Friday, April 10, 2020

نقد دمشق


سادت المقايضة على المعاملات التجاريّة عبر التاريخ أمّا مفهوم النقد الحالي -أي قطع معدنيّة أو لاحقاً قصاصات من الورق تحمل قيمة معيّنة- فحديث نسبيّاً أرجعه المؤرّخ الإغريقي Herodotus إلى مملكة ليديا في آسيا الصغرى قبل أن يضمّها قورش مؤسّس السلالة الأخمينيّة في إيران إلى إمبراطوريّته في القرن السادس قبل الميلاد بعد أن هزم آخر ملوكها Croesus الذي عرّب البعض اسمه إلى قارون وأصبح مضرباً للأمثال في الغنى والثراء.

نشر السيّد بشير زهدي محافظ متحف الآثار اليونانيّة والرومانيّة والبيزنطيّة مقالاً بطول تسعاً وعشرين صفحة في المجلّد السادس والعشرين للحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة (صدر عام ١٩٧٦) لخّص فيه تاريخ العملة الدمشقيّة من بداياتها في العهد السلوقي (أقدم مقتنيات المتحف الوطني منها تعود للقرن الثاني قبل الميلاد) مروراً بتعريب عبد الملك بن مروران ونهاية بالعهود الإسلاميّة اللاحقة. لفت نظري أنّ بعض هذه الكنوز كانت في مجموعات خاصّة لدى تجّار الآثار وذكر السيّد زهدي أسماء معيّنة ولا أعلم إذا اتّفق هذا مع الأعراف الدوليّة المتعلّقة بحماية التراث ولا مبلغ قانونيّته.

للنقد أهميّة بالغة في علوم التاريخ فهو -شأنه في ذلك شأن العمائر القديمة والمجوهرات والفخّار والنقوش الكتابيّة على الحجر أو المعدن أو حتّى الخشب- أكثر الرواة مصداقيّة كشاهد ملموس على الماضي ومعاصر لأحداثه بخلاف السرد الكتابي الذي كثيراً ما يأتي بعد أجيال من النوازل التي يتكلّم عنها. نقطة الضعف الوحيدة لهذه الدلائل الماديّة هي ندرتها (الأوابد تهدم وتستعمل حجارتها في أبنية جديدة والنقود خصوصاً الذهبيّة والفضّية منها تصهر لتستعمل في الزينة أو لسكّ نقود جديدة وهلمّجرّا) ومن هنا تعيّن علينا سدّ الفجوات بروايات شفهيّة أو خطيّة أقلّ ثقة وإن أمكن تحليلها ومقارنتها مع غيرها لاستخلاص نتائج معقولة. 

No comments:

Post a Comment