Saturday, May 20, 2017

خمس سنوات في دمشق

أقام المبشر الإيرلندي Josias Leslie Porter 1823-1889 في سوريا عشرة سنوات بداية من كانون أول 1849 وألف بناء عليه أحد أهم الكتب التي نشرت عن دمشق وبلاد الشام في حينه بعنوان Five Years in Damascus. صدرت الطبعة الأولى عام 1855 ومن ثم طبعة ثانية منقحة ومعدلة عام 1870. الكتاب موزع بين مجلدين يبلغ عدد صفحاتهما الإجمالي 850 ونيف تزينها بعض الصور والمرسمات والخرائط وهو موجود بنصه الكامل بالمجان على الرابطين أدناه. 


المؤلف رجل متدين ويحدد منعاً لأي التباس في مقدمة الطبعة الثانية أن هدفه الرئيس من ترحاله في "بلاد الكتاب المقدس" هو إثبات الحقائق الموجودة في هذا الكتاب الذي رافقه طوال سفره. يضيف فيقول أنه وصل بالنتيجة إلى أنه كلما زادت المعلومات المكتسبة عن طريق الأبحاث الجغرافية والأثرية كلما زادت قناعة المرء بصحة ودقة كلام كتاب الله بالحرف وبتحقق نبوءة الأنبياء بحذافيرها. لا يقتصر الكتاب على مدينة دمشق وإن أوحى العنوان بذلك بل يشمل أيضاً المنطقة المحيطة بها ووادي بردى إضافة إلى حوران وتدمر ولبنان وبعلبك وحمص وغيرها مما لا يمكن التعرض له في هذه الأسطر القليلة ولهذا سأقتصر على بعض المعلومات الهامة عن دمشق كما وصفها الكاتب وللإنصاف من شبه المؤكد أن ما كتبه عن المدينة يبقى أدق وأفضل ما نشر في حينه وتطلب تحسين المعطيات والمعلومات التي جمعها عشرات من السنين.   

فلنبدأ بخارطة المدينة والتي تظهر بدقة أكثر من معقولة (على الأقل في مقاييس ذلك الوقت) أهم نقاط العلام فيها بما فيها الشارع المستقيم وبردى والقلعة والجامع الأموي والأبواب والأحياء والمقابر والمنطقة غرب المدينة خارج السور حتى التكية السليمانية والمرج الأخضر. يؤخذ على الخريطة أنها لا تشمل الصالحية ولا معظم حي الميدان وأن الإهتمام بالتفاصيل يتناقص خارج السور وليس هذا بالمستغرب إذ ما يهم العالم الفاضل هو بالدرجة الأولى المعالم الكلاسيكية (أي الرومانية والإغريقية) والدينية (المسيحية واليهودية) وهو يسير في هذا الصدد على خطوات الكثير من المستشرقين قبله وبعده. 


بالنسبة لسكان المدينة فقد أرفق المؤلف جدولاً بتوزيعهم الطائفي الذي قدر عددهم الإجمالي وفقاً للأرقام الرسمية  ب 108,000 منهم 74,000 (الغالبية العظمى سنة) مسلم و 14,000 مسيحي (بمختلف طوائفهم) و 4600 يهودي والباقي موزعين بين "غرباء وجنود وعبيد وموالي" ولكنه يرى أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير وأنه يتجاوز 150,000 ويضيف (في الطبعة الثانية) أن عدد المسيحيين تناقص إلى درجة كبيرة بعد مجزرة 1860. 


يصف المبشر مسلمي دمشق بأنهم "ضعفاء وشهوانيين ومتعصبين" وأنهم يمضون أوقاتهم في التبطل والتسكع "من الحريم إلى الحمام ومن الحمام إلى الجامع" وأن الصلاة بالنسبة لهم عبارة عن طقوس روتينية لا تمنعهم من الكذب والغش والشتم ويضيف -بعد التعرض إلى الحج- أن الإسلام يتميز دون غيره بالجمع بين التجارة والدين والعبادة والصلاة والكذب والخداع ودون أي تضارب بين هذه الأنقضة. فيما يتعلق بالمسيحيين فقد قرظ السيد Porter روح المبادرة لديهم وجهدهم وأفاد أنهم كانوا (على الأقل قبل 1860) يزدادون نفوذاً وغنى وأن وضعهم الأمني كان في سبيله إلى التحسن بفضل حماية القناصل الأوروبيين وبالذات قنصل بريطانيا Wood الذي بذل قصارى جهده لحماية المسيحيين واليهود من أسيادهم السابقين المسلمين. يهود دمشق أقل عدداًً ولم يمنع هذا بروز بعض العائلات الواسعة الثراء بينهم وإن تفاوتت حظوظهم بين عهد وآخر حسب تقلب الحكام وتوافر الحماية الأوروبية. 


أعطى الكاتب حيزاً لا بأس به لوصف المدينة ومع إعجابه بجوامعها من الناحية المعمارية والفنية فهو يتحفظ فيقول أنها وبدون إستثناء قذرة وأن غالبيتها العظمى بحاجة ماسة إلى الترميم وأما عن الخانات فلم يجد فيها ما يستحق الملاحظة إلا مدخلها وأفتى أنه حتى خان أسعد باشا كان -على اتساعه وجمال قبته- دون وصف Lamartine له. يتجول المؤلف في أسواق المدينة ونعلم منه أن القلعة كانت لا تزال محاطة بخندق ويضيف أنها مهيبة المنظر من الخارج ولكن جدرانها كانت  مجرد غطاء لحالتها المتداعية من الداخل. 

يقرظ الكاتب بيوت دمشق الخاصة كموضع الفخر الأول للمدينة رغم تواضع مظهرها الخارجي ويصف بيت علي آغا خزنة كاتبي (يعرف حالياً كبيت نظام) الذي زاره شخصياً وشرح أهم مكوناته وذكر أن الجواني (الحرملك) في البيت الشامي كان محظوراً على الزوار وأن الخصيان يقفون حرساً على مدخله.   

لعل وصف الجامع الأموي بما فيه المخطط الملحق (وهو كخارطة المدينة أدق الموجود حتى حينه) أحد أهم المعلومات الموجودة في هذا الكتاب التاريخي الثمين ويزيد في قيمته أنه يسبق حريق عام 1893. من المعروف أن الجامع (بالأحرى معبد جوبيتر الروماني) كان يتمتع بأروقة معمدة  propylaeum لا تزال آثارها موجودة شرق باب جيرون وغرب باب البريد وكما نرى في المخطط كانت بقايا الرواق المعمد الجنوبي لا تزال موجودة عندما زار Porter المدينة في منتصف القرن التاسع عشر إذ عاينها جنوب باب الزيادة المطل على سوق الصاغة (للمزيد من المعلومات يمكن مراجعة دراسة الدكتور طلال عقيلي عن جامع بني أمية الكبير). 


 https://archive.org/stream/fiveyearsindamas01port#page/n5/mode/2up

https://archive.org/stream/fiveyearsindama01portgoog#page/n5/mode/2up

No comments:

Post a Comment