Engraving from: Louis Lortet, La Syrie d'aujourd'hui, Paris 1884 |
يستحقّ أيّ من أحياء دمشق التاريخيّة سواء تواجد داخل أو خارج السور دراسة منفصلة إن لم نقل دراسات والصالحيّة بالذات كانت حتّى أمد قريب ليست حيّاً فحسب، بل مدينة صغيرة شبه مستقلّة عن الحاضرة الأمّ ويبقى ما كتب عنها أقلّ بكثير ممّا هي جديرة به.
دراسة الأستاذ الياباني Toru Miura الصادرة عام ٢٠١٥ هي على حدّ علمي الوحيدة الموجودة باللغة الإنجليزيّة حتّى اليوم ولا أعلم إذا كان هناك ما يقابلها في لغات ثانية. يحاول المؤلّف من خلال قرابة ٣٥٠ صفحة شديدة الغنى بالمعلومات أن يرسم الخطوط العريضىة لتطوّر هذا الحيّ وعلاقته مع دمشق كمثال عن المجتمعات المدنيّة الإسلاميّة.
دمشق وضواحيها من مطلع القرن السادس عشر إلى أواخر القرن التاسع عشر |
هناك إذاً تركيز على الصالحيّة ولكن الكتاب أكثر شموليّةً في تعرّضه لاقتصاد المجتمعات الإسلاميّة في الشرق الأدنى يشكل عامّ وهو أقرب إلى دراسة مقارنة تضع دمشق والصالحيّة في إطار أوسع يبحث فيه المؤلّف النواحي الاقتصاديّة والقانونيّة وخصوصاً تطوّر مؤسّسة الوقف الدينيّة والذريّة ودورها في تنشيط التبادل بين الريف والمدينة لمصلحة هذه الأخيرة واعتماد المدارس والجوامع ومن عمل فيها على ريع هذه الأوقاف. الكتاب في الواقع أشبه بمجموعة من المقالات وليست جميع هذه المقالات عن الصالحيّة (مجموع فصول الكتاب تسعة إذا استثنينا المقدّمة والخاتمة والفصل الرابع على سبيل المثال عن الإدارة والنظام الضريبي في عهد المماليك لا ذكر فيه للصالحيّة وهناك أكثر من فصل عن دمشق بشكل عامّ).
ليس هناك أدنى محاولة لوصف جميع أوابد الصالحيّة لا تاريخيّاً ولا هندسيّاً ولا فنيّاً فهذا موضوع يحتاج إلى كتاب مستقلّ وكثير من هذه المعالم تستحقّ دراسات مستقلّة على مستوى المدرسة الواحدة والجامع الواحد. ما قام به المؤلّف عبارة عن عمليّة "جرد" لمدارس دمشق في جدول يعطي مكان تواجدها وبانيها وتاريخ بنائها وأوقافها وحاالتها (موجودة وفعّالة أو بقايا أنقاض أو مندثرة أو مجهولة المكان إلخ) وزوّدنا بجدول مستقلّ لمدارس الصالحيّة وأعطى اهتماماً خاصّاً للمدرسة العمريّة كما سنرى. شهد العهد الأيّوبي على قصره النسبي نشاطاً استثنائيّاً في بناء المدارس وطبع الصالحيّة بالذات بطابعه (بينما يغلب الطابع المملوكي على حيّ الميدان).
مدارس دمشق (مع استثناءات أهمّها العمريّة) صغيرة المساحة وكثيرة العدد مقارنة مع حلب والقاهرة ومنها ما هو مدرسة فقط ومنها مدرسة-ضريح، بعضها أبنية مستقلّة وبعضها الآخر يتواجد في الجوامع (الأموي خصوصاً) ويفتقر شكل بعضها إلى التناظر كونها في الأصل بيوت تمّ تحويلها إلى مدارس. بالنسبة لعناصر المدرسة كبناء لدينا الإيوان والصحن والخلوة والبحرة أو البئر والمصلّى ولربّما احتوت على مكتبة وضريح وتكيّة وكتّاب.
للحديث بقيّة.
No comments:
Post a Comment