بقيت دمشق حتّى النصف الثاني للقرن التاسع عشر على الأقلّ مدينة شرقيّة الطابع في الوقت الذي شهدت فيه بيروت والقاهرة طفرة عمرانيّة غربيّة الهويّة بكلّ ما لذلك من حسنات وسيّئات.
لعبت عدّة عوامل دورها في لحاق الشام بركب الحضارة (إذا شئنا) منها مبادهة أهلها ومنها جهود بعض الولاة الطموحين كمدحت باشا وناظم باشا وجمال باشا. أضف إلى هذه وتلك الكوارث كمجزرة ١٨٦٠ وقصف سيدي عامود عام ١٩٢٥ التي محت النسيج العمراني القديم في المناطق المنكوبة أو كادت ممّا استوجب تعديلات جذريّة في التخطيط والعمارة اللاحقة. كلّ هذا قبل عهد الخطط المدروسة الشاملة وأشهرها بالطبع مقترحات الفرنسي Ecochard لتنظيم المدينة.
بدأ نزوح الشوام عن المدينة القديمة باتّجاه الأحياء السكنيّة الجديدة بالتزايد في عهد الانتداب ويذكر الجغرافي الفرنسي Richard Thoumin في هذا الصدد أنّ "المقنزعين" من المسلمين أمّوا الضواحي الغربيّة المستحدثة (طريق الصالحيّة والجسر والمهاجرين) بينما هجر "مقنزعوّ" المسيحييّن حيّ باب توما إلى القصّاع. تميّزت المنازل أو بالأحرى الشقق الحديثة بالشرفات والحمّامات والمنافع الأكثر موائمة للحياة العصريّة ومع مرور الزمن فقدت البيوت التقليديّة بعض خصوصيّتها عندما أطلّت الأبنية العالية الملاصقة على صحون الدور الشاميّة الأصيلة وشجّعت هذه الخسارة المزيد والمزيد من أهلها إلى النزوح عنها.
عالج أحمد جمال باشا معضلة التحديث بطريقة مختلفة عندما أمر بشقّ شارع بين مئذنة الشحم وحيّ اليهود إذ ألزم أصحاب العقارات المطلّة عليه بالبناء حسب التقاليد الموروثة أي باتبّاع خطّة البيت المتمركز حول الصحن بينما سترت نوافذ الطابق الثاني المطلّ على الشارع بمشربيّات خشبيّة جميلة. النتيجة أسلوب هجين جديد وأنيق نجد المزيد عنه مع عديد من الأمثلة في دراسة الدكتور Weber الموسوعيّة.
دوروتيه ساك. نتائج المسح الأثري لمدينة دمشق القديمة داخل الأسوار ١٩٧٥-١٩٨٠. تعريب وتلخيص قاسم طوير. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.
نتائج المسح الأثري لدمشق داخل السور
دمشق داخل السور: المباني الجديرة بالإنقاذ والصيانة
Stefan Weber. Damascus: Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808–1918, Proceedings of the Danish Institute of Damascus V 2009.
Richard Thoumin. Géographie humaine de la Syrie Centrale. Tours, Arrault, 1936.
No comments:
Post a Comment