Wednesday, March 29, 2017

Damaskus


The first systematic exploration of Damascus is credited to the German archaeologists and historians Carl Watzinger (1877-1948) and Karl Wulzinger (1886-1949), who rigorously researched and described the city's monuments, attempting in the process a restitution of its ancient urban fabric.

Their fieldwork started in January 1917 and continued until December of the same year. Its publication had to await the conclusion of the Great War (WWI). The end result was two priceless books: Damaskus, die antike Stadt (Damascus, the Old City), published in 1921, and Damaskus, die islamische Stadt (Damascus, the Islamic City), published in 1924.

Much has been written about the Syrian capital since, and quite a few of Watzinger & Wulzinger's conclusions have been challenged. Still, their work is so frequently quoted that it may not be an exaggeration to consider it the "reference standard" as far as the archaeology and history of Damascus are concerned.

One would think that a seminal and meticulously researched work such as this would be widely translated, but this is hardly the case. Part one, dedicated to pre-Islamic Damascus, has never been translated, and it took sixty years from the original German publication to produce an Arabic edition of part two, translated by Qāsim Ṭuwayr and annotated by ʿAbdel Qādir ar-Rīḥāwī, that left much to be desired.

Damascus deserves better. Part two should be entirely retranslated and amended/edited in light of our current state of knowledge. Translating part one should be an easier undertaking, as it is significantly shorter than part two, though by no means less relevant.

Saturday, March 25, 2017

سوريّا والديار المقّدسة


الكاتب، فرانك كارپنتر (١٨٥٥ ـ ١٩٢٤)، صحافي ورحّالة أمريكي؛ الكتاب "الديار المقدّسة وسوريّا" (إصدار ١٩٢٢) متوافر بالمجّان للقراءة والتحميل، موزّع على قرابة ٣٠٠ صفحة، ويحتوي على ٩٦ صورة تاريخيّة بالأبيض والأسود، مع خريطتين إحداهما لفلسطين والثانية للشرق الأدنى. كارپنتر غزير الإنتاج، ألّف العديد من الكتب الموجّهة للزوّار ومن يريد التعرف على شعوب وثقافات متنوّعة عبر مختلف القارات. المؤلّف، علاوةً على ضلوعِهِ بالجغرافيا، مصوّرٌ موهوب، كَتَبَ بلغةٍ سهلة المتناول، ممّا أسهم في شعبيّةِ أعمالِهِ ورواجِها من ١٩١٥ إلى ١٩٣٠.

تجدرُ هنا الإشارةُ إلى خلفيّةِ الكاتب والإطار الزمني والمكاني لعملِهِ. يتجلّى من استعمال السيد كارپنتر لتعبير "مخلّصنا"، أنّه مسيحي؛ ولكن بمتابعة القراءة، نصلُ إلى نتيجةٍ مفادُها أنّه أوّلاً وآخراً غربي، لا يكنّ لمسيحيّي الشرق الأدنى الكثير من الاحترام، ويضعهم على مستوى واحد مع المسلمين أو حتّى دونهم، عندما يشير إلى شجار الطوائف المسيحيّة الصبياني بعضها مع البعض الآخر، وتدخّل الجنود المسلمين لفكّ هذا الشجار. يترتّب على ذلك أنّ المؤلِّف، إذ يزفّ عودة "الحكم المسيحي للأراضي المسيحيّة"، مع دخول الجنرال اللنبي إلى القدس في كانون أوّل ١٩١٧، يقصد بالأحرى عودة "الحكم الأوروپّي". أتى الكتاب بعد أربع سنوات من نهاية "الحرب العظمى"، أو ما يسمى حاليّاً بالحرب العالميّة الأولى، وطرد العثمانييّن وتصريح بلفور، وإعادة رسم خريطة الشرق الأدنى. 

يعني الكاتب "بسوريّا" بلاد الشام كمفهوم جغرافي، يشمل ما كان وقتها فلسطين - أو الضفّة الغربيّة لنهر الأردنّ - وما أصبح اليوم اسرائيل. عدد فصول الكتاب ٣٣، منها ٢٤ لفلسطين  وحدها لأهميّتها الدينيّة أولاً، وتسارع التغيير فيها ثانياً بفضل الحركة الصهيونيّة والتدخّل البريطاني. نتجَ عن هذه الحركة وذلك التدخّل، طفرةٌ سياسيّةٌ وديموغرافيّة منقطعة النظير، تُوِّجَت بنكبة ١٩٤٨ للفلسطينييّن، وإعلان دولة إسرائيل. خصّص كارپنتر لمدينة دمشق ثلاثَة فصول، وما تبقّى من الكتاب توزّعَ بين بيروت وبعلبك وأرمينيا. 

