Monday, November 27, 2017

دمشق من أتسز إلى نور الدين


نعود إلى ابن القلانسي وذيل تاريخ دمشق. اعتمد المؤلِّفُ كما سبقت الإشارة نَهْجَ التسلسل الزمني للأحداث حسب السنة الهجريّة. سألجأ بهدف الإيجاز من جهة، وجعل المعلومات أسهل وأسلس مُتَنَاوَلاً من جهةٍ ثاني، إلى تبويبٍ يتمركز حول من تولّى دمشق في هذه الفترة التي قاربت ثمانين عاماً. 

ألحقَ السلاجقة بقيادة ألپ أرسلان عام ١٠٧١ للميلاد بالبيزنطييّن هزيمةً نكراء في موقعة منزيكرت أو ملاذكرد، التي غيّرت خارطة الشرق الأدنى وبدأت عمليّة تتريك وأسلمة آسيا الصغرى التي أنجزت في أعقاب الحرب العظمى (العالميّة الأولى) عندما قايضت تركيّا واليونان أقليّاتِهِما المسيحيّة والمسلمة. 

فلنستعرض في الأسطر التالية أحداثَ دمشق ومحيطِها، عَبْرَ من حَكَمَها، نفلاً عن ابن القلانسي مع الإيضاح والروابط الفائقة عند اللزوم.

* انتهى العهد الفاطمي في دمشق عام ١٠٧٦ للميلاد على يد أتسز بن أوق الخوارزمي (من عمّال ملك شاه بن ألپ أرسلان السلجوقي). لم يَعْنِ هذا بالطبع نهاية الوجود الفاطمي الذي دام أكثر من قرن في سوريّا، خاصّة على الساحل وفي الجنوب، ولكنّه عَنَى بروز العناصر التركيّة ومعها المذهب السنّي، وتمدّدها بالنتيجة إلى مصر في عهودٍ لاحقة.

* تولّى تاج الدولة تتش بن ألپ أرسلان دمشق عام ١٠٧٨، واستهلّ عَهْدَه بأن أمر بأستز فخُنِق، ثمّ (عام ١٠٩٥) بقسيم الدولة آق سنقر (أبو عماد الدين زنكي) الذي قُطِعَت رأسُهُ. قُتِلَ تتش بالنتيجة في صراعٍ على السلطة بينه وبين بركياروق بن ملكشاه (أي ابن أخ تتش) في نفس العام (١٠٩٥)، وأُرْسِلَت رأسُهُ إلى بغداد. قطعُ الرؤوس، وجمعها كغنائم حرب، ورفعها على أسنّة الحراب، وعرضها ليتملّى بمنظرها دهماء ذلك الوقت، كان القاعدة وليس الاستثناء.

* خَلَفَ تتش في دمشق عام ١٠٩٥ ابنُهُ شمس الملوك دقاق، باني البيمارستان الدقاقي المندثر. شهدَ عهدُ دقاق الحملة الصليبيّة الأولى واستيلاء الإفرنج على القدس صيف ١٠٩٩. تزوّج الأتابك ظهير الدين طغتكين صفوة الملك (أمّ دقاق)، ومات دقاق عام ١١٠٤ (ادّعى ابن عساكر - صفحة ٢٣٣ - أنَّهُ قُتِلَ بأمرٍ من أمّه التي أوعزت إلى جواريها بِدَسّ السمّ في طعامِهِ، بيد أنّ ابن القلانسي صامتٌ عن هذه المؤامرة المزعومة). دُفِنَ دقاق خارج سور المدينة، ولاحقاً أمُّهُ (ماتت ١١١٩) في ضريح صفوة الملك (الخانقاه الطواوسيّة) الذي صوّره (نُشِرَت اللقطة أعلاهُ في الكرّاس الأوّل من "أوابد دمشق الأيّوبيّة" عام ١٩٣٨) ووَصَفَهُ Sauvaget قبل هَدْمِهِ بقليل. هذا البناء هو الوحيد الذي تبقّى من دمشق السلجوقيّة حتّى القرن العشرين (باستثناء القلعة التي أعاد العادل بنائها ووسّعها وعزّزها في مطلع القرن الثالث عشر)، ولم يتجشّم أحدٌ عناءَ تصويرِهِ ناهيك عن دراستِهِ باستثناء المستشرق الفرنسي الشهير.  

