Tuesday, April 7, 2020

عدنان المالكي


اغتيل العقيد عدنان شمس الدين المالكي في الثاني والعشرين من نيسان عام ١٩٥٥ أثناء حضوره مباراة في الملعب البلدي في دمشق. كان لا بدّ من معاقبة الجناة ومن ورائهم ولكن ما جرى بالفعل تجاوز ذلك بكثير وتحوّل إلى عمليّة "اصطياد الساحرات" (استعارة عن الأصل الإنجليزي witch-hunt وجدته وصفاً موائماً لهذه المأساة) إذ أصبح دم المغدور بمثابة قميص عثمان ورفع معظم السياسييّن في النظام الديموقراطي المزعوم عقيرتهم بالصراخ والمزاودة بعضهم على البعض الآخر في المطالبة بثأر الفقيد الشهيد. لوحق الألوف من الناس وزجّ الكثيرون في غياهب السجون وأعدم البعض (مثلاً بديع مخلوف ابن عمّ السيّدة أنيسة مخلوف قرينة الرئيس الراحل حافظ الأسد) واغتيل البعض الآخر (غسّان جديد شقيق صلاح جديد الأكثر شهرة) وطالت أصابع الاتّهام السيّدة جولييت المير سعادة أرملة أنطون سعادة الذّي سلّمه حسني الزعيم قبل ستّة سنوات من مصرع المالكي -ضارباً عرض الحائط بأبسط آداب الضيافة واللجوء السياسي- ليقتل قضائيّاً في لبنان. باختصار أنزلت عقوبات جماعيّة تعسّفيّة بكلّ من ارتكب "جناية" الانتماء للحزب القومي السوري حتّى ولو لم ير أو يسمع بعدنان المالكي في حياته. 

خلّد المسؤولون ذكرى المالكي بتمثال أقاموه في الساحة التي دعيت في الماضي دوحة الوليد وأقاموا خلف هذا التمثال ضريحاً و"متحفاً" أذكر زيارتي له قبل حوالي النصف قرن. المجمّع عموماً أقرب إلى المشهد والمزار منه إلى التربة (في وقت أثارت فيه التماثيل اعتراض بعض رجال الدين على الأقلّ كمخالفة صريحة للشرع الإسلامي) . تحيط بالمتحف والضريح حديقة نعاين في القسم الشرقي منها بناءً أثريّاً (كان أولى أن تتمركز الساحة حوله) هو التربة العادليّة البرّانيّة وإذا تابعنا السير باتّجاه الشرق نصل إلى جامع الأفرم وهو بالطبع حديث حلّ محلّ الجامع المملوكي القديم أمّا إذا سرنا من الساحة غرباً فنصادف معلماً ثالثاً في هذه المنطقة التي يعبق منها التاريخ: الزاوية القواميّة التي نجت من معول الهدم بقدرة قادر.  

نأتي الآن إلى تاريخ ووصف النصب نقلاً عن الدكتور عفيف بهنسي في عدد الحوليّات الأثريّة السوريّة الصادر عام ١٩٧٣.

"وفي عام  ١٩٥٥ قتل العقيد عدنان المالكي القائد التقدّمي وأثار مقتله حزناً ولوعة وأرادت قيادة الجيش أن تقيم للراحل تمثالاً تذكاريّاً فكلّفت محمّد فتحي قباوة الذي كان قد عاد من روما موفداً من بلديّة حلب بعد أن أنهى دراساته في النحت والتصوير بنجاح وقام فتحي بإنجاز التمثال في مرسم خصّص له كان يقع تجاه بناء اتّحاد نقابات العمّال بدمشق ولكنّ فتحي الذي داهمه المرض ثمّ الموت لم يستطع إكمال التمثال نهائيّاً وما زال ما أنجزه محفوظاً في متحف المالكي.

ثمّ أنجز التمثال معدّلاً من البرونز وتشير اللوحة الموجودة تحت التمثال البرونزي القائم حاليّاً في ساحة عدنان المالكي أنّه من صنع وتنفيذ الفنّان أكرم الشوّا وكان ذلك عام ١٩٦٠ أمّا ضريح المالكي وهو تصميم معماري يحتضن ساحة المالكي ويقع متحف صغير في أحد أطرافه فهو للمعمار وهبي الحريري وقد أنجز في نفس العام".  
   

No comments:

Post a Comment