نعود إل تاريخ دمشق لإبن القلانسي ويعتمد منهجه كما سبقت الإشارة على سرد التسلسل الزمني للأحداث حسب السنة الهجريّة وسأقوم بهدف الإيجاز من جهة وجعل المعلومات أسهل وأسلس تناولاً من جهة أخرى، باللجوء إلى تصنيف يتمركز حول من تولّى دمشق في هذه الفترة التي قاربت الثمانين عاماً.
هزم السلاجقة بقيادة ألب أرسلان عام ١٠٧١ للميلاد البيزنطييّن في معركة منزيكرت أو ملازيكرت الفاصلة والتي غيّرت خارطة الشرق الأدنى وكانت بداية تتريك وأسلمة آسيا الصغرى الذي أنجز في أعقاب الحرب العظمى (أي الحرب العالميّة الأولى) عندما طرد كافّة "اليونان" (المقصود المسيحييّن) من دولة تركيّا الفتية وكافّة "الأتراك" (أي المسلمين) من اليونان.
موضوع البحث بالطبع دمشق فلنستعرض ما جرى فيها وحولها من خلال من حكمها كما أورده إبن القلانسي وسأضيف الحدّ الأدنى التفاصيل في بعض الروابط حسب الحاجة.
* كانت نهاية العهد الفاطمي في دمشق عام ١٠٧٦ للميلاد على يد أتسيز إبن أوق الخوارزمي (أحد عمّال ملك شاه إبن ألب أرسلان السلجوقي). لم يعن هذا بالطبع نهاية الوجود الفاطمي الذي دام أكثر من قرن في سوريا خاصّة على الساحل وفي الجنوب ولكنّه عنى صعود العناصر التركيّة ومعها المذهب السنّي وتمدّدها بالنتيجة إلى مصر في عهود لاحقة.
* تولّى تاج الدولة تتش إبن ألب أرسلان دمشق عام ١٠٧٨ وأمر في بداية عهده بأستز فخنق ولاحقاً (عام ١٠٩٥) بقسيم الدولة آق سنقر (أبو عماد الدين زنكي) فقطعت رأسه. بالنتيجة قتل تتش في صراع على السلطة بينه وبين إبن أخيه في نفس العام الأخير (١٠٩٥) وأرسلت رأسه إلى بغداد. كان قطع الرؤوس وجمعها كغنائم حرب ورفعها على الحراب وعرضها ليتملّى ويستمتع بمنظرها الهمج والدهماء في ذلك الوقت القاعدة وليس الاستثناء.
* خلف تتش في دمشق عام ١٠٩٥ إبنه شمس الملوك دقاق الذي بنى البيمارستان المعروف بإسمه (اندثر) وشهد عهده الحملة الصليبيّة الأولى واستيلاء الإفرنج على القدس في صيف ١٠٩٩. تزوّج الأتابك ظهير الدين طغتكين صفوة الملك أمّ دقاق ومات هذا الأخير عام ١١٠٤ (يفيد إبن عساكر أنّه قتل بأمر من أمّه التي أوعزت لجواريها بدسّ السمّ في طعامه ولكن إبن القلانسي لا يورد أي إشارة لهذا). في كلّ الأحوال دفن دقاق خارج سور المدينة ولاحقاً أمّه (ماتت ١١١٩) في ضريح صفوة الملك (الخانقاه الطواوسيّة) الذي صوّره ووصفه Jean Sauvaget قبل هدمه بقليل قبيل منتصف القرن العشرين. على علمي كان الأثر السلجوقي الوحيد في دمشق وام يتجشّم أحد عناء تصويره ناهيك عن دراسته باستثناء المستشرق الفرنسي الشهير.
* أصبح ظهير الدين طغتكين مؤسّس السلالة البورية الحاكم الفعلي لدمشق بعد موت (أو اغتيال إذا قبلنا رواية إبن عساكر) دقاق عام ١١٠٤ وكان عهده ميموناً على المدينة في نظر إبن القلانسي وإن رافقه توسّع الوجود الصليبي على الساحل السوري إلى طرابلس وجبلة وبانياس (١١٠٩)، حصن الأكراد (أي قلعة الحصن) وبيروت وصيدا (١١١٠)، وأخيراً صور (١١٢٤).
