Wednesday, August 16, 2017

الشام تحت الهيمنة الفاطميّة


قليلةٌ هي المصادر عن سوريّا في العهد الفاطمي (٩٦٩ إلى ١٠٧٦ للميلاد: للتبسيط جمبع التواريخ التي سأوردها ميلاديّة)، وأقلّ منها الآثار الماديّة العمرانيّة والفنيّة التي تركها الفاطميّون في الشام. لا يكمن السبب في انصرام قرابة ألف سنة على رحيلهم فحسب، وإنّما أيضاً تدخّل عوامل متعدّدة دينيّة وسياسيّة. الكتابُ قيد الحديث كبيرٌ نسبيّاً (٨٠٠ صفحة)، صَدَرَ عن المعهد الفرنسي في دمشق على دفعتين: الجزء الأوّل عام ١٩٨٦ والثاني ١٩٨٩. المؤلِّف Thierry Bianquis فرنسي من مواليد لبنان ١٩٣٥ ووفيّات ٢٠١٤. الكتاب متوافر بالمجّان للقراءة (الرابطان أدناه).

استند البحثُ على المعلومات المأخوذة من المصادر العربيّة في القرون الوسطى، وهنا يجب التوكيد أنّ الأرشفة كانت مجهولةً - أو على الأقلّ مفقودة - في الشرق الأدنى قبل الحملات الصليبيّة، وأن المؤرّخين المسلمين اهتمّوا بالدرجة الأولى بكتابة التراجم وليس الحوليّات، وركّزوا على "الطبقات"، أي أجيال العلماء من المعلّم الأصلي مروراً بتلامذته ومن ثمّ تلاميذ هؤلاء وهلمّجرّا. لا تتعرّض الدراسة إلى تاريخ الدولة الفاطميّة ككلّ، ولا تبحث في العقائد الإسماعيليّة والدرزيّة إلّا ضمن أضيق الحدود، ومن خلال كتابات الآخرين؛ حتّى الإطار الزمني للوجود الفاطمي في بلاد الشام متباين بين مدينةٍ ومدينة، ومنطقةٍ وثانية: هناك على سبيل المثال عدّة أعوام تفصل بين نهاية الوجود الفاطمي في حلب ونظيرِهِ في دمشق، ناهيك أنّ هذا الوجود استمرّ جيلاً كاملاً على الأقلّ بعد عام ١٠٧٦ إلى أن احتلّ الصليبيّون الساحل السوري مع أواخر تسعينات القرن الحادي عشر. بالطبع استمرّ الفاطميّون في حكم مصر قرناً إضافيّاً إلى أن حلّ صلاح الدين والأيّوبيّون محلَّهم. 

اختار Bianquis المصادر الرئيسة للبحث إمّا لكونها مباشرة (أي معاصرة أو تكاد للأحداث)، أو لأنّها اعتمدت على مصادر مباشرة كما نرى من القائمة التالية من الأقدم (تاريخ الوفاة) إلى الأحدث:

١- المسبِّحي ٩٧٧ - ١٠٢٩ (مصر).
٢- يحيى الأنطاكي ٩٧٥ - ١٠٦٦.
٣- ابن القلانسي ١٠٧٢ - ١١٦٠ (دمشق). 
٤- ابن عساكر ١١٠٦ - ١١٧٦ (دمشق). 
٥- ابن الأثير ١١٦٠ - ١٢٣٣ (العراق وسوريا).
٦- ابن العديم ١١٩٢ - ١٢٦٢ (حلب).
٧_ المقريزي ١٣٦٤ - ١٤٤٢ (القاهرة). 

المعطيات المتوافرة إذاَ ناقصة، إن لم تكن مشوّهة، نظراً لوجود أكثر من فاصل بين الأحداث قيد الدراسة وبين مؤرّخي هذه الأحداث:

أوّلاً هناك الفاصل الزمني: المسبّحي والأنطاكي هما الوحيدان اللذان عاصرا بعض هذه الأحداث ولكنّنا لا نملك إلّا نزراً يسيراً من كتابات المسبّحي الذي نعرفه بالدرجة الأولى من خلال المقريزي، أي بعد أربعة قرون. استند المقريزي إلى المسبّحي وأضاف إليهِ ما في ذلك من شكّ ،مع اختزال وحتّى إغفال ما لم يعتقده جديراً باهتمام القارئ أو على الأقلّ باهتمامِهِ هو.

ثانياً الفاصل الجغرافي في عهدٍ كانت وسائل الإتّصالات به بدائيّة، من البدهي أنّ أولويّات الدمشقي تختلف عن الحلبي أو الأنطاكي أو القاهري إلخ. 

ثالثاً الفاصل الديني والمذهبي: جميع المؤرّخين المذكورين من السنّة (باستثناء الأنطاكي المسيحي)، وأغلبهم كتب عن العهد الفاطمي بعد أن دالت دولته، بداية بالسلاجقة ونهاية بالمماليك. لا يعني هذا بالطبع أنّ الصراع وقتها كان بالدرجة الأولى طائفيّاً أو مذهبيّاً، فما هو بالنتيجة إلّا صراع على القوّة يتغيّر به الولاء بتقلّب المصالح؛ كلّ ما في الأمر هناك ميل "طبيعي" في العهود اللاحقة إلى ذمّ العهود التي سبقتها، سواءً كان ذلك تحت تعابير "علمانيّة" مثل "شعوبيّة" و"استعمار"، أو دينيّة مثل "جاهليّة" أو "رافضة" إلى آخر النعوت والمصطلحات.

للحديث بقيّة. 


Damas et la Syrie sous la domination fatimide (359-468/969-1076). Tome premier. Institut français de Damas, 1986. 
Damas et la Syrie sous la domination fatimide (359-468/969-1076). Deuxième tome. Institut français de Damas, 1989. 

No comments:

Post a Comment