Saturday, May 13, 2017

من دمشق إلى تدمر

كتاب باللغة الإنجليزية مؤلفه المحترم Reverend John Kelman عدد صفحاته حوالي 370 تزينه 86 صورة خارج النص معظمها لوحات ملونة للكاتبة والفنانة Margaret Thomas 1842-1929 مع بعض الصور الفوتوغرافية التاريخية أما عن تاريخ النشر فهو العام 1908 للميلاد.


هدف الكتاب مدينة تدمر مع وصف مشوق للطريق إليها بمحطاته المختلفة بداية ببيروت نقطة التملس الحديثة بين الشرق والغرب ومروراً بالبقاع وبعلبك (التي تقاطع فيها الشرق مع الغرب زمن الإغريق والرومان) ودمشق العريقة المحافظة ونهاية بعروس الصحراء. 


لا داعي هنا للتعرض إلى وصف أسواق دمشق وجوامعها وتجارتها وموسم حجها إلى آخره فهناك من المراجع ما هو أكثر تفصيلاً وأغنى مادة وأكثر دقة وحسبنا الإشارة إلى بعض التفاصيل المثيرة للفضول هنا وهناك: يبدو أن ازدحام شوارع دمشق الضيقة والمتعرجة في مطلع القرن العشرين كان شديداً للغاية ولا يقل عن ازدحام أتوستراداتها في مطلع القرن الحادي والعشرين مع فرق أن سيارات اليوم حلت محل مشاة ودواب وعربات الأمس. يضيف الكاتب أن المدينة وقتها كان فيها سوق للعبيد يمكن لقاصده أن يجده رغم أن الرق كان وقتها ممنوعاً من الناحية النظرية ويخبرنا أن ثمن الطفل بلغ خمسة نعاج وعنزة. 

مما لا شك فيه أن المحترم Kelman كان إنساناً مثقفاً ومتقبلاً للغير فهو يجزم أن المسلمين يعبدون الله عن قناعة ويعطينا بعض التفاصيل عن تاريخ الإسلام منها أن الجامع الأموي سمي كذلك نسبة لإبن أموي الذي ولد لجارية صغيرة وبالطبع لا يفوته أن يذكر قرائه بالماضي المسيحي لدمشق ومعبدها ويضيف أن للحضارة العربية على بساطتها مزاياها رغم كونها من عدة أوجه دون نظيرتها الأوروبية ولكنه يركز ككثير من المستشرقين على استسلام الشرقيين للقضاء والقدر وكسلهم الفكري وتعودهم منذ أقدم الأزمنة على حكم الطغاة فكل شرقي -حسب رأيه- إما طاغية أو عبد فقط لا غير أما عن "لعنة الإدارة التركية" وفظاظتها فهي بالنسبة له مضرب المثل.

فتاة درزية

الفصول المتعلقة بتدمر تشكل نهاية مطاف الكتاب وعل صفحاتها الأكثر تشويقاً بداية بتدمر مطلع القرن العشرين ونهاية بماضيها الغابر وهنا يجب التنويه بأن الكاتب رجل علم رغم خلفيته الدينية فهو مثلاً يرفض التسليم أن باني المدينة هو سليمان إبن داود رغم شهادة كتاب العهد القديم (سفر أخبار الأيام الثاني البيت الرابع من الإصحاح الثامن) ويعتمد على كتابات المؤرخين وأشهرهم في هذا الصدد Edward Gibbon 1737-1794 مؤلف كتاب "تاريخ انحطاط وسقوط الإمبراطورية الرومانية. 

القصة معروفة وقد أهرق عليها من الحبر ما هو أكثر من الكفاية ولكن لربما أمكن إختصارها بسطور قليلة:

ألحق الساسانيون بالرومان هزيمة نكراء عام 260 للميلاد وأسروا إمبراطورهم Valerian وهنا كان لتدمر وملكها أذينة أو Odaenathus الباع الأطول في الدفاع عن المقاطعات الرومانية في الشرق الأدنى وإنقاذها من الفرس. يزعم بعضهم أن أذينة أصبح أمبراطوراً شريكاً بعدها وحصل على لقب أغسطس ولكن هذا مشكوك فيه. بغض النظر عن المسميات كانت النتيجة سيادة تدمر وعاهلها في شرق الإمبراطورية ولم يكن بوسع الإمبراطورالروماني  Gallienus أن يعترض حتى لو أراد.

الصورة العليا تمثال من قبر في تدمر والدنيا مدفن تحت أرض المدينة

إغتيل أذينة عام 267 وكما يعلم القاصي والداني خلفه على عرش تدمر قرينته زنوبيا وإبنهما وهب اللات أو من يسميه الغربيون Vaballathus وخلال فترة قصيرة توسعت المدينة من مملكة صحراوية إلى إمبراطورية إمتدت إلى مصر وقامت بتحدي سلطة روما علناً عندما صكت نقودها الخاصة التي تحمل صور زنوبيا وإبنها دون صورة الإمبراطور الروماني Aurelian مما حدا هذا الأخير إلى إعداد حملة بهدف استرداد البلاد المفقودة وعقاب من شقوا عصا الطاعة. انتهت الحرب طبعاً بهزيمة تدمر وأسر ملكتها (علق المؤلف هنا أن الرومان ما كان لهم أن يأخذوا تدمر بهذه السهولة لو اهتم التدمريون بتحصين مدينتهم عوضاً عن تجميلها)  ولكن سيد روما والحق يقال وفر المدينة ولم يدمرها على الأقل في البداية إذ اكتفى بترك حامية فيها قبل أن يغادر سوريا مع جيوشه باتجاه العاصمة. 

تقرر مصير المدينة مع الأسف عندما تمرد أهلها وقاموا بذبح جنود الحامبة الرومانية مما دفع  Aurelian (والذي بالكاد عبرت جيوشه الدردنيل إلى أوروبا) أن يعود على وجه السرعة لقمع التمرد وتدمير المدينة (عام 273) بحيث لا يقوم لها من بعدها قائمة وهكذا -إذا قبلنا رأي Gibbon- ضحى التدمريون بثمرة أجيال من الرخاء من أجل لحظة من المجد.

الكتاب موجود بالمجان على الرابط أدناه لمن يهمه قراءة النص الكامل. 

https://archive.org/details/fromdamascustop00kelmgoog

No comments:

Post a Comment