Saturday, February 24, 2018

سوريّا ١٩٤٦ - ١٩٧٩




الفصل الخامس في كتاب La Syrie d'Aujourd'hui للدكتورة Elizabeth Picard. يبلغُ طولُ المقال أربعين صفحة يمكن قراءتها بالمجّان مع بقيّة هذا الكتاب القيّم على الرابط الفائق الملحق. يتناول هذا البحث تاريخ سوريّا الداخلي والخارجي، بدايةً من جلاء القوّات الفرنسيّة وحتّى نهاية العقد الأوّل من رئاسة حافظ الأسد.

ورثت سوريّا المستقلّة مجموعةٌ مكوّنةٌ من خمسين عائلة سيطرت مع أتباعِها ومحاسيبِها على معظم مقدّرات البلد. الطبيعةُ البشريّةُ عموماً غيّورةٌ على امتيازاتِها، وليس لنا بالتالي أن نتوقّعَ أن يتطوّع الأغنياءُ بمشاركةِ سائر الطبقات الاجتماعيّة ثرواتِهِم ونفوذِهِم عن طيبةِ خاطر لا في سوريّا ولا في غيرِها. شكّلت هذه العائلات الغنيّة أو "أعيان الحضر" كما أسماهم الأكاديمي الراحل ألبرت حوراني عمادَ الكتلةِ الوطنيّة التي تزعّمت كفاح سوريّا في سبيل الاستقلال، ومع حلول هذا الاستقلال انشقّت إلى حزبين: الحزب الوطني الذي غلبت فيه الزعامات الدمشقيّة، وحزب الشعب الذي قادَهُ أعيان حلب وحمص. هناك بالطبع فروقاتٌ بين الحزبين وبين الشخصيّات القياديّة ضمن الحزب الواحد ولكنّها ليست بالجوهريّة. البرنامجُ الحزبي غائبٌ عمليّاً في كليهما، والأحزاب مثّلت أشخاصاً ولم تجشّم نَفْسَهَا عناءَ تقديمِ أفكارٍ جديدة، باستثناء قيادة البلد في عهد الاستقلال كما فَعَلَ رجالاتُها لأجيالٍ عديدة في العهد العثماني عن طريق لعب دور الوسيط بين شعوب الأقاليم السوريّة من جهة، والباب العالي في القسطنطينيّة من جهةٍ ثانية. 

مثّل هذان الحزبان المحافظان إذاً  الرعيلَ القديم، وكما لكلِّ فعلٍ ردّ فعل ،كان لا بدّ من مجيء جيلٍ جديد يتحدّى مفاهيم وسيطرة القديم. أضِفْ إلى "صراع الأجيال" داخل دولة سوريّا، الصراع الدولي والإقليمي على سوريّا كما عرّفه الصحافي البريطاني المأسوف عليهِ Patrick Seale في دراسته الشهيرة التي رأت النور في منتصف الستّينات. قادت عدّةُ أحزابٍ هذا الجيل الجديد، وعلى عكس الأحزاب التقليديّة (الوطني والشعب)، كان لهذه الأحزاب الجديدة فكرُها وبرامجُها السياسيّة والاجتماعيّة. أبرز هذه الأحزاب هي الآتية:

- الحزب القومي السوري الاجتماعي: لم تكن نتائجُهُ في انتخابات ١٩٥٤ على المستوى المأمول، وتمّت تصفيتُهُ بعد اغتيال عدنان المالكي في نيسان ١٩٥٥.

- حزب البعث العربي الذي اندمج مع حزب أكرم الحوراني العربي الاشتراكي عام ١٩٥٣. عزّزَ هذا الاندماج تغلْغُلَهُ في الجيش والأرياف عن طريق معارف ومحاسيب الحوراني، ولا ننس أنّ عفلق والبيطار من بورجوازيّة دمشق.

