يمكن للمهتمّين باستعراض سريع لسيرة دمشق منذ البدايات وحتّى النصف الثاني للقرن العشرين الرجوع إلى كتاب الدكتور عبد القادر ريحاوي رحمه الله "مدينة دمشق تراثها ومعالمها التاريخيّة". صدرت الطبعة الأولى للكتاب عام ١٩٦٩ ونرجم لاحقاً إلى الإنجليزيّة.
سبق وأن نشر الريحاوي مقالين عن دمشق في الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة. المقال الأوّل بطول ٣٥ صفحة بعنوان "تاريخ دمشق العمراني" عام ١٩٦٤ والثاني بطول ٢٨ صفحة عنوانه "تاريخ دمشق السياسي" عام ١٩٦٨ وقام في كتابه المذكور أعلاه بجمع معلومات المقالين وتنقيحها وإضافة العديد من الصور عليها لتصبح أسهل متناولاً للقرّاء الهواة.
الكتاب والمقالان اختزال وتركيز لتاريخ مدينة عريقة عمرها آلاف السنين ومن غير المنطقي محاولة تلخيص هذا التلخيص في أسطر قليلة وأقتصر بالتالي على النقاط التالية كمداخلة سريعة على المقالين الأصلييّن (وليس الكتاب المنقّح):
دمشق مذكورة في وثائق مصدر القديمة (تحوتمس الثالث وتلّ العمارنة) من منتصف الألف الثاني قبل الميلاد وأكثر ما وجدته إثارة للاهتمام إشارة ريحاوي عن تنقيب في صحن الجامع الأموي جرى في مطلع ستّينات القرن الماضي عثر فيه على فخّار يعود إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد وهو أقدم ما وجد في دمشق إلى ذلك الحين. من البدهي أنّ إجراء حفريّات في مدينة آهلة شديد الصعوبة إن لم يكن متعذّراً باستثناء بعض الأماكن الخالية نسبيّاً كصحن الأموي وفناء القلعة.
لا بدّ من الهنات في أي جهد فرديّ مهما كان المؤلّف متمكّناً من علمه واختصاصه لدى محاولة تغطية كمّ هائل من المعلومات كما في حالة دمشق (من هنا أهميّة المحقّق العلمي وأحياناً اللغوي). على سبيل المثال خلال تحويل التواريخ الهجريّة إلى الميلاديّة قبل عصر المعلوماتيّة وأغلب هذه الأخطاء لا تتجاوز السنة أو السنتين. هناك أيضاً الانحياز السياسي المعاصر (العروبي خصوصاً) كما عندما قال العالم الراحل في سياق فتح دمشق على يد المسلمين العرب أنّه "بشّر بانتهاء النفوذ الغربي الدخيل الذي دام عشرة قرون". من الصعب من منظور متجرّد اعتبار أي نفوذ دام عشرة قرون "دخيلاً" والإشارة طبعاً إلى العهود الإغريقيّة-الهلنستيّة- الرومانيّة-البيزنطيّة.
لفت نظري خصوصاً في نهاية المقال الأوّل عن التاريخ العمراني توصيات المؤلّف لإنقاذ المدينة ويستشفّ من خلال الأسطر أنّه يئس أو كاد (ولم يكن بالتأكيد الوحيد في هذا المضمار) من الحفاظ على الضواحي التاريخيّة خارج السور (ساروجة والقنوات والميدان وغيرها) وبالتالي اقتصرت مقترحاته على المدينة القديمة ومنها:
- نقل النشاط التجاري والصناعي من داخل السور إلى خارجه.
- منع الشاحنات ووسائل النقل الكبيرة من دخول المدينة.
- استملاك الخانات وجعلها أسواقاً سياحيّة ومراكز للمهن اليدويّة.
- منع الأبنية الحديثة وفرض شروط لترميم المباني القديمة.
No comments:
Post a Comment