يبقى كتاب المؤرخ وعالم الآثار والديبلوماسي الأسترالي Ross Burns (مواليد 1943) بعد 12 سنة من صدوره عام 2005 أفضل ملخص باللغة الإنجليزية لتاريخ المدينة الطويل بل أزيد فأقول أنه لربما كان أفضل ملخص لهذا التاريخ في أي لغة على الإطلاق إذا أخذنا بعين الاعتبار كثافة معلوماته ودقتها والفترة الزمنية التي تغطيها منذ العصر الحجري الحديث Neolithic Age وحتى عام 1918 ونهاية الحرب العالمية الأولى.
ليس الكتاب بجمال وفخامة نظيره للفرنسي Degeorge الذي صدر متزامناً معه والذي تزينه مئات من الصور الملونة الرائعة بدقة عالية وحجم كبير على ورق سميك وصقيل ولكنه يمتاز عن هذا الأخير بعرض أكثر وضوحاً بفضل العشرات من الخرائط والمخططات يضاف إليها شرح واف للمصطلحات العربية واللاتينية واليونانية في موضع واحد يسهل الرجوع إليه وهو بالطبع يسند معلوماته بالعديد من المراجع القديمة والحديثة بمختلف اللغات شأنه في ذلك شأن Degeorge. عدد صفحات الكتاب حوالي 400 وحجمه صغير نسبياً 23 سم في 16 سم وبالتالي فهو خفيف الحمل رغم غناه بالمادة وعلاوة على ذلك فهو طلي الأسلوب دون تقعر في الكلام وفي متناول كل من لديه إلمام معقول بالإنجليزية من غير الأخصائيين.
يخصص الكاتب حوالي 40% من صفحات الكتاب للعهود قبل الإسلام والباقي للعصور الإسلامية ويعتمد كغيره على الأعمال الرائدة ل Watzinger & Wulzinger و Jean Sauvaget وكثير غيرهم وعل خياره كان موفقاً عندما أنهى سرده مع نهاية الحرب العظمى والعهد العثماني في عام 1918 أي قبل قرن من الزمن إذ كلما بعدت الشقة كلما زادت الموضوعية ولربما كانت فترة "السفر برلك" وما رافقها من المجاعات والوباء والتهجير والتدمير مماثلة للفترة التي نعيشها حالياً والذي يتنازع فيها القاصي والداني على مناطق نفوذ في سوريا على حساب السوريين ودماء السوريين والذي يعيد فيها السوريون النظر في هويتهم التي كان أجدادهم يبحثون عنها قبل مائة عام والتي ظن أباؤهم أو كادوا أنهم وجدوها.
يختم المؤلف فيقول (ص 272) أنه لا مبالغة في القول أنه لولا دمشق لما أخذت الديانتان الإسلامية والمسيحية شكلهما الذي نعرفه حالياً كديانات عالمية وأن المدينة لعبت خلال الثلاثة آلاف عام الأخيرة دوراً حيوياً في الشرق الأدنى لا تضارعها فيه أي مدينة ثانية وأن هذا الدور لا يمكن تفسيره بمزايا استراتيجية كالتي تتمتع بها القاهرة على النيل والدلتا أو بغداد على الموضع الذي يتقارب فيه دجلة والفرات تقريباً إلى درجة التلاقي. باختصار دمشق تلخص تاريخ الشرق الأدنى أكثر من أي مدينة في هذه البلاد القديمة قدم التاريخ.
No comments:
Post a Comment