احتلّت الحركة الصهيونيّة مكان الصدارة أو كادت. بذل المؤلّفُ جَهْدَهُ في استعمال مصادِرِها ومراجِعِها بما فيها  حديثاً تبادَلَهُ مع اسرائيل زانغويل. قدّر كارپنتر عدد يهود العالم وقتها بحوالي ١٥ مليون، منهم عشرة ملايين في أوروپّا الشرقيّة، بينما لم تتجاوز نسبَتُهم من سكّان فلسطين ١٠٪، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ هجرة اليهود إليها بدأت قبل الإنتداب البريطاني بعشرات السنوات، وكانت - بالذات إلى القدس -  ذات طابع ديني بالدرجة الأولى، إذ قصدها الكثيرون ليقضوا فيها آخر أيامهم ويُدْفَنوا في ثراها.   

حاول الكاتب تقديم ما اعتقَدَهُ وصفاً حياديّاً للخلاف العربي الصهيوني، وحَرِصَ على الاستشهاد بحجج العرب، وليس فقط المهاجرين اليهود والصهاينة. مع ذلك لا يحتاج القارئ إلى الكثير من الاجتهاد ليدركَ أنّ الكاتبَ أكثر تعاطفاً مع الصهاينة، تبّنى ادّعائهم أنّهم "جعلوا الصحراء تزهر"، شعوريّاً أو لا شعوريّاً، عندما قارن بين المستعمرات اليهوديّة المزدهرة من جهة، والمدن العربيّة القذرة من جهةٍ ثانية. بغضّ النظر عن آرائي الشخصيّة في هذا الموضوع، أعتقد أنّ أي مراقب شبه محايد لا بدّ له من الإقرار بأنّ المقارنة بين بلادٍ استنزِفَت مواردُها في حروبٍ شعواء، وبين الحركة الصهيونيّة المموّلة بسخاء من أوروپّا وأمريكا، مجحفة. أضف إلى ذلك  أنّ فلسطين لم تكن صحراءً بالكامل قبل الانتداب البريطاني، وأنّ اسرائيل اليوم لا تخلوا من الصحاري رغم البلايين التي صُبَّت فيها بعد الحرب العالميّة الثانية، بدايةً من ألمانيا ونهاية بالولايات المتحدة الأمريكية.  

مع ذلك لا مناص من التسليم أنّ الصهاينة وظّفوا أموالاً طائلةً في فلسطين، ممّا أدّى إلى انتعاش الاقتصاد، مع التحفّظ - كما أقرّ الكاتب - أنّ بعض اليهود المهاجرين استنكروا قيام بعضِهِم الآخر بتوظيف العمالة العربيّة. الأموال كانت - ولا زالت -  مخصّصةً بالدرجة الأولى لليهود و"وطنهم القومي" في فلسطين. 

هذا لا يعني أنّ فترة الإنتداب البريطاني كانت سلبيّةً بالمطلق لعرب فلسطين، إذ عنيت السلطات بالصحّة العامّة، وتأمين المياه النظيفة، وتزويد القدس بشبكة للصرف الصحي. علاوةً على ذلك، أمَّ بعضُ عربِ الدول المجاورة فلسطين في الفترة بين الحربين طلباً للعمل، ومنهم جدّي وأخوه الأكبر عطّر الله ذكرهما. من نافل القول أنّ من استخدم العمالة العربيّة هم العرب والإنجليز، وليس المستوطنين الصهاينة.

أطنب الكاتب، قبيل النهاية، في إنشاد المدائح في أفضال التعليم الأمريكي في الشرق الأدنى من مصر وتركيّا (Robert College)، إلى الجامعة الأمريكيّة في بيروت. فتحت المؤسّسات التعليميّة الأمريكيّة أبوابَها للطّلاب بصرف النظر عن دينهم، ولكن على اعتبار أنّ جامعة بيروت هي في نهاية المطاف، مؤسّسة تبشيريّة (اسمها الأصلي الكليّة السوريّة الپروتستانتيّة)، فقد ألزمت تلاميذَها من جميع المعتقدات بتعلّم الكتاب المقدّس وحضور الصلاة. لست أدري إذا كانت هذه الأنظمة لا تزال ساريةً في يومنا. 
  
