صدر العدد الأول لمجلة الدراسات الشرقية عن معهد دمشق الفرنسي عام 1931 واحتوى 7 مقالات تتعرض لمواضيع متباينة جميعها باللغة الفرنسية وأحدها دراسة عن إثنين من أحياء دمشق: حي الأكراد والحي المسيحي في باب مصلى للمستشرق والمؤرخ Thoumin. لا تزال هذه المجلة تنشر تقريباً بمعدل عدد كل سنة وقد كتب فيها الكثيرون من العلماء الأجانب والمحليين سابقاً ولاحقاً وعلى سبيل المثال Sauvaget و Ecochard وElisseeff و Bianquis والدكتور عبد الكريم رافق والدكتور عبد القادر ريحاوي وألبرت حوراني وكثير غيرهم. في البداية كلنت المقالات جميعها باللغة الفرنسية ومع مرور السنوات أضيفت أعمال بالإنجليزية والعربية وغيرها وأما عن المواضيع قيد البحث فهي واسعة النطاق من علوم الآثار إلى الفن والموسيقى والأدب والشعر والتراث الإسلامي والعربي. باختصار كان هذا المنشور ولا يزال منجماً من الذهب للمهتمين بالدراسات الشرقية من هواة ومحترفين.
العدد الأول لمجلة الدراسات الشرقية |
خصص العدد 61 الصادر عام 2012 بالكامل لمدينة دمشق في القرون الوسطى والعهد العثماني. جميع مقالاته باللغتين الفرنسية والإنجليزية وعدد صفحاته أقل بقليل من 600 ويوجد في نهايته ملخص abstract لكل مقال بالعربية والفرنسية والإنجليزية أما عن المقالات فهي تتناول مواضيع متعددة ومتباينة للغاية فمنها ما يتناول حفريات ومعالم سور المدينة وقلعتها وفسيفساء جامعها الكبير ومنها ما يبحث نسيجها العمراني في العهدين المملوكي والعثماني ومنها ما يتكلم عن حدائقها ومقاصفها ومنتزهاتها ومقاهيها والبعض يتعرض لفقه توزيع مياهها وهلمجرا. تتفاوت لغة المقالات بين التقتية الصعبة وبين السلسة السهلة المتناول وعلى اعتبار أن اللغة الأم لبعض المساهمين ليست فرنسية أو إنجليزية فلنا أن نتوقع تفاوت جودة الترجمة كما في أحد الأبحاث عن التحولات في مطلع العهد العثماني لكاتبة إيطالية.
هنك الكثير الكثير من الصفحات التي تمزج المعرفة مع المتعة ولست في معرض تفضيل أي مقال عن غيره ولكن بالنسبة لي شدني بالذات درلسة Torsten Wollina صفحة 271-295 عن يوميات كاتب المحكمة الدمشقي شهاب الدين أحمد إبن طوق 1443-1510 والتي تعود إلى أواخر القرن الخامس عشر وعهد المماليك.
هذه اليوميات هي الوحيدة التي نملكها من عهد المماليك وهي أكثر اليوميات التي نملكها طولاً (1916 صفحة) ومن خلالها نعلم أن صاحبها كان يحيا في جوار جامع الأقصاب شمال وخارج سور دمشق وأنه كان ينتمي للطبقة الوسطى (ملك بيتاً وبستاناً ولكنه لم يكن من الثراء بما يكفي لأكل اللحم يومياً) ويعمل بالقرب من الجامع الأموي وأنه كان متزوجاً وحلف بالطلاق مرة وطلق فعلاً وكان يملك جواري. أحد أطرف ما قرأته في هذا المقال عندما نام إبن طوق في سرير أحدهم قبل العرس حسب عادات ذاك الزمان التي تقتضي أن يبيت شخص ذو ورع في فراش الزوجية لمدة ثلاث ليال قبل ليلة الزفاف. امتزج العام مع الخاص في يوميات إبن طوق الذي كان يدون الأمور كما يراها ولا يحاول تفسيرها وليس من الواضح أذا كان الكاتب ينوي الحفاظ على خصوصية يومياته أو السماح للآخرين بالإطلاع عليها ومشاركتهم فيها في زمن لا يعرف الطباعة.
وصف إبن طوق مدينة دمشق كما رآها وكانت نقاط العلام بالنسبة إليه الجوامع وبعض البيوت المميزة والأبواب وارتبطت طبوغرافيا المدينة بالنسبة إليه بمعالمها المقدسة أي الجوامع والمدارس والمدافن دون التعرض لطريق الوصول إليها أما عن الأسواق فكان اهتمامه بأسعار السلع دون غيرها من التفاصيل وفيما يتعلق بالأشخاص كان تركيزه على علماء الدين وخصوصاً شيخ الإسلام.
النص الكامل لمقال Wollina عن إبن طوق متوافر بالمجان وقد أرفقت الرابط إليه إضافة إلى الرابط إلى كافة أعداد مجلة الدراسات الشرقية. يمكن بقليل من البحث تحميل أو قراءة الكثير من هذه المقالات التي غدا بعضها مراجع كلاسيكية يستشهد فيها الطلاب والأساتذة والباحثين على مر العقود.
https://beo.revues.org/955
http://www.maisonneuve-adrien.com/collections/coll_bulletin_damas.htm
No comments:
Post a Comment