Wednesday, May 17, 2017

دمشق والدمشقيون في النصف الثاني من القرن التاسع عشر

لا توجد لدي معلومات تذكر عن مؤلفة الكتاب السيدة Mackintosh إلا كونها بريطانية أو على الأقل من المملكة المتحدة تعتنق المذهب البروتستانتي وتؤمن بالتبشير وأنها أمضت سبع سنوات في دمشق فبل نشر كتابها Damascus and its People عام 1883. يمكن الحصول على نسخة رخيصة من الكتاب بفضل أحد دور النشر الهندية المتخصصة بطبع الكتب القديمة كما يمكن قرائته مجاناً على الرابط المرفق أدناه. 

ليس هدف الكتاب التعرض لتفاصيل تاريخ دمشق وسوريا بل التركيز على أهلها الذين عاشرتهم المؤلفة عن كثب بمختلف فئاتهم مع وصف للمدينة والمناطق المحيطة بها ويشمل هذا البادية حتى تدمر ولبنان مع الساحل ومنطقة القلمون. اللغة سهلة والأسلوب شيق وممتع بغض النظر عن موافقتنا على جميع ما قالته السيدة الكاتبة. 

الباب الشرقي

بلغ عدد سكان المدينة مع ضواحيها وقتها 180,000 نسمة ويشمل هذا الرقم 5,000 إلى 6,000 يهودي و20,000 مسيحي. أهم أبنيتها الجامع الأموي بالطبع والكنيسة المريمية والقلعة وتصف الكاتبة المدينة كجنة على الأرض إذا نظرنا إليها من بعد ولكن هذا الوهم يتلاشى متى جابه الزائر هوائها الملوث وشوارعها القذرة الضيقة التي تنظف فضلاتها الكلاب الهائمة الجائعة. 

تنتقل المؤلفة بعدها إلى وصف ساحة المرجة ومحيطها المباشر والذي كان وقتها قيد التطور كمركز المدينة الجديد فتحدثنا عن السجن الموبوء والذي يقابله مركز البريد والتلغراف ويدير هذا الأخير موظفان فقط أحدهما الساعي كما تخبرنا عن السرايا أو مقر الوالي (بناء يعود لزمن كنج يوسف باشا في مطلع القرن التاسع عشر وحل محله لاحقاً بناء العابد الذي لا يزال قائماً حتى اليوم) وعن "السرايا العسكرية" أو ما كان يعرف بالمشيرية (يحتل مكانها حالياً قصر العدل شرق شارع النصر). 

لا يفوت السيدة Mackintosh بالطبع أن تثني على بهاء البيوت الدمشقية رغم مدخلها الكئيب الذي هو أشبه بباب السجن ولكنها تلاحظ بساطة الأثاث والأدوات المنزلية وإن كانت المقاعد والأسرة الأوروبية تتغلغل بالتدريج لدى الطبقة الموسرة. 

المدرسة السورية البريطانية في دمشق

يمنع التجول في الظلام دون فانوس وتغلق أبواب الحارات ولا تفتح إلا بمعرفة الحراس وتضاء الأسواق بالمصابيح الزيتية المتباعدة التي تشع نوراً باهتاً بينما يغطي سواد الليل ما تبقى من المدينة. 

تتناول المؤلفة بعدها الأحياء المسلمة أو ما تسميه "بالحي المحمدي" وتشير لنوافذها (مشربياتها) المغلقة وسطوح منازلها المصممة للحد من البصبصة قبل أن تنتقل لعرض حال المرأة المسلمة المظلومة من الرجل والتي ليس لديها ما يشغلها مما يمكن وصفه بالمفيد أو المنتج والتي لا تستطيع مغادرة المنزل دون أن تتزر وتتنقب (وهذا ينطبق على النساء بغض النظر عن الطائفة) أما عن الأطفال فهم يشتمون بمناسبة وغير مناسبة. 

سيدة دمشقية ترتدي الإزار

تصف الكاتبة القرآن (صفحة 30)  أنه مفعم "بالأساطير الحمقاء" المحرفة من الكتاب المقدس وأنه يخلط بين إسماعيل وإسحاق وبين مريم العذراء وأخت موسى وينكر ألوهية المسيح وصلبه ولكنها تضيف أن المسلمين يعتقدون أن كتب المسيحيين واليهود هي المحرفة وإن تفاوتت درجة التعصب الديني بينهم (أي المحمديين). يلي هذا وصف لشعائر المسلمين ومحمل الحج.

