Wednesday, October 5, 2016

ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب



عبارةٌ تنسبُ تارةً إلى البريطاني أرنولد توينبي، وطوراً إلى الفرنسي غوستاف لوبون، ردّدتها الكتب المدرسيّة السوريّة لسنواتٍ وسنوات، وحَفظَتها أجيالٌ من الطّلاب السورييّن كحقيقةٍ لا شكّ فيها. لم لا؟ كثيرٌ من الشرقييّن إن لم يكن معظمهم يحترمون آراء وطروحات الغربيّين خاصّةً إذا أعجبتْهم ويعتبرونها القولَ الفصل في أي جدال. ساهم القيّمون على التدريس في المشرق العربي شعوريّاً أو لا شعوريّاً بنشرِ أساطير معّينة روّج لها بعض المستشرقين الفرنسييّن والإنجليز والألمان (أخص بالذكر هنا زيغريد هونكه وكتابها "شمس الله تسطع على الغرب")، لمجرّد أنّها راقت لهم ووافقت معتقداتِهم. خلاصة الكلام إذا مدح بعض الأوروپييّن العرب فهذه حجّةٌ دامغة ودليلٌ لا يقبل الدحض. من البدهي أنّ الكثير من المستشرقين الغربييّن يرون الشرق من منظورٍ سلبي أو على الأقلّ لديهم عليه تحفّظاتهم ومآخذهم، وهنا يكمن الحلّ إما في تجاهلِهِم أوعزو كتاباتهم إلى دوافع شرّيرة ومغرضة.

على سبيل المثال: ما الفرق بين الفتح والعدوان؟
الأمر بسيط: الفتح عندما يهاجم الطيّبون (نحن) بلادَ الأشرار (هم)، أمّا العدوان فيحدث عندما يهاجم الأشرار بلاد الطيّبين.

يصعب لمن ينظر لهذا موضوع بتجرّد أن يتقبّل مفهوم "الفاتح الرحيم". الفتح هو استحواذ على أرضٍ بالقوّة وإن اختلفت الذرائع؛ أمّا عن حقن دماء النساء والأطفال، فهذه سياسة معظم الفاتحين، ليس عن إنسانيةٍ منهم، ولكن لأن النساء (الشابّات تحديداًوالأطفال غنائم حرب ثمينة، والفاتح الذكي يستملك (أي يسبيالبشر والحجر ولا يدمّر عشوائيّاً. مَثَل "الغزو الرحيممثل ضرب المرأة "برقّة"، الذي لا يجرؤ رجال الدين على التنصّل منه بوجود نصّ قرآني صريح - كلّنا نعلم أنّه "لا اجتهاد في النص" -، والحلّ بالتالي أن لا نضرب المرأة ضرباً مبرحاً ولا نضربها على وجهِها ولا نكسر عظامَها ولا نشوّه خلْقَها وأن نضربها بالمسواك وهلمّجرّا.

أخيراً وليس آخراً، ليس المستشرقون المعجبون بالعرب بالضرورة موضوعييّن أو معصومين عن الخطأ أو منزّهين عن الأفكار العنصريّة، ويحسن أن نقرأ مباشرةً ما قالوه فعلاً، لا ما وضَعَهُ أولياءُ أمرِنا على ألسِنَتِهِم. على سبيل المثال هكذا كتب حبيب العرب والمسلمين غوستاف لوبون في "حضارة العرب" دفاعاً عن العبوديّة في الإسلام:

... les esclaves sont traités avec la plus grande douceur; il en est de même dans tous les pays soumis à la loi de l’islam....En ne se plaçant même qu’au point de vue du nègre, il est clair que pour une créature aussi inférieur, l’esclavage est chose excellente. Rien ne peut valoir pour ces natures enfantines, faibles et imprévoyantes, un maître que son intérêt oblige à prévoir tous leurs besoins. 

يُعَاَملُ العبيدُ برقّةٍ متناهية في كافّة البلاد الخاضعة للشريعة الإسلاميّة .... وحتّى إذا تناولنا الموضوع من وجهة نظر الزنوج حصراً، فمن الواضح أنّ العبوديّة أمرٌ ممتاز لكائناتٍ متخلّفةٍ إلى هذه الدرجة. لا شيء يعدل بالنسبةِ إلى هذه المخلوقات الغير ناضجة، والضعيفة، ومعدومة البصيرة، سيداً تقتضي مصلحتُهُ أن يوفّر لها جميعَ حاجاتِها.



Gustave Le Bon. La Civilisation Des Arabes. Librairie De Firmin Didot; Paris; 1884 (p 398). 




No comments:

Post a Comment