لا يسعنا، بصرف النظر عن موافقتنا على آراء الكاتب السياسيّة، إلاّ الإعجاب بسعَةِ معلوماتِهِ وطلاوةِ أسلوبِهِ. بإمكان من لا يملك الوقت أو الصبر لقراءة الكتاب، أن يستمتع بصوره البديعة على الأقلّ. 




Tuesday, March 21, 2017

إليسييف، المنجّد، وابن عساكر



يعود الفضل لابن عساكر الدمشقي، الإمام العالم الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي، (١١٠٥ ـ ١١٧٦ للميلاد) في  تأليف أوّل دليل طبوغرافي معروف لمدينة دمشق، ولا يزال كتابُهُ أساسَ كلّ الدراسات الطبوغرافيّة لها ولمعالمِها كما كانت في القرون الوسطى؛ استقى منه ابن شدّاد بعد مائة عام، والنعيمي (وفيّات ١٥٢١) في مطلع القرن السادس عشر. 

"تاريخ مدينة دمشق" الكامل لابن عساكر عملٌ هائل توزّع على ثمانين مجلّداً استغرق تحقيقُها عشرات السنوات، وهي اليوم متوافرة ورقيّاً وإلكترونيّاً (التحميل مجّاني). هذه الموسوعة، بالدرجة الأولى، تراجم biographies، وموضوع البحث هنا لا يتجاوز الجزء الثاني المتعلّق بمدينة دمشق تحديداً، كما حققّه صلاح الدين المنجّد، ونشره المجمع العلمي العربي للمرّة الأولى عام ١٩٥٤.  

شهد عام ١٩٥٩ نشر ترجمة "الخطط"، أي الجزء الثاني من "التاريخ"، إلى الفرنسيّة على يد المستشرق الألمعي  Nikita Elisséeff  (١٩١٥ ـ ١٩٩٧)،  مِن قِبَل المعهد الفرنسي في دمشق Institut Français de Damas. يقتضي العدلُ التنويهَ أنّ إسهام إليسييف تجاوز بكثير نقل هذه العمل الذي لا يقدّر بثمن بأمانةٍ ومهنيّة، ليغنيهِ بالشرح والإيضاح والحواشي والتعليقات التي تعرّضت لأدقّ التفاصيل. ليس من السهل اليوم الحصول على نسخةٍ من الطبعة الأصليّة، ولحسن الحظّ أُعيدَ طبعُ الكتاب عام ٢٠٠٨، بمناسبة اختيار دمشق عاصمةً للثقافةِ العربيّة. 

يمكن اختزال نهج ابن عساكر بكلمتين: "التعداد والإسناد". توخّى الحافظ غايةَ الحرص في ذكرِ مصادِرِهِ التي فُقِدَت بالكامل تقريباً؛ يعود أقدمُ هذه المصادر - المقصود هنا الطبوغرافيّة منها خصوصاً - إلى القرن التاسع الميلادي. التوكيد على هذه النقطة شديد الأهميّة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ ابن عساكر تعرّضَ لأحداثٍ أقدم من ذلك بكثير، وعلى سبيل المثال بناء الجامع الأموي في مطلع القرن الثامن. للتوضيح تاريخ ابن عساكر أقرب ما يكون إلى ترديد ما سمعه شفهيّاً عن محدّثين، وليس مؤرّخين، سمعوا بدورهم من محدّثين قبلهم، على طريقة صحيح البخاري ومسلم وغيرها من "الصحاح". تجدر الإشارة هنا أنّ الإسناد، بمقاييس القرون الوسطى، لا يقلّ أهميّةً إطلاقاً عن المَتْن (النصّ) وأحياناً يفوقَهُ أهميّةً. بعبارةٍ ثانية، كلّما دقّق الكاتب وأسهب في الإسناد، كلما زاد رصيدُهُ كضليعٍ ومتبحّر في علوم ذاك الوقت. 

هذا عن الإسناد فماذا عن التعداد؟

هنا لا نملكُ إلّا أن ننحني احتراماً للجهود التي بذلها المؤلّف، بوسائلٍ بدائيّة، في توثيقِ معالم مدينَتِهِ ميدانيّاً على أشملِ وجهٍ ممكن: من دور العبادة، ومنازل عليّة القوم، وأقنية، وحمّامات، وأبواب، ومقابر، بدايةً بالمعالم الواقعة ضمن سور المدينة، ونهايةً بأرباضِها والقرى المحيطة بها. تمثّل أسلوب ابن عساكر في اتّباع اتّجاه معيّن (في حال الجوامع مثلاً انطلاقاً من الغرب وباب الجابية)، وتغطيتِهِ بالكامل، قبل أن ينتقل إلى التالي. بإمكاننا إذاً أن نرافِقَهُ، إذا جاز التعبير، ولو بالخيال، في مسارِهِ حول المدينة للتعرّف على حاراتِها وأزقّتِها والمعالم المطلّة على دروبِها. 

