Tuesday, November 20, 2018

لبنان عشيّة ١٨٦٠

انتهى الأمير بشير الثاني الشهابي مع نهاية عهد ابراهيم باشا المصري في سوريا عام ١٨٤٠ ليحلّ محلّه بشير الثالث الذي قدّر له أن يكون آخر حكّام هذه الأسرة في لبنان قبل إقالته في كانون الثاني ١٨٤٢. شهد عام ١٨٤١ بداية سلسلة من الاشتباكات الطائفيّة بين الدروز والموارنة في منطقة الشوف انتشرت منها إلى عدّة أماكن في جبل لبنان.



فلنتفحّص الخريطة الملحقة كنقطة بداية ننطلق منها إلى لبّ الموضوع. للتبسيط يمكن تقسيم جبل لبنان إلى قسمين يفصل بينهما طريق دمشق بيروت أو على الأقلّ خطّ وهمي يصل بين المدينتين. القسم الشمالي -وهو جبل لبنان الأصلي حتّى منتصف القرن الثامن عشر- يمتدّ من كسروان (معقل الموارنة) جنوباً إلى عكّار شمالاً  أمّا القسم الجنوبي -جبل الدروز- فيتألّف من الغرب وعرقوب والشوف إلى آخره. أدّت هجرة الموارنة إلى الجبل لتغيير كبير في التوزيع الديموغرافي لسكّانه وزيادة نسية المسيحييّن إلى ٧٨% مع حلول عام ١٨٤٠ (بالمقارنة لم تتجاوز نسبة الدروز ١٢% والباقي سنّة ومتاولة أي شيعة)  أمّا عن العدد الإجمالي فقد بلغ ٢٠٠٠٠٠ على الأقلّ أي أنّه كان شديد الكثافة بمقاييس ذلك العصر. أكبر مدن الجبل كانت دير القمر -عاصمة المعنييّن والشهابييّن- وهي مسيحيّة رغم أنّها تقع في قلب إقليم الدروز أمّا إذا تجاوزنا جبل لبنان قليلاً في اتّجاه الشرق فلدينا زحلة معقل الروم الكاثوليك على حدود البقاع والجبل. 

حاولت السلطات العثمانيّة في جهدها للمحافظة على ممتلكاتها الآسيويّة -بعد أن خسرت الكثير من أراضيها في شرق وجنوب أوروبا- وبهدف الحدّ من تغلغل القوى الأوروبيّة المتزايد في الشرق الأدنى وتدخّلهم في شؤونها أن تجد حلّاً مقبولاً للنزاع الطائفي المتصاعد في لبنان فقامت عام ١٩٤٢ -أي بعد انتهاء حكم بني شهاب- بتقسيم الجبل إلى قائم مقاميّتين شماليّة تحت إمرة زعيم ماروني وجنوبيّة بزعامة درزي وقدّر لهذا النظام أن يستمرّ مع بعض التعديلات حتّى ١٨٦١. إذا نظرنا للتوزيع الديموغرافي لهاتين القائم مقاميّتين عن كثب نرى أنّ الأغلبيّة الساحقة في الشماليّة كانت مارونيّة (٩١%) يليها الدروز ٤% والباقي سنّة وشيعة. احتوت القائم مقاميّة الجنوبيّة "الدرزيّة" على عدد كبير من المسيحييّن خاصّة في أهمّ مدنها دير القمر التي وصل عدد سكّانها في منتصف القرن التاسع عشر إلى ٧٠٠٠-١٠٠٠٠ نسمة معظمهم من الموارنة والروم الكاثوليك. بالنتيجة القسم الشمالي كان أكثر "انسجاماً" بكثير من الناحية الطائفيّة من نظيره الجنوبي وهناك بالطبع المناطق الحدوديّة المختلطة وكلّ هذا في زمن زادت فيه العصبيّة والقبليّة والتعنّت.

أجرى الباب العالي هذا التقسيم الإداري لعدّة أسباب لربّما كان أهمّها حرمان أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً من ذريعة  للتدخّل في شؤون السلطنة عن طريق استعمال حماية الأقليّات وأهمّها المسيحييّن كقميص عثمان. هل نجح هذا المسعى؟  

للحديث بقيّة.  



https://books.google.com/books?id=nE7RjS91_E4C&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

No comments:

Post a Comment