Saturday, May 27, 2017

دمشق منذ البدايات إلى نهاية عهد المماليك

الكاتب هو المؤرخ والمصور ومهندس العمارة الفرنسي Gérard Degeorge والكتاب الصادر عام 1997مكون من 400 صفحة تزينها 32 لوحة بالأبيض والأسود جميع صورها للمؤلف وتمثل معالماً مختلفة للمدينة. عدد الصور قليل نسبياً ولكن يمكن الرجوع لكتاب آخر له صدر عام 2001 بعنوان DAMAS - Répertoire Iconographique  والمخصص بكامله لصورالمدينة على مر العهود. لا يتردد الكاتب في الإدلاء بآرائه السياسية بين الحين والآخر ومن الواضح أنه ليس من أنصار الصهيونية إذ خصص 14 صفحة من مقدمة الكتاب بعنوان النكبة La Catastrophe للقضية الفلسطينية التي لا يمكن إنكار أهميتها في تاريخ سوريا الحديث وإن كان مكانها ليس بهذه الدرجة من الوضوح في الفترة قيد الدراسة. 


متن الكتاب موزع بين ثلاثة فصول تتساوى عدد صفحاتها أو تكاد: الفصل الأول يغطي آلاف السنين وينتهي مع نهاية العهد الأموي والفصل الثاني يغطي 500 سنة أي العهد العباسي والذي يشمل العهود الفاطمية والسلجوقية والأتابكية والأيوبية أما الفصل الثالث فهو مخصص لعهد المماليك البحرية ثم البرجية أي حوالي 250 سنة تنتهي بمعركة مرج دابق عام 1516 للميلاد وبداية العصر العثماني. قد يبدو هذا التوزيع بعيداً عن الإنصاف ولكن يجب أن نأخذ بعين الإعتبار أن المعلومات المتوافرة تتضائل مع تقادم العهد خاصة فيما يتعلق بالمعالم الأثرية في مدينة مأهولة باستمرارعلى مدى آلاف السنين وتفع بقاياها الآرامية عدة أمتار تحت مستوى الأرض الحالي. 

يعتقد أن أول ذكر  لدمشق كان في لوحات إيبلا التي هيمنت على شمال سوريا في القرن الثالث قبل الميلاد ومع الأسف لم تنشر هذه المعلومات حتى اليوم وبالتالي يتعين علينا أن نقفز إلى منتصف الألف الثاني عندما هزم الفرعون تحوتمس الثالث إئتلافاً سورياً بقيادة أمير قادش في معركة مجيدو Megiddo عام 1457 قبل الميلاد وأسر زعماء وملوك 19 مدينة منها دمشق وهو الظهور الأول لها في التاريخ (بانتظار المزيد من الأبحاث). هناك ذكر آخر لها في عهد أمنحتب الثالث في معبد قرب طيبة وثالث في عهد أخناتون (القرن الرابع عشر قبل الميلاد)  في لوحات تل العمارنة. 

كان الظهور الأول للآراميين على مسرح التاريخ في النصوص الآشورية وحوليات تغلات فلاصر الأول (1116-1076 قبل الميلاد) الذي هزمهم واستحوذ على ممتلكاتهم وجلبها لمدينته آشور ولكن فيما يتعلق بسوريا الوسطى والجنوبية لا يوجد حتى الآن مصدر يغطي هذه الفترة باستثناء كتاب العهد القديم والذي يخبرنا أن داود (1004-965 ؟؟) هزم الآرامبيين واستولى على دمشق ونهبها ووضع حامية فيها. قصة تقسيم "إمبراطورية" داود وسليمان بعد موت هذا الأخير معروفة ومن المفروض أن دمشق استفادت من ضعف إسرائيل وحاولت التوسع على حسابها ولكن المملكتين اضطرتا لتوحيد جهودهما لمواجهة الخطر الآشوري في معركة قرقر عام 853 وقد حاول شلمنصر الثالث 858-824 في الفترة التاية أن يستولي على دمشق وفشل وصب جام غضبه على الواحة المحيطة بها التي قطع أشجارها وأضرم فيها النار. 

