Monday, March 25, 2019

شهاب الدين أحمد ابن بدير


ندين للقاسمي بالكثير فهو الذي عرّف الأوساط العلميّة على مخطوطة ابن بدير  وإليه ترجع تسمية هذا الأخير بالبديري وعنوان "حوادث دمشق اليوميّة". فضل القاسمي إذاً لا يمكن إنكاره مع الأخذ بعين الاعتبار أنّه أجرى تعديلات هامّة على النصّ الأصلي (كما سنرى) وليس فقط على العنوان واسم المؤلّف واللغة والأسلوب. يحسن قبل التعرّض لهذه الناحية الشديدة الأهميّة أن نتعرّف على المؤلّف الأصلي.

ولد شهاب الدين أحمد ابن بدير جنوب وخارج سور مدينة دمشق في حيّ القبيبات وكان ذلك في الربع الأوّل من القرن الثامن عشر. كان أبوه وجميع الذكور في عائلته عكّامين (جمع عكّام أي حمّال أو بالعاميّة عتّال) على طريق الحجّ. اشترى ابن بدير داراً في التعديل (خارج سور المدينة إلى الغرب وجنوب حيّ القنوات) بعد وفاة أبيه وحالفه الحظّ عندما تعلّم مهنة الحلاقة في حانوت (صالون إذا شئنا) المدعو أحمد ابن الحشيش (توفّي ١٧٤١) الذي كان المتصوّف عبد الغني النابلسي أحد زبائنه (توفّي ١٧٣١). المهنة وقتها شملت الختان والفصادة والحجامة إى جانب فصّ الشعر وتهذيب اللحى والشوارب وإن لم يعطنا الكاتب تفاصيلاً فيما إذا كان بالفعل قد مارس كلّ هذه النشاطات. افتتح ابن بدير حانوته الخاصّ في موقع باب البريد الاستراتيجي غرب الجامع الأموي وعمل به لعدّة سنوات ويبدوا أنّه اضطّر لاحقاً للانتقال عام ١٧٥٤ إلى مناطق أكثر تواضعاً في الدرويشيّة ثمّ السنانيّة حيث استقرّ حتّى عام ١٧٦٢. ارتادت عليّة القوم محلّه من علماء وصوفييّن وهلمّجرّا وكان هو نفسه متصوّفاً إلى حدّ ما ومن أتباع الطريقة القادريّة. 

لا يخبرنا الحلّاق الكثير عن عائلته ونعلم مع ذلك أنّه أنجب على الأقلّ ثلاثة أولاد: ابنين (مات أحدهما بالطاعون عن عمر لم يتجاوز الأربعة عشر ربيعاً) وبنتاً واحدةً.  

يغطّي "حوادث دمشق" الأعوام ١٧٤١-١٧٦٢ ويبدوا أنّ الكاتب توفّي بعد إنجازه بفترة وجيزة وهو ينتمي لما أطلقت عليه الدكتورة دانا سجدي نعت "محدثي الأدب" وهي تسمية اشتقّتها من "محدثي النعمة" دون اقتباس المضمون السلبي لهذا التعبير الأخير. المقصود بمحدث الأدب هو ظاهرة من المؤلّفين الجدد الذين امتهنوا التأريخ الذي كان سابقاً حكراً على علماء الدين أو كاد. هؤلاء المؤلّفين الجدد تميّزوا بطراز أدبي يغلب عليه الطابع الروائي المشوّق الذي يلقيه الحكواتي في المقاهي ويختلط فيه السجع والشعر واللغة العاميّة مع الفصحى وليس من المبالغة مقارنته بسير الزير سالم وسيف بن ذي يزن وعنترة بن شدّاد والظاهر بيبرس. من الواضح أنّ الكتب وقتها -سواءً التي خطّها "العلماء" أو "محدث الأدب"-كانت عزيزة المنال في عهد يسبق الطباعة وكثير منها لا يوجد منه أكثر من نسخة أو اثنتين ولربّما كان المندثر أكثر من الباقي. 

لمن كتب ابن بدير؟

التاريخ كما كتبه العلماء تراجم وطبقات عمادها الإسناد (أي عن فلان عن فلان عن فلان.... أنّ فلاناً قال تماماً كما في الأحاديث النبويّة)  وكان المؤلّفون الأوائل يرجعون تاريخهم إلى البدايات إلى أن أتى اللاحقون فحاولوا إضافة "ذيل" إلى التواريخ العامّة لتغطية حقبة زمنيّة معيّنة والتركيز على الأحداث القريبة العهد أو حتّى المعاصرة. الخلاصة كتب العلماء للعلماء وهنا يأتي دور "محدث الأدب" ابن بدير وأمثاله: هؤلاء المؤلّفين (وهم بالتأكيد ليسوا أمييّن وإن لم تكن لديهم مؤهّلات العلماء) يكتبون لجمهور أقلّ حنكةً ويستعملون لغة وأسلوباً أكثر تقبّلاً من العامّة وأكثر تسليةً ويمكن اعتبارهم بمثابة أبواق أو جرائد يومهم الناطقة وعلى اعتبار أنّ الطباعة كانت غير موجودة فالنتيجة المنطقيّة أنّهم كانوا يقومون بقراءة ما كتبوه وتلاوته على المستمعين في الأماكن العامّة كالمقاهي وحوانيت الحلاقة. 

للحديث بقيّة.  






No comments:

Post a Comment