- الحزب الشيوعي السوري: تمتّعَ بنفوذ لا بأس به في النقابات، بيد أنّ أنصارَهُ في الجيش (أحدهم عفيف البزري) قلائل.

- حزب الإخوان المسلمين. لا يمكن نعتُهُ "بالتقدّمي" ولا ينفي هذا امتلاكَهُ لبرامج سياسي واجتماعي معيّن. لهذا الحزب عددٌ لا بأس بِهِ أبداً من المريدين والأتباع.

لا داعي للدخول في تفاصيل الأحداث التي تمخّضت عن الوحدة السوريّة المصريّة ١٩٥٨-١٩٦١. جميعُنا نعلم أنّ "عهد الانفصال" الذي تلاها (١٩٦١ - ١٩٦٣) كان آخرَ حشرجةٍ للقيادات السوريّة التقليديّة من أعيان المدن، وعلى اعتبار أنّ الحزب الوطني وحزب الشعب (ورثة الكتلة الوطنيّة) لم يتجاوزا الزعاماتِ الفرديّة، كان سقوطُ الأشخاص كافياً لاندثارهما، بينما لا تزال أحزابُ البعث والقومي السوري والشيوعي والإخوان المسلمين موجودةً إلى اليوم، بغضّ النظر عن الفروق الشاسعة بينها فكريّاً وعدديّاً وطائفيّاً. 

متاهاتُ الصراع على السلطة بين أجنحة البعث (١٩٦٣-١٩٧٠)، وقصّة سقوط "البعث اليميني" في شباط ١٩٦٦، وصعود "البعث الجديد" مع "القطرييّن" واليسار و"الاشتراكيّة العلميّة" و"حرب التحرير الشعبيّة"، مطروقةٌ في أكثر من مرجع ممتاز. حاولَ الرئيس حافظ الأسد إنهاءَ عزلة سوريا الإقليميّة والدوليّة باتّخاذِ عدّةِ إجراءات، منها الانفتاح الاقتصادي (المحدود) في مطلع السبعينات، والتقارب مع مصر الذي تُوِّجَ بحرب تشرين عام ١٩٧٣ (تدفّقت الأموال الخليجيّة على سوريا في منتصف السبعينات)، والتوسّط (الذي تلاهُ التدخّل العسكري) في الأزمة اللبنانيّة، ومحاولة خطب ودّ الأردن.

فشلت الجهودُ الهادفة إلى التقارب مع العراق لأكثر من سبب، منها النزاع على مياه الفرات (مشروع سدّ الطبقة)، وتخلّي العراق عن خطّ أنابيب النفط المارّ في سوريّا والاستعاضة عنه بخطٍّ يمرّ عبر الأراضي التركيّة. تجدّدت محاولاتُ رأبِ الصدع بين سوريّا والعراق عام ١٩٧٨ كردِّ فعلٍ على الصلح المصري - الإسرائيلي، إلى أن اكتشفت السلطات العراقيّة "مؤامرةً" سوريّةً ضدّ صدّام حسين وتدهور الوضعُ أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وانتهى الأمرُ بالقيادةِ العراقيّة إلى دَعْمِ التمرّد ضدّ الحكومة السوريّة. ترافق النصف الثاني من السبعينات مع أعمالِ عنف داخل سوريّا: رهائن فندق سميراميس تشرين أوّل ١٩٧٦، مجزرة مدرسة المدفعيّة حزيران ١٩٧٩، واغتيالات بعض الأشخاص (محمّد الفاضل، الطبيب يوسف صائغ وغيرهم). هناك أيضاً اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان عام ١٩٧٨. 

خَتَمَت المؤلِّفةُ المقالَ بانطباعٍ إيجابي: حقّقت سوريّا خلال ثلاثين عاماً من الاستقلال، على الرغمِ من التحدّيات والنكسات، تقدّماً ملموساً في نموِّها الاقتصادي وتطوّرِها الاجتماعي ووعيها السياسي.

للحديث بقيّة.     


No comments:

Post a Comment