* مات طغتكين عام ١١٢٨ وخلفه إبنه تاج الملوك بوري الذي أبيد إسماعيليّو دمشق في عهده (١١٢٩) وسأخصّص لهذه المأساة مقالاً خاصّاً.
* مات بوري عام ١١٣٢ وخلفه على أمر دمشق إبنه شمس الملوك إسماعيل. أمرت صفوة الملك زمرّد خاتون (أخت دقاق وزوجة بوري وهي غير صفوة الملك أمّ دقاق) عبيدها بقتل إبنها شمس الملوك في مطلع عام ١١٣٥ وإذا قبلنا بعض الروايات (نقلها المعلوف) فالدافع للجريمة كان التستّر على فضيحة تتلخّص أنّه كان لزمرّد خاتون عشيق هو الحاجب يوسف إبن فيروز الذي دبّرت فراره من إبنها إلى تدمر قبل أن تخلّص على هذا الأخير.
* نأتي الآن إلى عهد شهاب الدين محمود وهو إبن آخر لزمرّد خاتون. تميّزت هذه الفترة بصعود نجم الأتابك عماد الدين زنكي سيّد الموصل وقاهر الصليبييّن (طردهم من أورفة-الرها أو Edessa عام ١١٤٤). توسّع زنكي إلى حلب وغيرها وإن بقيت جائزة دمشق مبتغاه وفي هذا السبيل تزوّج زمرّد خاتون عام ١١٣٨ أملاً أن يفتح له الدمشقيّون أبواب المدينة طواعية ولكنّ الدمشقيّون رفضوا لا بل وطلبوا معونة الصليبييّن ضدّه.
* اغتيل شهاب الدين محمود عام ١١٣٩ وآلت الولاية إلى أخيه جمال الدين محمّد ولكن عهده لم يطل إذ مات ١١٤٠.
* كان مجير الدين أبق (إبن جمال الدين محمّد) آخر حكّام دمشق البورييّن ولكنّ الحاكم الفعلي للمدينة من ١١٤٠ إلى ١١٤٩ كان معين الدين أنر الذي حالفه الحظ عندما اغتيل عماد الدين زنكي عام ١١٤٦ وإن استأنف إبن هذا الأخير نور الدين محمود (أو نور الدين زنكي أو نور الدين الشهيد) سياسة أبيه ومحاولاته لضمّ دمشق ولم يتردّد في هذا الصدد في الزواج بإبنة أنر (١١٤٧) كما تزوّج زنكي زمرّد خاتون قبله وأيضاً دون جدوى. حاول الصليبيّون الإستيلاء على دمشق في صيف ١١٤٨ خلال الحملة الصليبيّة الثانية بقيادة Louis VII ملك فرنسا و Conrad III أوّل ملوك سلالة Hohenstaufen في ألمانيا. بائت هذه المحاولة الخرقاء بالفشل وأقول الخرقاء لأنّ علاقة أنر مع الصليبييّن -على مدّها وجزرها- كانت وديّة عموماً إذ لم يتردّد الأتابك في التحالف مع الإفرنج ضدّ إخوته المسلمين عندما رأى ذلك في مصلحته.
* مات أنر في صيف ١١٤٩ وأصبح مجير الدين أبق الحاكم الحقيقي وليس فقط الإسمي في دمشق ورافق ذلك تزايد عزم وتصميم نور الدين على إدخال دمشق في إمبراطوريّته فقام بمحاصرة المدينة عندما استنجد أبق بالصليبييّن الذين هرعوا لإسعافه عام ١١٥١ (نخوة منهم ما في ذلك من شكّ) وبعد أخذ وردّ نجح نور الدين في دخول المدينة في ربيع ١١٥٤ وسط مشاهد البهجة والحبور (أو على الأقلّ تنفّس الصعداء) بين أهاليها.
No comments:
Post a Comment