هاك على سبيل المثال أسلوب الكاتب في توثيق جوامع دمشق: لا توجد، من الناحية العمليّة، معلوماتٌ تذكر عن أي معبد أو مبنى (باستثناء الأموي)، ولا يتجاوز ما كتّبَه ابن عساكر عن أي جامع عادةً أسطراً معدودة (٢ ـ ٣) تذكر اسم المسجد، والحارة التي تواجد فيها، والمبنى أو المباني المهمّة والأسواق المجاورة، وما إذا كان له وقف وإمام ومؤذّن وإذا كان فيه سبيل للمياه (سقاية)، أو كان على مستوى الأرض (سفل).  

من نافل القول أن الغالبيّة العظمى من هذه المعالم اندثرت إلى غيرِ عودة أو تغيّرت جذريّاً، وأنّ أسماءَ العديدِ من الدروبِ والحارات والأسواق والقرى تختلف اليوم، اللهمّ إن كانت لا تزالُ موجودةّ، عمّا كانت عليه قبل ثمانية قرون. مع هذا تمكّن صلاح الدين المنجّد، استناداً إلى وصف ابن عساكر، من تصميم خريطة طبوغرافيّة مبسّطة للمدينة، استند عليها إلسييف بدورِهِ ليضع، مستعيناً بدراسات الألمانييّن Wulzinger و Watzinger، خريطةّ طبوغرافيّةً عالية الدقّة لدمشق كما كانت في القرن الثاني عشر للميلاد، وتحديداً في عهد الأتابك نور الدين زنكي. في زعمي أنّ هذه الخريطة أهمّ إضافات إليسييف إلى تحقيق المنجّد على الإطلاق. 

أرفقُ مع هذه الأسطر صورة غِلافيّ الطبعتين الأولى والثانية لترجمة إليسييف. 

Saturday, March 18, 2017

جان سوفاجيه وقلعة دمشق

قليلة هي المؤلفات عن قلعة دمشق رغم كونها أحد أهم المعالم الأثرية داخل سور المدينة وأكبر هذه المعالم على الإطلاق من ناحية المساحة ألا وهي ٣٤٥٠٠ متر مربع (١٥٠ في ٢٣٠). للمقارنة مساحة جامع بني أمية الكبير أقل من النصف أي ١٥١٣٢ متر مربع (٩٧ في ١٥٦) ولكن تجدر هنا الإشارة أن أكبر منشئات دمشق بلا منازع من الناحية التاريخية يبقى معبد جوبيتر الهائل المساحة التي بلغت ١١٧٠٠٠ متر مربع ولا تزال بقاياه في محيط الجامع شاهدة على أيام مجده الغابر.

يوجد بطبيعة الحال كثير من المقالات عن القلعة علاوة عن فصول تعالجها ببعض التفصيل متناثرة هنا وهناك في كتب التاريخ والعمارة ولكن على حد علمي الأسفار مخصصة لهذا المبنى العتيد قليلة للغاية (هناك بالطبع دراسة الدكتور عبد القادر ريحاوي رحمه الله)  خلافاً للجامع الأموي. يبقى هذا الأخير أهم من القلعة نظراً لمكانته الدينية وأسبقيته الزمنية ولكن يمكن القول دون مبالغة أن القلعة ثاني أهم معالم دمشق وأن ما كتب عنها أقل بكثير مما تستحق ويبقى إسهام المستشرق الفرنسي جان سوفاجيه Jean Sauvaget  (١٩٠١ -  ١٩٥٠) أحد أهم الجهود في هذا الصدد في مقالين نشرهما باللغة الفرنسية في مجلة "سوريا الفن الشرقي والآثار" عام ١٩٣٠.



عدد صفحات المقالين الإجمالي ٧٤ ويشمل هذا الرقم العديد من الصور الفوتوغرافية بالأبيض والأسود والملتقطة في عشرينات القرن الماضي. يتعين هنا التنويه لكثرة العقبات التي واجهت العالم الفرنسي ومنها تقنية الإنارة السيئة واستعمال أقسام من المبنى كسجن وصعوبة دراسة الجدار الغربي الذي كان سوق الخجا القديم يغطيه في ذلك العهد (وإلى أن هدم في الثمانينات).

