اعتقد معظمُ المؤرّخين أنّ دمشق الرومانيّة تمتّعت بشوارعٍ مستقيمة، تقاطعت طولاً وعرضاً لتشكّل زوايا قائمة، على غرار العديد من المدن الكلاسيكيّة (الهلنستيّة - الرومانيّة)، كما في أنطاكية وأفاميا وجرش. قارَبَ شكلُ المدينةِ، حسب هذه الفرضيّة، المستطيل، مقارنةً مع الهيئة البيضويّة لدمشق داخل السور كما نعرِفُها اليوم. مع مرور الزمن وبدايةً بالعهد البيزنطي، ضاقت شوارع المدينة وتعرّجت واتّخذ نسيجُها العمراني بالتدريج هيئَتَهُ التي حافظ عليها حتّى القرن العشرين.
شكّك مُساهِمان فرنسيّان، (Jean-Marie Dentzer و Olivier Aurenche) في عدد مجلّة الدراسات الشرقيّة الصادر عام ٢٠٠٠، في هذه المسلّمات، وطرحا عوضاً عن ذلك فكرةً جديدةً، مفادُها أنّ الفترة اليونانيّة - الرومانيّة كانت، على الرغم من امتداددِها على مئات السنوات، مرحلةٌ عابرةٌ وشاذّة في تطوّر المدن السوريّة عبر آلاف السنين، وأنّ "المدينة العربيّة" استردّت بكل بساطة شكل "المدينة الشرقيّة" قبل العهد السلوقي.
لدينا، مهما كان الأمر، من المعالمِ والأنقاض ما فيه أكثر من الكفاية لإعطاء صورة أمينة عن دمشق الرومانيّة، وعلى هذا الأساس، تمكّن الألمانيّان Watzinger و Wulzinger قبل مائة عام، من رسمِ خريطةٍ للمدينة، لا تزال مع بعض التعديلات اللاحقة، معتمدةً وموثوقةً إلى اليوم.
- اتّسعت دمشق الرومانيّة لتشغل كامل المساحة داخل السور كما نعرفها اليوم أو تكاد. بلغت أبعاد أضلاع المستطيل الذي شكّل سور المدينة ١٣٤٠ متر طولاً، و ٧٥٠ متر عرضاً، واخترقَتهُ سبعةُ أبواب.
- المحور الأطول للمدينة من الشرق إلى الغرب هو الشارع المستقيم Via Recta، بطول ١٥٠٠ متر على وجه التقريب. سُمّيَ المحور الشرقي - الغربي لأي مدينة في العهد الروماني decumanus، أمّا الشوارع المتعامدة عليهِ من الشمال إلى الجنوب فدُعِيَت cardo. يمثّلُ الأخيرة في دمشق الشارع الذي فَصَلَ ما كان وقْتَهَا حيّ الأنباط شرق المدينة عن بقيّتها، ويوافق إلى حدٍّ كبير شارع باب توما حاليّاً. هناك أكثر من cardo في المدينة.
- امتدّ الشارع المستقيم من الباب الشرقي شرقاً، إلى باب الجابية غرباً، وبلغ عرضُهُ قرابةَ ٢٦ متراً، منها ١٣ متر لمنتصف الشارع والباقي مقسومٌ بين رواقين مسقوفين، أحدهما شمالي والثاني جنوبي. ملكت دمشق محوراً آخر من الشرق إلى الغرب أقصر وأقدم من الشارع المستقيم: القيمريّة أو الطريق المقدّسة Via Sacra الذي وَصَلَ البوابّة الشرقيّة لهيكل المشتري مع ساحة المدينة، أو ما سُمّيَ forum في عهد الرومان و agora في العهد الهلنستي.
- جُرّت المياه إلى المدينة عن طريق نهر أو قناة القنوات.
- وَقَعَ الحصن أو المعسكر الروماني castrum شمال غرب المدينة، واحتلّ قسماً من المكان الذي تشغَلُهُ حاليّاً قلعة دمشق الأيوبيّة (شكّك الباحثون لاحقاً في وجود هذا الحصن، ومنهم Sauvaget الذي سلّم به في البداية وأعاد النظر فيما بعد).
- تواجد المسرح الروماني جنوب الشارع المستقيم، بين خان سليمان باشا وجامع هشام. يشغل بيتا العقّاد (المعهد الدانماركي) وحورانيّة قسماً من مكانِهِ حاليّاً. بلغ قطر المسرح ٩٣ متراً، واتسّع لعددً من الناس تراوح بين السبعة إلى التسعة آلاف.
- صرح دمشق الأكبر والأهمّ بلا منازع معبدُها (لا يزال الجامع الأموي الأوّل بين معالم المدينة، بيد أنّهُ أصغر مساحةً من قلعتِها الإسلاميّة). للمقارنة ناهزت مساحة هيكل المشتري وملحقاتِهِ، ضمن سورِهِ المزدوج ١١٧٠٠٠ متر مربّع لقاء ١٦٠٠٠ متر مربّع لجامع بني أميّة الكبير، وبلغت أبعادُ سورِهِ الخاجي ٣٨٠ متر في ٣١٠ متر، لقاء ١٥٥ متر في ١٠٠ متر للجامع الأموي، الذي يعادل تقريباً مساحة المعبد الروماني الداخلي.
الخريطة عن Wulzinger و Watzinger.


No comments:
Post a Comment