يزدري يهود دمشق الزراعة ويمارسون الصيرفة والتجارة وتقضي نساء أغنيائهم حياتهن ببلاهة ودون هدف سوى المتع الآنية كاللباس والزيارات والنزهات والتدخين أما بالنسبة لشكل اليهود فقد فوجئت الكاتبة بغياب الشعر الداكن والأنف المعقوف (صفحة 50) وأن العديد من بناتهم حسناوات بيضاوات البشرة وزرقاوات العيون.  هناك الكثير من التفاصيل عن يهود دمشق منها أنهم -خلافاً ليهود فلسطين الذين أتى كثير منهم من أوروبا- يتكلمون العربية كلغتهم الأم ولا تختلف ثيابهم عن بقية أهل المدينة ولم تنس السيدة Mackintosh كنيسهم في جوبر والتي هي فيما عدا ذلك قرية مسلمة بالكامل.

يعرج الفصل الرابع على الحي المسيحي ويعطي بعض التفاصيل عن الأطباق الدمشقية من الكبة إلى الكوسا المحشي ولا تغفل المؤلفة الغسيل ونشره على الأسطح ولا تعريشات ديار البيت الدمشقي.  

الفصل الخامس مخصص لأسواق المدينة ويحتل سوق مدحت باشا الصدارة بطبيعة الحال يضاف إليه أسواق المهن المختلفة وتقول الكاتبة أنه كان في دمشق وقتها إثنين أو ثلاث أمكنة فيها خانات لبيع العبيد (صفحة 77-78)  وأنها دخلت شخصياً إلى أحدها عندما شاهدت إمرأة أو إثنتين قيد البيع وأن النخاس  طمأن الزبائن أنه سيجلب بضاعة أفضل لدى عودة الحجيج من مكة. تضيف فتقول أن إقتناء العبيد السود كان موجوداً في عدة بيوت مسلمة ومسيحية وأن الإستعباد -مع شديد أسفها- شمل أيضاً البيض ومنهم جميلات من الشركس وبالطبع كن أبهظ ثمناً من زميلاتهن السوداوات. 

يخفي الدروز معتقداتهم وليس في قراهم جوامع ولا كنائس ويجتمعون في جرمانا يوم الخميس في بيت شيخهم وهم معروفون بشجاعتهم ولكنهم  يدعون الإسلام تارة والمسيحية طوراً ويؤمنون بتناسخ الأرواح ويحبون الإنجليز وكانوا أكثر من رحب بالبعثات التبشيرية البروتستانتية البريطانية والأمريكية بينما ناصبتها بقية طوائف سوريا بما فيها المسيحية العداء. 

سيدة درزية تعتمر الطنطور


يحتقر البدو الزراعة ويعملون برعي الماشية ولكنهم أيضاً يمارسون "الغزو" أو السرقة حسب تعبير المؤلفة وإن بذلوا قصارى جهدهم لتجنب القتل ولا عجب إذ من شبه المؤكد أن ينتج عن سفك الدماء تارات لا نهاية لها على مبدأ العين بالعين.

الفصل الحادي والعشرون (إعتباراً من الصفحة 256)  يفصل في الطوائف السورية:  السنة طبعاً هم الأكثر عدداً وهناك "الأرفاض" أو "المتوالي" والذين بلغت درجة تعصبهم -حسب المؤلفة- أنهم يضنون بماء الشرب على المسافرين من غير ملتهم وهم في خصوصيتهم وعزوفهم عن الإختلاط بالآخرين أشبه باليهود الذين تربطهم بهم صداقة وإخاء حتى أن حيهم في دمشق ملاصق لحي اليهود. عن النصيرية (العلويين) تقول الكاتبة أنهم -من بين كل الديانات السورية- الأقرب إلى الوثنية وأنهم يعبدون الشمس والقمر والنجوم والأماكن العالية وأن مراسيم إنتخاب علمائهم (صفحة 261) "ملعونة ومهينة وقبيحة" وتستمد معلوماتها من أحد المارقين منهم الذي اعتنق المسيحية وفر إلى مصر ليكتب فيها كتاباً بالعربية "يفضح" فيه عقائدهم وممارساتهم. تضيف الكاتبة في نفحة من الكرم أنهم مضطهدون ويستشف من أسطرها أملها بأن ينتهي بهم الأمر إلى إعتناق الدين الحق (أي البروتستانتية). 

كما نرى تتغلغل اللغة العنصرية الفوقية في كثير من فصول الكتاب ولكن يجب ألا ننسى أن القرن التاسع عشر كان شأنه شأن القرون التي سبقته قرناً عنصرياً وأن العنصرية لا تزال حية إلى يومنا هذا وإن نمقتها الألفاظ وأنكرتها الألسن. أضيف فأقول أن المؤلفة "حسنة النية" فمع أنها أعربت عن أملها بنشر الإنجيل بين المسلمين (والمسيحيين الغير بروتستانتيين واليهود إلخ) فهي تدعو خلافاً لجهاد المسلمين إلى "حملة صليبية" سلمية (صفحة  292) لتحقيق هذا الهدف. 

https://archive.org/stream/damascusanditsp00mackgoog#page/n7/mode/2up





No comments:

Post a Comment