* أصبح ظهير الدين طغتكين، مؤسّس السلالة البوريّة، الحاكم الفعلي لدمشق بعد موت (أو اغتيال إذا قبلنا رواية ابن عساكر) دقاق عام ١١٠٤، وكان عهده ميموناً على المدينة في نظر ابن القلانسي وإن تزامن مع توسّع الوجود الصليبي على الساحل السوري إلى طرابلس وجبلة وبانياس (١١٠٩)، حصن الأكراد (أي قلعة الحصن) وبيروت وصيدا (١١١٠)، وأخيراً صور (١١٢٤). 

* مات طغتكين عام ١١٢٨ وخلفه ابنه تاج الملوك بوري الذي أُبِيدَ إسماعيليّو دمشق في عهده (١١٢٩). سأخصّص لهذه المأساة مقالاً خاصّاً. 

* مات بوري عام ١١٣٢ وخلفه على أمر دمشق ولدهُ شمس الملوك إسماعيل. أمرت صفوة الملك زمرّد خاتون (أخت دقاق وزوج بوري وهي غير صفوة الملك أمّ دقاق) عبيدَهَا بقتل ابنها شمس الملوك في مطلع عام ١١٣٥، وإذا قبلنا بعض الروايات (نقلها المعلوف) فالدافع للجريمة كان التستّر على فضيحةٍ تتلخّص بوجود عشيق لزمرّد خاتون، هو الحاجب يوسف ابن فيروز الذي دبّرت فرارَهُ من ابنها إلى تدمر قبل أن تُجْهِز على هذا الأخير.   

* نأتي الآن إلى عهد شهاب الدين محمود (ابن آخر لزمرّد خاتون). تميّزت هذه الفترة بصعود نجم الأتابك عماد الدين زنكي سيّد الموصل وقاهر الصليبييّن (طردهم من أورفة - الرها أو Edessa عام ١١٤٤). توسّع زنكي إلى حلب وغيرها وإن بقيت جائزة دمشق مبتغاهُ، وفي هذا السبيل تزوّج زمرّد خاتون عام ١١٣٨ أملاً أن يفتح له الدمشقيّون أبوابَ المدينة طواعيةً، لم يكتف سكّان المدينة بالرفض بل طلبوا معونةَ الصليبييّن ضدَّهُ. 

* اغتيل شهاب الدين محمود عام ١١٣٩، وآلت الولاية إلى أخيه جمال الدين محمّد، الذي مات ١١٤٠.

* مجير الدين أبق (ابن جمال الدين محمّد) آخر حكّام دمشق البورييّن، بيد أنّ الحاكم الفعلي للمدينة من ١١٤٠ إلى ١١٤٩ كان معين الدين أنر الذي حالفه الحظ عندما اغتيل عماد الدين زنكي عام ١١٤٦، وإن استأنف ابن هذا الأخير نور الدين محمود (أو نور الدين زنكي أو نور الدين الشهيد) سياسةَ أبيه ومحاولاتِه لضمّ دمشق، ولم يتردّد في هذا الصدد في الزواج بابنة أنر عصمة الدين خاتون (١١٤٧)، كما تزوّج زنكي زمرّد خاتون قَبْلَهُ، وأيضاً دون جدوى. حاول الصليبيّون الاستيلاء على دمشق صيف ١١٤٨ في الحملة الصليبيّة الثانية بقيادة Louis VII ملك فرنسا و Conrad III أوّل ملوك أسرة Hohenstaufen في ألمانيا. بائت هذه المحاولة الخرقاء بالفشل، وأقول الخرقاء لأنّ علاقة أنر مع الصليبييّن - على الرغمِ من مدِّها وجَزْرِها - كانت وديّةً عموماً، ولم يتردّد الأتابك في التحالف مع الإفرنج ضدّ إخوته المسلمين عندما ارتأى أنّ مصلحته تقتضي ذلك. 

* مات أنر صيف ١١٤٩ وأصبح مجير الدين أبق حاكماً إسماً وفعلاً. حاصر نور الدين دمشق واستغاث أبق بالصليبييّن الذين هرعوا لإسعافه عام ١١٥١ (نخوةً منهم ما في ذلك من شكّ)، وبعد أخذٍ وردٍّ ومساومة نجح نور الدين في دخول المدينة ربيع ١١٥٤ وسط مشاهد البهجة والحبور (أو على الأقلّ تنفّس الصعداء) بين أهاليها. 

No comments:

Post a Comment