الصورة عن الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة والنصّ تعريب عن الصفحة ٢٢٥ من كتاب دمشق منذ البدايات إلى المماليك للفرنسي لمؤلّفه الفرنسي Gérard Degeorge.
تطلّ تربة مقبّبة من الشرف العلوي على بردى ومقابر الصوفيّة القديمة وهذه التربة مع المدخل هي كلّ ما تبقّى من مدرسة حنفيّة بناها وأوقفها الأمير عزّ الدين أيبك أستدار الملك المعظّم عام ١٢٢٤ حسب نقش التأسيس الكتابي على ساكف الباب.
ناب أيبك على صرخد لعدّة أعوام قبل اعتقاله وسجنه في القاهرة عندما اشتبه في خيانته وقدّر له أن يقضي نحبه حبيساً عام ١٢٤٨ بعد أن أوقف مدرسة ثانية في دمشق في حيّ القنوات (*). نقل جثمان الأمير -أحد ألمع وأذكى أهل عصره حسب بعض المؤرّخين- بعد ثمانية سنوات من وفاته إلى دمشق ليدفن في التربة التي بناها.
يشبه هذا الصرح الترب الأيّوبيّة في كلّ مظاهره وهو الوحيد الذي احتفظ حتّى مطلع القرن العشرين ببقايا الزينة المطليّة على الوجه الخارجي extrados لقوس القبّة إذ نرى في القسم العلوي الطلاء القرمزيّ اللون وفي الأسفل صفّ من الزهرات البيضاء منتشرة على منطقة واسعة من نفس اللون. نعاين على طبل الجدار الجنوبي في الداخل قرصاً حوافّه من الأزهار المتشابكة نحت في الطلاء الجصّي الذي يكسوا القاعة بكاملها وفي الأسفل شطراً من آية قرآنيّة كثيراً ما نشاهدها في النقوش الكتابيّة في المقابر "كلّ من عليها فان". لهذه القبّة رقبتين تتناوب فيهما النوافذ مع المحاريب وكانت هذه النوافذ قديماً مؤطّرة بالجصّ ومزجّجة بالزجاج الملوّن شأنها في ذلك شأن الأوابد المعاصرة لها.
(*) إذا كان المقصود المدرسة العزيّة الجوّانيّة فهذا خطأ كونها تواجدت داخل السور وليس في حيّ القنوات وفي كلّ الأحوال لم يكن هذا الحيّ قد تشكّل بالمفهوم المتعارف عليه اليوم في العهد الأيّوبي.
أحمد فائز الحمصي العظماء الذين دفنوا في دمشق أو ماتوا فيها. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.
No comments:
Post a Comment