انحسر الخطر الآشوري مؤقتاً في العقود التالية التي شهدت بين الفينة والفينة نزاعاً بين دمشق وإسرائيل ويعتقد أن الجالية اليهودية في دمشق تكونت خلال هذه الفترة (مطلع القرن الثامن قبل الميلاد) على إثر إتفاقية بين Joas ملك إسرائيل وBar Hadad أو Ben Hadad الثالث ملك آرام دمشق. بالنتيجة سقطت دمشق بيد الآشوريين وتغلات فلاصر الثالث عام 732 ولم يبق من هذا العهد سوى نحت بازلتي لأبي هول مجنح من القرن التاسع ق.م. أكتشف عام 1948 للميلاد في الجدار الشمالي للجامع الأموي وهو اليوم في متحف دمشق ومجموعة من اللوحات العاجية من شمال سوريا تحمل إحداها إسم Hazael أحد ملوك دمشق الآراميين.  

المعلومات عن الفترة الأخمينية معدومة أو تكاد ولم يبق من آثارها إلا رأسي عمودين لربما كانا من بقايا قصر الحاكم وقد أكتشفا من قبل الألمانيين Watzinger و Wulzinger خلال حفريات أجرياها في سنوات الحرب العالمية الأولى أما عن ذكر المدينة في العهد الفارسي  فهناك إشارة مختصرة إايها في Strabo الجغرافي الإغريقي (63 ق.م. إلى 24 للميلاد)  الذي وصفها كأهم مدينة "في هذا القسم من آسيا". 

يخبرنا المؤرخون أن داريوس الثالث -آخر ملوك الأخمينيين- ترك حريمه وكنوزه في دمشق قبل أن يواجه الإسكندر الأكبر وأنه بعد إنتصار هذا الأخير في معركة Issus عام 333 قبل الميلاد أرسل عامله Parmenion إلى المدينة للإستيلاء على هذه الغنائم ومن ثم أقام الفاتح بنفسه في دمشق لفترة معينة قبل أن يستأنف حملاته في الشرق. 

بدأ العهد الهلنستي بعد موت الإسكندر وبالطبع كانت أنطاكيا عاصمة سوريا خلال معظم هذه الفترة ولكن أنطيوخوس التاسع 116-96 ق.م. جعل دمشق عاصمته لفترة قصيرة (كانت هذه الفترة بالطبع فترة انحطاط وآواخر العهد السلوقي) وغير ديميتريوس الثالث 97-87 ق.م. تسميتها إلى ديميتريا  Demetrias.  طلب الدمشقيون في نهاية هذا العهد من الفوضى والحروب حماية ملك الأنباط الحارثة الثالث الذي أصبح ملكاً للمدينة عام 85 وكانت هذه بداية حي الأنباط في دمشق شرق المدينة وتحديداً شرق شارع باب توما. إنتهى العصر الهلنستي عام 64 ق.م على يد بومبي وبدأ العهد الروماني الذي -على عكس العهود السابقة- لا تزال بصماته موجودة في المدينة القديمة  حتى اليوم. 


لا يمكن إعطاء الكتاب حقه في هذه السطور القليلة والتي حاولت فيها التركيز على الجزء الذي يتعلق بالتاريخ القديم على إعتبارأن المؤلفات التي تغطيه قليلة وأقل منها ما يشفي الغليل. الكتاب -من الجلدة إلى الجلدة- أكثر من جدير بالقراءة وهو قريب المنال وسهل اللغة للهواة مع الحرص على ذكر الكثير من المراجع لمن يريد التوسع من الأخصائيين وعشاق التاريخ. 

الرابط أدناه يعرف باختصار بالمؤاف وبعض كتبه. 

http://bornindamascus.blogspot.com/2017/02/gerard-degeorge.html


No comments:

Post a Comment