Wednesday, November 15, 2017

دمشق في القرن السادس عشر



الكلام هنا عن "مختصر الدارس" للعلموي كما ترجمه للغة الفرنسيّة وعلّق عليه العالم  Sauvaire  (رابط 1) ويبلغ مع تعليقاته وحواشيه قرابة ٨٠٠ صفحة ممّا يجعله أهمّ مصدر للمعلومات عن المدينة في ذلك الزمن. كثير من الأوابد المذكورة انقرضت (بعضها درس قبل تاريخ المخطوط الأصلي في القرن السادس عشر وبعضها الآخر في نصف القرن الأخير)  ومع ذلك بقي منها الكثير حتّى اليوم وبالنتيجة الصورة التي ترتسم أليفة إلى حدّ كبير للكثيرين من أبناء دمشق في القرن الحادي والعشرين. آخر ما كتبه العلموي كان عام ١٥٦٦ عندما أشار إلى احتراق جامع الجرّاح وأمله أن يرممّ قريباً وبالطبع لم يفت Sauvaire الإشارة إلى حريق الأموي عام ١٨٩٣ قبل عام من البدء بنشر كتابه وكان متشائماً فيما يتعلّق بترميم الجامع وشكّك في توافر ما يكفي من الخبرة والذوق لإعادته كما كان.  

على غنى البحث وتفصيله ورغم الجهود المبذولة في حواشيه فيبقى صعب المتناول لطلّاب العلم اليوم المعتادين على الكتب المفهرسة والمزوّدة بالصور والخرائط وخصوصاً هذه الأخيرة. يمكن التغلّب على بعض هذه الصعوبات بالمقارنة مع بعض الدراسات الحديثة وقد وجدت كتاب "تاريخ دمشق" (رابط ٢) للعالم الأوسترالي Ross Burns مفيداً للغاية في هذا الصدد لاحتوائه على العديد من الخرائط التي تحدّد مواقع المعالم الباقية منها وحتّى بعض المندثرة بدقّة وافية.   

رتّب العلموي ومن نسخه مخطوطاتهم حسب نوع وتخصّص الأوابد دون تنظيم زمني ودون تفاصيل عماريّة تستحقّ الذكر (عمليّاً لا يوجد توصيف هندسي أو فنّي بالمعنى الفهوم اليوم قبل القرن التاسع عشر عندما أتى المستشرقون وأسّسوا هذه العلوم من الصفر) وحتّى التنظيم الطبوغرافي مشوّش ومبهم. ما ركّز عليه النعيمي-العلموي إسم المكان وموضعه (مقابل كذا وكذا في درب كذا وكذا) ومؤسّسه وأوقافه ومن درّس فيه وهناك تيهور من المعلومات عن الأشخاص تفوق بكثير ما كتب عن الأبنية. الاهتمام بالدرحة الأولى في الأبنية الدينيّة الإسلاميّة حصراً (يخال القارىء أنّه لا وجود للمسيحييّن واليهود في دمشق) وإذا ذكرت الأبنية المدنيّة (الحمّامات مثلاً) فهذا في الحواشي أو بشكل عابر ولكن Sauvaire عني بإضافة فصول في نهاية الكتاب تتعرّض لهذه الأبنية الأخيرة بشكل معقول كما سنرى. الكتاب يشمل دمشق داخل وخارج السور بما فيه الصالحيّة والميدان وبالتالي التغطية أوسع من إبن عساكر وإبن شدّاد ولا عجب نظراً لانقضاء عدّة قرون بين هذه الأعمال. 

لنأتي الآن إلى فصول الكتاب:

أوّلاً. دور تعليم القرآن.

ثانياً. دور الحديث (النبوي).

ثالثاً. المدارس لتعليم الفقه: أكثرها شافعيّة ثمّ حنفيّة ثمّ حنبليّة ثمّ مالكيّة وبعضها مختلط. فصل المدارس أحد أطول فصول الكتاب.

رابعاً. مدارس الطبّ

خامساً. الخانقاهات أو الخوانق (حمع خانقاه) وهي بمثابة أديرة (جمع دير) للصوفييّن ترجمها المستشرق couvent.

سادساً. الربط hospice (جمع رباط) للزاهدين والمعتكفين والصوفييّن.

سابعاً. الزوايا chapelle: أيضاً للمتعبّدين والعلماء.

ثامناً. الترب والأضرحة. 

تاسعاً. المساجد.

عاشراً. الجوامع أو المساجد الجامعة.

ينتهي هنا "مختصر الدارس" ولكن Sauvaire يضيف الفصول التالية:

١. عيون التواريخ لفخر الدين محمّد إبن شاكر  (توفّي عام ١٣٦٣ للميلاد) يتعرّض فيه لأبواب دمشق الرومانيّة منها والإسلاميّة والقناطر والقصور والساحات والأسواق والمنتزهات  والطرق ونهر بردى والكنائس.

٢. تحفة الأنام في فضائل الشام لإبن الإمام شمس الدين أبو العبّاس أحمد إبن محمّد البصروي (مات عام ١٦٠٦) ولا يتجاوز الثلاث صفحات تحتوي على بعض المعلومات المتعلّقة بالجامع الأموي.

٣. نزهة الأنام في محاسن الشام لأبي البقاء عبد الله إبن محمّد البدري الدمشقي (مات ١٤٨٩) وفيه الكثير من المعلومات القيّمة عن قلعة دمشق وأسواقها ومنتزهاتها وأشجارها ورياحينها وثمارها وحرفها.

 إذا كان كتاب خطط دمشق للحافظ إبن عساكر الأوّل من نوعه فكتاب النعيمي-العلموي زائد إضافات العدوي مع ترجمة وتحقيق Sauvaire هو الأغنى والأكثر تفصيلاً. بالطبع لا يمكن إغفال أهميّة "الأعلاق الخطيرة" لإبن شدّاد ولكنّ هذا الأخير كان في معظمه تكراراً لإبن عساكر وليس هذا هو الحال على الإطلاق في "مختصر" العلموي. 

حاشية: للتبسيط جميع التواريخ المذكورة بالتقويم الميلادي. 

http://bornindamascus.blogspot.com/2017/11/blog-post_14.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2017/05/blog-post_31.html

No comments:

Post a Comment