صدر عن المعهد الفرنسي في دمشق عام 1997 دراستان باللغة الفرنسية عن حي الميدان. الكتاب الأول للسادة Yves Roujon و Luc Vilan تختمه لمحة تاريخية كتبها الدكتور عبد الرزاق معاذ ويركز هذا العمل على وصف الحي والتطورات التي طرأت عليه بين الأعوام 1930 و 1994 ويهدف في جملة ما يهدف إليه إلى إنقاذ ليس فقط أهم معالمه وإنما أيضاً النسيج العمراني الذي يحضنها. عدد صفحات الكتاب 140 تزينها بعض الصور من منتصف القرن العشرين للأستاذ الفنان خالد معاذ وبعض الصور من أواخرنفس القرن إضافة إلى الكثير من الخرائط والمرسمات والإسقاطات. يمكن إعتبار هذا المؤلًف مقدمة لعمل آخر أوسع وأكمل بإشراف نفس الأستاذين (Roujon وVilan) عن جميع ضواحي دمشق التلريخية (الصالحية والعمارة وسوق ساروجا والقنوات والشاغور ضمناً) والذي نشر عام 2010 بعنوان Les Faubourgs de Damas وترجم للعربية.
يقع هذا الحي جنوب غرب المدينة خارج السور وقد سمي كذلك نسبة لميدان للفروسية أو ميدان الحصى الذي شغل قسماً منه على الأقل منذ عهد المماليك (الميدان الأكبر مساحة والأهم شأناً كان يقع غرب المدينة في المكان الذي احتله معرض دمشق الدولي في القرن العشرين وكان يسمى الميدان الأخضر). تشكلت إلى الجنوب من ميدان الحصى قرية عرفت باسم القبيبات نسبة لمباني تعلوها قباب صغيرة قطنت فيها جماعات من التركمان منذ القرن الثالث عشر للميلاد وبالتيجة بني عدد من الزوايا والجوامع والمتاجر في أماكن متفرقة شكلت نوى (جمع نواة) تمركز حولها العمران واتصلت هذه المناطق مع بعضها بالتدريج لتعطي الحي الشكل الذي نعرفه حالياً (أو على الأقل حتى قبيل الإنفجار السكاني).
يمكن تقسيم الحي من الشمال إلى الجنوب إلى باب مصلى ثم الميدان ثم القبيبات ولاحقاً الميدان التحتاني والوسطاني والفوقاني. تتوزع البيوت والمتاجر والمعابد وهلمجرا حول شارع الميدان الذي يتجه من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي ويتقاطع معه شمال منتصفه بقليل الطريق المحلق الجنوبي والذي أضاف إلى الأذيات التي ألحقتها المباني الجديدة القبيحة بالنسيج العمراني.
الكتاب الثاني أكبر حجماً (430 صفحة تتضمن 30 صورة بالأبيض والأسود و 21 خريطة و 54 جدولاً إحصائياً) ومؤلفته السيدة Brigitte Marino. يركز هذا العمل على الحي في العهد العثماني وخاصة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر إستناداً إلى وثائق محاكم دمشق وعقود البيع والشراء وإيصالات الديون كل هذا إضافة إلى المصادر التاريخية التقليدية والغاية ليس فقط دراسة الحي بحد ذاته وإنما أيضاً وضعه في إطار أوسع ومقارنته مع مدينة دمشق ككل داخل وخارج السور ويستخلص بناء علي عمل دؤوب وبحث مستفيض نتائج مثيرة للاهتمام.
على الرغم من سمعة الحي كموطن للقلاقل والفتن الناجمة عن وجود العسكر (الإنكشارية المحلية أو اليرلية) والنزاع بين زعمائه وبين ولاة دمشق (مثلاً بين الدفتردار وأسعد باشا العظم في القرن الثامن عشر) فقد كان الميدان موسراً نسبياً وبشكل عام ليس فقط كطريق للحج تمر فيه قافلة المحمل مع كل التبادلات الإقتصادية التي ترافقها وإنما أيضاً كمركز هام لتجارة الحبوب (مع حوران والبقاع خاصة) كما تشهد بذلك البايكات (جمع بايكة وهي مخزن للحبوب) التي تتركز في هذا الحي ولا يزال بعضها موجوداً وإن تبدل استعمالها.
الكتابان منجم ذهب عن تاريخ الحي وتطوره ومبانيه وشوارعه وأزقته واقتصاده وبيوته وطوائفه الدينية والإثنية وأبرز عائلاته وبالطبع ما ينطبق على الميدان ينطبق على بقية أحياء دمشق: كلها عريقة وغنية بالتاريخ والإرث الفني والعماري والإنساني منها ما أخذ جزأً من حقه والاهتمام الذي يليق به وأكثرها لا يزال ينتظر دوره في زوايا النسيان.
No comments:
Post a Comment