رغم كل هذه العوائق تمكن سوفاجيه بمواظبته ومهنيته من رسم صورة أكثر من معقولة لهذا الكنز الوطني وأكتفي هنا ببعض رؤوس الأقلام بهدف التعريف ليس غير:

تحتل القلعة الزاوية الشمالية الغربية لمدينة دمشق داخل السور وهي تقريباً بشكل مستطيل اللهم إلا زاويتها الشمالية الغربية التي تتبع مجرى فرع نهر بردى (بانياس-العقرباني). يعتقد المؤلف أن حصناً رومانياً castrum  شغل هذا المكان أو كاد (ولم يعثر على دليل لوجوده حتّى اليوم) ويضيف أن نفس الموقع شغلته قلعة في العهد السلجوقي ثم عهد صلاح الدين الذي مات ودفن بها قبل أن ينقل رفاته إلى الضريح المعروف شمال الجامع الأموي ولكن القلعة الحالية تعود لمطلع القرن الثالث عشر الميلادي وعهد الملك العادل شقيق صلاح الدين.

تحتفظ قلعة دمشق وبحالة جيدة بمنشئاتها الأيوبية خلافاً لقلعة حلب والتي لم يبق فيها من العهد الأيوبي- الصليبي إلا مدخلها وجامعها بينما يعود سورها إلى العهد العثماني. حالة قلعة حمص أسوأ أما قلعة حماة فقد اندثرت أو كادت. خضعت قلعة دمشق بالطبع للترميم أكثر من مرة خلال تاريخها الطويل خاصة في أعقاب حملات المغول والتتار وعملياً تمت معظم هذه الترميمات في العهد المملوكي ولكنها لم تعدل أو تغير الإطار الأيوبي. تشير الأدلة إلى ترميمات هامة في العهود التالية: الظاهر بيبرس، المنصور قلاوون، محمد ابن قلاوون، نوروز الحافظي (مطلع القرن الخامس عشر)، وقانصوه الغوري. الترميمات في العهد العثماني لا تستحق الذكر وعل ذلك عائد لفقدان القلعة لأهميتها العسكرية بالتدريج.

نأتي الأن لوصف سريع للمنشأة ويمكن معاينة مواقع الآثار على المخطط التالي:



عدد أبراج القلعة ١٢ وحالتها تختلف فمثلاً البرج الذي يتوسط السور الشمالي في حلة سيئة وهو مدخل القلعة من خارج المدينة وكون أهميته عسكرية دفاعية بالدرجة الأولى فهو متعرج. يحتوي هذا البرج-المدخل على باب الحديد والضريح المفترض للصحلبي أبي الدرداء. يقول المؤلف أن الطارمة rotonde  (نوع من المقصورة) كانت تعلو هذا البرج ومنها كان الحاكم يشرف على العروض العسكرية تحت سور المدينة في موقع سوق الخيل ولكن موقع الطارمة حسب البعض كان في البرج الشمالي الغربي.

باب الحديد أو باب القلعة الشمالي


باب القلعة الشرقي يطل على سوق العصرونية داخل المدينة وخلافاً للباب الشمالي المتقشف فهذا الباب غني بالنحوت والمقرنصات الجميلة. يمكن هنا الإشارة إلى باب ثالث يسمى باب السر يعتقد أنه كان يقع في السور الغربي وأن المماليك كانوا يستعملونه لمغادرة القلعة والدخول إليها بعيداً عن الأنظار.

باب القلعة الشرقي على سوق العصرونية داخل سور المدينة

يعتقد أن قصر السلاطين الأيوبيين كان يحتل الزاوية الجنوبية الغربية للقلعة.

لا مجال هنا للدخول باتفاصيل التقنية والمعمارية لأسوار وأبراج القلعة وإن وجبت الإشارة أن الوظيفة الدقيقة التي توخاها البناة لكل برج وكل ممر وكل بهو لا تزال غير واضحة في يومنا ناهيك عن عهد انتداب فرنسا وجان سوفاجيه. 

أبراج القلعة الجنوبية من الداخل ومن الغرب إلى الشرق وفي الخلفية الجامع الأموي


الحائط الساتر (بين برجين) في سور القلعة الشرقي

Syria: Revue d'art oriental et d'archéologie tome 11، 1930