Friday, March 8, 2019

هيكل دمشق الرومانيّة


هناك خلاف على الطريقة التي تطوّرت فيها دمشق من مدينة كلاسيكيّة (أي هلنستيّة-رومانيّة) في الأزمنة القديمة إلى مدينة العصور الوسطى الإسلاميّة. 

تمتاز المدن الكلاسيكيّة في سوريا (تدمر وأفاميا وجرش وغيرها) بشوارع متعامدة تقسمها إلى مناطق مربّعة أو مستطيلة متناظرة. في حالة دمشق لدينا الشارع المستقيم Via Recta الذي يشكّل محور المدينة من الشرق إلى الغرب أو ما يسمّى تقنيّاً decumanus ويتعامد عليه المحور الشمالي-الجنوبي (شارع باب توما الذي يمتدّ إلى باب كيسان) وتسميته اللاتينيّة cardo ولربّما كان هناك محور مناظر له إلى الغرب ينتهي في الباب الصغير. لدينا أيضاً محور شرق-غرب مصغّر يقع شمال الشارع المستقيم ويتوازى معه يصل بين الساحة (agora أو forum لاحقاً رحبة خالد ابن أسيد) وبين البوّابة الشرقيّة (الرئيسة) لمعبد جوبيتر ويسمّى هذا المحور الطريق المقدّسة أو Via Sacra (لاحقاً سوق الأحد) نظراً لمرور المواكب الدينيّة فيه. 

يرتأي الكثيرون من الأخصّائييّن ومنهم Jean Sauvaget أنّ الأصل هو المدينة الكلاسيكيّة التي توسّعت شرقاً (أي شرق شارع باب توما) حيث سكن الأنباط أو "النيبطون" والتي خضعت لتعديلات جذريّة في العهد الإسلامي (أو لربّما اعتباراً من أواخر العهد البيزنطي) عندما تغلغلت البيوت والمباني في الشوارع العريضة فحوّلتها إلى أزقّة ضيّقة ومتعرّجة ومظلمة لتصبح مدناً شرقيّة "تقليديّة" أو نموذجيّة. 

تحدّى البعض مؤخّراً هذه النظريّة ومنهم Jean-Marie Dentzer ورجّحوا أن تكون المدينة "الكلاسيكيّة" المتناظرة والمستطيلة مرحلة عابرة وثوب خارجي اكتسته المدينة الآراميّة في العهد الهلنستي الروماني دون أن تغيّر جسدها وخلعته في العهد البيزنطي-الإسلامي وبالتالي فوجود الشارع المستقيم والشوارع المنعامدة عليه لا يعني بالضرورة أنّ المدينة بأسرها خضعت لهكذا تنظيم. 

هناك حقائق لا خلاف عليها سواء قبلنا المطارحة الأولى أو الثانية: بقايا المدينة الكلاسيكيّة لا تزال -بعد ألفين من السنوات-  ملموسة والأمثلة عليها كثيرة من الأروقة المعمّدة حول الجامع الأموي إلى الباب الشرقي وآخر ما حرّر اكتشاف المسرح الروماني لدى ترميم بيت العقّاد من قبل المعهد الدانماركي. 

هذا عن دمشق الرومانيّة وكما نرى لدينا كمّ لا بأس به من المعلومات لرسم مسودّة خطوطها العريضة وملامحها الأكثر بروزاً أمّا عن دمشق المملوكيّة -موضوع البحث- فصورتها أكثر وضوحاً بكثير بفضل روايات المؤرّخين (وأهمّها كتابات ابن عساكر ومن نقل عنه وأضاف إليه) والدراسات المبنيّة عليها وآخر ما حرّر كتاب أوقاف الأموي للعام 1413 أو "الصحيح الجامع لصريح الجامع". 

للحديث بقيّة 


Le développement urbain en Syrie à l’époque hellénistique et romaine

No comments:

Post a Comment