دمشق وقاسيون في أواخر القرن التاسع عشر |
من مزايا اصطفاء الصالحيّة كمثال على تطوّر المجتمع الدمشقي والإسلامي أنّ تقصّي أصوله من السهولة والوضوح بمكان أوّلاً، وأنّ توسّعه لاحقاً مع ما رافقه من المؤسّسات الدينيّة والاقتصاديّة وصل إلى حدّ يمكن معه اعتبار الحيّ مدينة مستقلّة ثانياً. دفعت هذه العوامل العالم الياباني Toru Miura إلى محورة دراسته على هذا الحي مستنداً على عدد كبير من الوثائق والمصادر المحليّة والإقليميّة.
يخبرنا المؤلّف (صفحة ٥٢) عن ثلاث مصادر أصليّة اعتمدها لرسم خطوط تاريخ وطبوغرافيا الحيّ كتبها علماء من أهله وهي:
١. تاريخ الصالحيّة ليوسف ابن المبرد ابن عبد الهادي (مات ١٥٠٣ للميلاد) وهو من حنابلة دمشق وسليل بني قدامة. فقدت المخطوطة الأصليّة ويمكن الاطّلاع على بعضها كما اختصرت لاحقاً.
٢. القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة لابن طولون (مات ١٥٤٦) وهو عالم حنفي وتلميذ ابن المبرد والنعيمي ويعتقد البعض أنّه جامع كتاب الدارس لهذا الأخير.
٣. المروج السندسيّة الفسيحة في تلخيص تاريخ الصالحيّة لابن كنان (مات ١٧٤٠) وهو عالم حنبلي قام باختصار تاريخ الصالحيّة لابن المبرد وأضاف إليه بعض التعليقات.
يقع حيّ الصالحيّة على سفح جبل قاسيون شمال نهريّ تورا ويزيد ويقصد به حاليّاً الحيّ الذي تطوّر على امتداد الطريق المؤدّي للصالحيّة منذ نهاية القرن التاسع عشر وأمّا الحيّ الأصلي فيعرف بتقسيماته الإداريّة: الشركسيّة وأبو جرش وركن الدين. يمكن اعتبار حيّ الأكراد امتداداً شرقيّاً للصالحيّة بينما يشكّل حيّ المهاجرين امتدادها الغربي.
من الناحية الديموغراقيّة قدّر عدد سكّان الصالحيّة ١٠٫٠٠٠ في ثمانينات القرن التاسع عشر بينما قدّر عدد سكّان دمشق وقتها بحوالي ١١٠٫٠٠٠ أمّا في ثلاثينات القرن العشرين (تحت الانتداب الفرنسي) فبلغ عدد السكّان لدى إجراء المسح العقاري ٦٫٦٥٠ لحيّ الأكراد و ٩٫٦١٠ للشركسيّة و ٩٫٦٠٠ لأبو جرش و ٢٫٦٢٢ لطريق الصالحيّة و ٣٫٤٤٢ للمهاجرين. المنطقة الوحيدة التي تحتوي على وجود لغير المسلمين هي طريق الصالحيّة إذ يقيم فيها ١٨٢ مسيحي و ١٠ يهود.
كانت بدايات الحيّ مع هجرة بني قدامة الحنابلة من فلسطين في القرن الثاني عشر للميلاد بعد قيام الدويلات الصليبيّة على الساحل السوري وتمركزوا في البداية في جامع أبو صالح خارج الباب الشرقي قبل استيطانهم سفوح قاسيون بعد سنتين. هاجر أحمد ابن محمّد ابن قدامة من فلسطين إلى دمشق عام ١١٥٦ للميلاد وتبعه ابنه أبو عمر (مات ١٢١٠) وبفيّة العشيرة وحذا آخرون حذوهم فيما بعد. إذاً أسّس الحنابلة حيّ الصالحيّة ولكنّ المذهب الأكثر انتشاراً فيها أصبح بالنتيجة الحنفي وبعود هذا إلى نفوذ الأيّوبييّن الذين دعموا المذهب الشافعي في دمشق والحنفي في الصالحيّة.
في كلّ الأحوال تتجاوز أهميّة الصالحيّة الدينيّة مذهباً معيّناً فهي مدينة الأضرحة والمدارس بامتياز لا جدال في قدسيّتها التي تشهد عليها مدارسها وجوامعها وأضرحتها حتّى اليوم رغم غوائل الزمن وكوارث الطبيعة وجهل الإنسان وبغي الغزاة.
https://books.google.com/books?id=_t8zDwAAQBAJ&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false
No comments:
Post a Comment