من السهل أن ينسى طلّاب العهد المعلوماتي صعوبةَ تحصيلِ المعلومات حتّى أمدٍ قريب، خاصّة إذا كانت موزَّعَةً في عدّة بلدان على شكلِ مخطوطاتٍ يدويّة ناقصة، وبلغاتٍ مختلفةٍ قديمة أو حتّى دارسة تحتاج إلى أخصّائييّن لفكّ طلاسِمِها. نَشَرَ Jean Sauvaget عام ١٩٤٣ كتاباً هَدَفَ من خِلالِهِ تزويدَ الباحثين بفهرسٍ شاملٍ عن الدراسات المتعلّقة بالتاريخ الإسلامي بعددٍ من اللغات الأوروپيّة (فرنسيّة وإنجليزيّة وألمانيّة بالدرجة الأولى)، والشرقيّة (أهمّها العربيّة)، مع ذكر الترجمة إذا وُجِدَت. يتجاوز عملٌ على هذه الدرجة من الطموح إمكانيّات شخصٍ واحد مهما كان ألمعيّاً، وبالتالي فلا بدّ من وجودِ نواقص وأخطاء حاول المستشرق الفرنسي Claude Cahen تلافيها عندما أُعيدَت طباعةُ الكتاب بحلّةٍ جديدة على يديه عام ١٩٦١، مع أخذ الاكتشافات والأبحاث التي استجدّت منذ الطبعةِ الأولى بعين الاعتبار.
بإمكان تلاميذ التاريخ اليوم، بمنتهى السرعة والسهولة، إجراء بحث google للحصول على غايتهم المنشودة دون الحاجة للفهارس الأبجديّة الورقيّة، ولديهٍم ترف الاطّلاع على كثيرٍ من النصوصِ القديمة بالمجّان على الشبكة، ناهيك عن امتلاكِهِم لأدواتٍ لم يرها أو يسمع بها أو حتّى يتخيّلها علماء الأمس: الإنارة والمواصلات والاتّصالات والكمپيوترات.
مضى على طهور الطبعة المنقّحة والمعدّلة لهذا الكتاب - الدليل أكثر من نصف قرن، اكتُشِفَ خلالَها الكثير وكُتِبَ الكثير، ومع ذلك حافَظَ منهجُ البحث على أهمّيتِهِ كإطارٍ فيهِ ما يكفي من المرونة لاستيعاب المستجدّات والمعطيات الإضافيّة. بدأ المؤلّفُ بتبويب المراجع حسب نوعِها، ثمّ انتقل إلى توزيعها حسب عموميّتِها (التاريخ الإسلامي ككلّ) أو خصوصيّتِها (المتعلّقة بفتراتٍ زمنيّة محدّدة أو إمبراطوريّات معيّنة مع السلالات التي حكمتها أو الرقعة الجغرافيّة التي غطّتها). المراجع المذكورة تُعَدُّ بالمئات ولربّما بالآلاف عَبْرَ صفحاتٍ لا تتجاوز ٢٥٠. لا مجال للدخول بالتفاصيل وأقتصِرُ هنا على تبويبِ أهمِّها كما يلي:
١. السجلّات archives: لا توجد سجلّاتٌ تستحقّ الذكر قبل العصر السلجوقي، باستثناء مصر التي حَفَظَت بعض الوثائق على ورق البردي. لدينا كمٌّ ضخم من السجلّات العثمانيّة كثيرٌ منها لم يحظ بالدراسةِ إلى اليوم.
٢. الحديث: ليست السيرة النبويّة بالضبط تأريخاً بقدر ما هي أحد مصادر التشريع والفقه الإسلامي. تعتمد الأحاديثُ على سلسلةِ الإسناد التي كثيراً ما تكون أطول من النصّ (المتن).
٣. كتب التاريخ الأقدم تشبه كتب الحديث بإدراجها إسنادٍاً مطوّلاً وعدّةَ وجوهٍ للسرد اختلَفَت باختِلافِ اختلاف الرواة، دون أي محاولة جديّة لتحليل النصّ. إسناد كُتُب التاريخ لا يقلّ أهميّةً عن المتن إن لم يكن يفوقه أهميّةً، تماماً كما في الحديث. اعتمدَ الكثيرُ من المؤرِّخين نهجَ التراجم وتصنيف الأجيال (الطبقات)، مع اهتمامٍ خاصّ بحياة العلماء (رجال الدين)، أمّا عن كتب التأريخ والأخبار (الحوليّات) فقد ظهرت في القرن التاسع الميلادي على يد الإيرانييّن بالدرجة الأولى وإن كتبوا بالعربيّة. التركيزُ دوماً على التاريخ السياسي.
٤. كتب الجغرافيا والرحلات.
٥. المصادر الفقهيّة وهي غير مباشرة (أبو حنيفة مثلاً لم يترك أعمالاً شخصيّةً وتقتصِرُ معرِفَتُنا به على ما نَقَلَهُ أتباعُهُ).
٦. المصادر الأدبيّة والدواوين : على سبيل المثال كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (وفيّات ٩٦٧ للميلاد) الذي احتوى الكثيرَ من النوادر التاريخيّة.
٧. المصادر الملموسة كالكتابات المحفورة النقوش inscriptions، والنقد (المسكوكات) numismatic والآثار archaeology، وهي أكثر مصداقيّة من كلّ ما سبق. المُشكِلة أنّها محدودة المدى، لا تكفي لتغطية البحث قيد الدراسة دون الاستعانة بالمصادر أعلاه على علّاتِها. أضِف إلى ذلك أنّ الكثيرَ من هذه المعالم يفتقرُ إلى القرائن الفنيّة والجماليّة التي تجذب مؤرّخي الفنون، ومصيرُهُ بالتالي الإهمال إلى أن يتلاشى إلى الأبد.
٨. يمكن، ضمن حدود، إسقاط معطيات الحاضر على الماضي في دراسات الجغرافيا البشريّة وعلم الاجتماع والعلوم الإثنيّة.
تشكو جميع المصادر أعلاه من التركيز على المدن وإهمال الريف، عماد الثروات الأوّل عبر التاريخ، مع أنّ معظم سكّان العالم الإسلامي (وغير الإسلامي) حتّى أمدٍ قريب من ابناء الأرياف. هناك الكثير من النواقص لا مناص لتلافيها من اللجوء إلى النصوص بلغاتٍ ثانية كالسريانيّة والبيزنطيّة خصوصاً إذا أردنا المقارنة والتحقّق من سردٍ معيّن. مع ذلك هناك فجوة ٣٠٠ سنة بين القرن السادس الميلادي الذي تمتّعَ بتغطية كافية من المصادر البيزنطيّة، والقرن التاسع عندما بدأت المصادر العربيّة بالظهور، أو على الأقلّ ما كُتِبَ له منها البقاء ليصل إلينا.
هذا عن المصادر، أمّا عن الدراسات المتعلِّقة بهذه المصادر، وأغلبيّتها الساحقة ولربّما حتّى اليوم باللغات الأوروپيّة، فهي عموماً وليدة القرن التاسع عشر.

No comments:
Post a Comment