لحسن الحظّ لدينا اليوم عدد لا بأس به من الكتب التي تفصّل في تاريخ الأموي وعمارته وزينته -خصوصاً الفسيفساء- بالعربيّة (دراسة الدكتور طلال عقيلي من أقضل الموجود) والانجليزيّة والفرنسيّة (كتاب Gérard Degeorge الأجمل من ناحية الصور) وهي تعطي هذا الجامع العريق بعد طول انتظار بعض حقّه.
كان الموضوع مختلفاً بالكليّة عام ١٩٩٠ عندما قامت دار طلاس بنشر كتاب العالم الكبير الدكتور عفيف بهنسي رحمه الله وكان الهدف من هذا العمل -والكلام هنا للدكتور بهنسي- إصدار دراسة شاملة عن أهمّ أوابد دمشق على الإطلاق تتعرّض إليه من كلّ الجوانب وليس فقط من الناحية التاريخيّة أو العماريّة أو الزخرفيّة كما فعل العلماء في الماضي المستشرقون منهم والمحليّون. هل نجح المؤلّف والناشر في تحقيق هذا الهدف النبيل؟
من ناحية الإخراج لا شكّ أنّ هذا الكتاب أفخم ما صدر عن جامع أميّة حتّى تاريخه إذ لدينا هنا مجلّد ٣٥ سم x ٢٥ سم مفعم بالصور الملوّنة (الأغلبيّة) والبيضاء-السوداء ذات النوعيّة العاليّة وعلّها أفضل الموجود قبل انتشار التصوير الرقمي وأمّا من ناحية المعلومات فهناك كمّ لا بأس به منها وإن كان أميل إلى الاختزال. يبلغ عدد الصفحات حوالي المئتين ولكنّها في الواقع أقلّ بكثير إذا طرحنا البيضاء منها وإذا أخذنا بعين الاعتبار الحيّز المخصّص للصور. يمكن بسهولة ضرب عدد الصفحات في عشرة دون خشية الإطالة إذا كان العمل موجّهاً للأكاديمييّن وعلى ما يبدوا ليس هذا الحال هنا.
لغة الكتاب فرنسيّة وليس من الواضح إذا كان الدكتور بهنسي كتب مباشرة بالفرنسيّة أم أنّ أحد المترجمين نقل العمل من العربيّة. في كلّ الأحوال اللغة سلسة من نوع السهل الممتنع والكاتب أو المترجم طلق بالفرنسيّة ولكنّه ليس متمكّناً منها. الاحتمال البديل أنّ التحرير جرى على عجل دون محقّق لغوي بدقّق في الجمل والتهجئة والنقط والفواصل وتنضيد الأسطر وهو أمر مؤسف للغاية في عمل موجّه لقرّاءٍ فرنسييّن. ليس ثمّة أسهل من تلافي هذه الهفوات بقليل من الوقت والجهد وما كان لدار نشر غربيّة أن تسمح بتسرّع وإهمال من هذا النوع.
المشكلة الثانية هي الكمّ. الطبعة بين يديّ هي الأولى وخصّص ريعها لأبناء الشهداء ولكن لم بتجاوز عدد النسخ الخمسمائة وهذا مدهش إذا كان القرّاء المقصودون الهواة (أو حتّى الأخصّائييّن) في الغرب ويحكم سلفاً على العمل بالفشل من الناحية الاقتصاديّة وهنا لا أملك إلّا أن أتساءل: هل طبع الكتاب مرّة ثانية؟
أضف إلى ذلك عدم ذكر المصوّر اللهمّ إلّا إذا كان الدكتور بهنسي من تولّى هذه المهمّة. الصفحة الأخيرة تعطي أسماء السيّدة هدى الفرّا (إدارة) ومؤسّسة صالحاني (مونتاج وطباعة) والسيّد سمير مولوي (الأسطر) ورقم الحفظ في مكتبة الأسد ولكن لا ذكر لمن قام بالتقاط هذه الصور الرائعة وما إذا كان سوريّاً أو أجنبيّاً.
سأحاول تحميل بعض صور هذا الكتاب القيّم مع شرح موجر في الأيّام أو الأسابيع القادمة ويمكن لمن يهمّه الاطّلاع على كتيّب الكتروني باللغة العربيّة للدكتور بهنسي يعالج نفس الموضوع أن ينقر هنا.
No comments:
Post a Comment