنيفة والشافعي والغزالي إلخ) أو الدنيويّة (الخوارزمي والرازي والفارابي والكندي وثابت بن قرّة وجبريل إبن بختيشوع وحنين إبن إسحاق وغيرهم). لربّما كان أهمّ إنجازات ذلك العصر إقتباس "الأرقام العربيّة" من الهند ولربّما كان الصفر ابتكاراً عربيّاً.

القاهرة العاصمة المنشقّة
من المعروف أنّ من أسّس القاهرة هم الإسماعيليّون في عهد المعزّ لدين الله وعامله جوهر الصقلي. مؤسّس الدولة الإسماعيليّة عبيد الله المهدي سوري الأصل من بلدة السلميّة ولكنّه نجح ببناء إمبراطوريّة في شمال غرب إفريقية امتدّت إلى مصر التي أصبحت مركزها وكانت بداية الحكم الفاطمي مشرقة إذ لم يحاول الحكّام الأوائل إكراه مسلمي مصر على تغيير دينهم وظلّت الأغلبيّة سنيّة وتحسّن أيضاً وضع الأقلّيات المسيحيّة واليهوديّة على الاقلّ حتّى عهد الحاكم بأمر الله. كسف بهاء القاهرة الفاطميّة شمس بغداد وبالنتيجة كانت نهاية العهد الفاطمي على يد صلاح الدين الأيّوبي.

قرطبة العاصمة الأوروبيّة
يشتقّ إسم قرطبة من أصل فينيقي "قرية توب" تحوّل تحت الرومان إلى Corduba وفي العهد الإسباني إلى Cordoba الذي حوّله العرب إلى قرطبة دون معرفة أصله الفينيقي "قرية توب" الذي يعني "البلدة الطيّبة". دمّر يوليوس قيصر في القرن الأوّل قبل الميلاد المدينة لأنّها أيّدت أولاد بومبي ضدّه وذبح عشرين ألفاً من سكّانها. عهد قرطبة الذهبي كان بالطبع كدمشق تحت الأموييّن الذين بنوا الجامع الكبير على عدّة مراحل والذي لا يزال موجوداً كما بنوا قصر الزهراء والمدينة الزاهرة (اندثرا). علماء الأندلس كثيرون وشهرتهم عالميّة وعلى سبيل المثال الزهراوي وإبن رشد وإبن حزم وإبن ميمون. سقطت الخلافة الأمويّة عام ١٠٣١ للميلاد وسقطت المدينة بيد ملك قشتالة عام ١٢٣٦.


https://archive.org/details/CapitalCitiesOfArabIslam-PhilipK.Hitti

No comments:

Post a Comment