يعود الفضل في هذه الدراسة الكلاسيكية لمدينة دمشق بين الأعوام 1808-1918 إلى المعهد الدانماركي والدكتور Stefan Weber وهو أخصائي في الدراسات الشرق أوسطية من Freie Universität Berlin في ألمانيا ومدير متحف للفنون الإسلامية في برلين علاوة على العديد من المناصب الأكاديمية في مؤسسات أخرى. يتوزع هذا الكتاب الضخم الصادر عام 2009 على مجلدين يتجاوز عدد صفحاتهما الألف تزينها المئات من الصور التاريخية النادرة معظمها بالأبيض والأسود مع العديد من الصورالحديثة الملونة للمقارنة. يبلغ وزن الكتابين حوالي خمسة كيلوغرامات.
يتناول الجزء الأول محاولات الدولة العثمانية للحاق بركب التطور الذي نجم عن الثورة الصناعية وتداعياتها في الغرب عن طريق تطوير مؤسسات الدولة وتعزيز السلطة المركزية بداية مع التنظيمات ومروراً بعهد السلطان عبد الحميد ونهاية بجماعة الإتحاد والترقي وتركيا الفتاة والحرب العظمى. أعطت مأساة 1860 بالطبع الفرصة للمزيد من التدخل الأوروبي ولكنها أدت في نفس الوقت إلى إحكام قبضة القسطنطينية على ما تبقى من ممتلكاتها في الشرق الأدنى وصعود وجوه جديدة نسبياً من نخبة السوريين - هنا الكلام عن الدمشقيين- ليساهموا في هذه التطورات التي عكست في منشئات المدينة وبنيتها التحتية وبيوتها الخاصة المجتمع السوري الدمشقي بمختلف مكوناته.
ينتقل المؤلف بعد هذه المقدمة إلى تقديم عدد من أهم شخصيات هذه الفترة وخلفيتهم كآل اليوسف والبارودي والقوتلي ومردم والعابد ومن ثم إلى تعريف بدور قناصل الغرب (منهم من كان محلياً وعلى سبيل المثال ميخائيل مشاقة) قبل التعرض للمؤسسات الجديدة والأشغال العامة كالمشافي والطرقات والإنارة والمواصلات وجر المياه. نجم عن زيادة عدد سكان المدينة الحاجة إلى بناء أحياء جديدة كالمهاجرين والتوسع حول محاور قديمة كطريق الصالحية وأما عن مركز المدينة قفد انتقل إلى الغرب حول ساحة المرجة التي طوقتها الأبنية الحديثة كدار البلدية والسرايا والبريد ودار العدل.
الفصل التالي يبحث أسواق المدينة من مدحت باشا إلى الحميدية مروراً بأسواق علي باشا (ساحة المرجة) والخجا دون إغفال الخانات التاريخية. يعرج الكاتب بعدها على الأبنية التجارية (العابد) والبنوك والفنادق والوكالات مما لا يتسع المجال لتفصيله في هذه السطور.
يخصص الدكتور Weberحوالي نصف الجزء الأول لبيوت دمشق وتطورها من النموذج التقليدي المتمركز حول الديار والبحرة والإيوان إلى "القونق" (يملك "صوفا" وسقف قرميدي وواجهة على الشارع تتمتع بنوافذ كبيرة) وبالنهاية العمارات والشقق السكنية. هناك معالجة مفصلة للتأثيرات الأوروبية والتي وصلت دمشق عبر القسطنطينية كالباروك والروكوكو. بالطبع خصص الكاتب حيزاً لا بأس به لتطور أثاث البيوت والأزياء والألقاب والإيتيكيت وغيرها.
الجزء الثاني والأكبر من الكتاب عبارة عن "كاتالوج" مبوب لبنوك المدينة وحماماتها وجسورها ومقاهيها ومسارحها ومعابدها وقنصلياتها ومبانبها التجارية ومؤسساتها التعليمية وسبلها ومشافيها وفنادقها وشوارعها وسسككها الحديدية وأخيراً وليس آخراً بيوتها والتي تشغل أكثر من نصف هذا المجلد.
حاول المؤلف قدر الإمكان أن يغطي معالم هذه الحقبة ولم يغفل ذكر حتى ما اندثر منها طالما كان مذكوراً في المصادر التاريخية أما عن المنهج الذي اعتمده في الوصف فيتلخص بذكر موقع البناء على الخريطة وبانيه ومجدده والعهد الذي بني أو جدد فيه ووصف مختصر للبناء (مع صورة إذا توافرت) كما كان مع إعطائه درجة حسب أهميته (مهم أو شديد الأهمية إلخ). يختم الكاتب سرده دوماً بتحديد الوضع الراهن للبناء: موحود في حالة جيدة أو موجود بحالة متداعية أو هدم.
يخلص المؤلف إلى نتيجة أنه رغم التأثير الغربي المتعاظم ورغم كل الضغوط الخارجية ورغم التغيرات الكبيرة التي طرأت على المدينة فقد بقيت دمشق مدينة فريدة تطورت وتحدثت بأسلوبها الخاص دون أن تتحول إلى مدينة أوروبية.
No comments:
Post a Comment