Wednesday, November 23, 2016

البيت الدمشقي والحيّة الألفيّة



بيوتُ دمشق قديمةٌ قِدَم التاريخ (١)، ولربّما بلغ عمر بعضِها آلاف السنين، أو هكذا اعتقدت جدّتي رحمها الله. سكنت مخلوقاتٌ كثيرة هذه المنازل على مرّ الزمن، معظمُها بشكل عابرٍ يطول أو يقصر حسب طول أو قصر حياة الإنسان والحيوان والنبات، بيد أنّ وضع الأفاعي مختلفٌ تماماً والسبب بسيط: الأفعى أطول عمراً من جميع الكائنات الحيّة دون استثناء ويمكن لها بقليلٍ من الحظّ أن تحيا إلى الأبد (٢)

هذا ما تعلّمته عن الحيايا بفضل جدّتي طيّب الله ثراها:

أوّلاً: الحيّة لا تموت إلاّ قتلاً وبالتالي إذا لم يستهدفها عدوّ، فلا حدود لعدد سنين عمرها.

ثانياً: ينبت قرنٌ للحيّة متى أتمّت من العمر ألف سنة، وقرنٌ ثانٍ في عيد ميلادِها الألفين، وثالث في عمر ثلاثة آلاف، وهكذا دواليك. يزيد حجم وطول الحيّة عبر العصور وبالتالي يزيد خطرها، أمّا عن قرونها فتفوح منها رائحةٌ في غاية الجمال.

ثالثاً: القطّ أعدى أعداء الحيّة، وأي مجابهة بينهما لا بد أن تسفر عن موت الواحد أو الآخر.

رابعاً: رغم كل خبرة جدتي في علم الحيايا، ورغم أنّها رأت بأمّ عينها عدداً لا بأس به منهنّ بحكم أن دمشق التي ولدت فيها كانت لا تزال مطوّقةً بأراضي الغوطة الزراعيّة الشديدة الخصوبة، فهي لم ترى حيّة ألفيّة بأمّ عينها في حياتها، وإن كادت في إحدى المرات. القصّة باختصار أنّها كانت تشم بين الفينة والفينة في أحد البيوت التي سكنتها رائحةً زكيّةً مجهولة المصدر، وفي أحد الأيام ارتقت السلّم لتجلب الحطب من السقيفة عندما أصبحت الرائحة فجأةً أقوى بكثير - عبير قرن الحيّة بطبيعة الحال - وهنا نفخت الحيّة الألفية على جدّتي لتسبّب لها أكبرَ ذعرٍ عرفته في حياتِها إذ لاذت بأذيال الفرار دون أن ترى "الآفة" التي تضوّع عطرُها في الدار.

خامساً: لست متأكّداً أنّ أي إنسان شاهد حيّةً ألفيّةً بعينِه، علّ السبب أنّها خجولةٌ تعتصم بالأماكن المظلمة، ولا "تتحركش" بالبشر إذا تركوها وِشأنها. مع ذلك ما أكثر الذين يؤمنون بوجودها ويقسمون عليهِ بأغلظ الأيمان.

سادساً وهذا اجتهاد من عندي: لا تبحث عن الحيّة الألفيّة إذا كنت تحيا في شقّةٍ حديثة؛ هذه المخلوقات حكرٌ على البيوت الشاميّة العتيقة دون سواها.

الصورة الملحقة للطفل Mowgli (بلال كما عرّبتُه مجلّة سمير) من فيلم "كتاب الأدغال" الشهير لديزني، والحيّة Kaa تمارس التنويم المغناطيسي عليهِ بعينيها كي تتمكّن من التهامِهِ. اللقطة مناسبة تماماً لعيد الخوف.  



(١) قصر العظم يعود إلى القرن الثامن عشر. تحتوي بعض دور دمشق على مكوّناتٍ من أواخر العصر المملوكي ولكن ليس بينها من لم يتغيّر جذريّاً ويُعادُ بناؤه عدّة مرّات لاحقاً.
(٢) الرقم القياسي حسب Guinness ٤٢ عاماً وستّة أيّام لأفعى ماتت عام ٢٠١٦