Saturday, March 18, 2017

جان سوڤاجيه وقلعة دمشق



المؤلَّفات عن قلعة دمشق قليلةٌ، رغم أنّها أحد أهمّ المعالم الأثريّة داخل سور المدينة وأكبر هذه المعالم على الإطلاق، بمساحة ٣٤٥٠٠ متر مربّع (١٥٠ في ٢٣٠). للمقارنة مساحة جامع بني أميّة الكبير (١) أقلّ من النصف (١٥١٣٢ متر مربّع أي جداء ٩٧ في ١٥٦).

لدينا عددٌ من المقالات عن القلعة، علاوةً عن فصولٍ تعالجها ببعض التفصيل متناثرة هنا وهناك في كتب التاريخ والعمارة، بيد أنّ الكُتُب المكرّسة لها أقلّ بكثير من الموجود عن الجامع الأموي، أهمّ أوابد دمشق من أكثر من ناحية وبلا منازع. لا مبالغة بالقول أنّ القلعة ثاني أهمّ معالم دمشق وأنّها تستحقّ المزيد من الدراسات. أتعرّض في الأسطر التالية إلى مساهمة مبكّرة للمستشرق الفرنسي Jean Sauvaget (١٩٠١ - ١٩٥٠) في مقالين نَشَرَتهما مجلّة Syria عام ١٩٣٠ (الرابطان أدناه).

عدد صفحات المقالين الإجمالي ٧٤، يتخلّلُها العديد من الصور الضوئيّة بالأبيض والأسود، الملتقطة في عشرينات القرن الماضي. يحسنُ هنا التنويه بكثرة العقبات التي واجهت العالم الفرنسي، منها تقنيّة الإنارة السيّئة، واستعمال أقسام من المبنى كسجن، وصعوبة دراسة الجدار الغربي الذي حجَبَهُ سوق الخجا القديم (٢).

استطاع Sauvaget، مع ذلك، أن يرسِمَ صورةً معقولةً لهذا الكنز الوطني. أكتفي، في الأسطر التالية، ببعض رؤوس الأقلام بهدف التعريف ليس غير:

تحتلّ القلعةُ الزاويةَ الشماليّةَ الغربيّة من دمشق داخل السور، وتأخُذُ شكلَ مستطيلٍ على وجه التقريب، باستثناء زاويتِها الشماليّة الغربيّة التي تتبع مجرى فرع نهر بردى (بانياس - العقرباني). اعتقد المؤلّف، دون دليلٍ مادّي، أنّ حصناً رومانيّاً castrum، شَغَلَ هذا المكان أو كاد (٣)، وأضاف أنّ قلعةً سلجوقيّةً شغلت نفس الموقع وأنّ صلاح الدين مات ودُفن بها قبل أن يُنْقَل رفاتُهُ إلى الضريح المعروف شمال الجامع الأموي. تعود القلعةُ الحاليّة إلى مطلع القرن الثالث عشر الميلادي وعهد الملك العادل، شقيق صلاح الدين.

احتفظت قلعة دمشق بمنشئاتِها الأيوبيّة بحالةٍ جيّدة، خلافاً لقلعة حلب التي لم يبق فيها من العهد الأيّوبي إلّا مدخلها وجامعها، بينما يعود سورها إلى العهد العثماني. حالة قلعة حمص أسوأ، أما قلعة حماة فقد اندثرت أو كادت. خضعت قلعة دمشق بالطبع للترميم أكثر من مرة خلال تاريخها الطويل خاصّةً في أعقاب حملات المغول والتتار. أُجْرِيَت معظم هذه الترميمات في العهد المملوكي، وإن لم تعدّل أو تغيّر الإطار الأيّوبي. لدينا أدلّة على ترميماتٍ هامّةٍ في العهود التالية: الظاهر بيبرس، المنصور قلاوون، محمّد ابن قلاوون، نوروز الحافظي (مطلع القرن الخامس عشر)، وقانصوه الغوري. الترميمات في العهد العثماني لا تستحقّ الذكر وعلّ ذلك عائد لفقدان القلعة أهميّتها العسكريّة في العصور الحديثة.

_______________________________________________________________


الوصف باختصار شديد:

عدد أبراج القلعة ١٢. البرج الذي يتوسّط السور الشمالي (مدخل القلعة من خارج المدينة) في حالةٍ سيّئة. بُنْيَ المدخل، البالغ الأهميّة من الناحية الدفاعيّة، متعرّجاً. يحتوي هذا البرج (المدخل) على باب الحديد، والضريح المفترض أو بالأحرى مقام ومسجِد أبي الدرداء. يرى Sauvaget أنّ الطارمة rotonde (نوع من المقصورة) توّجت هذا البرج، ومنها أشْرَفَ السلطان أو النائب على العروض العسكريّة تحت سور المدينة، في موقع سوق الخيل. اعتقد البعضُ أنّ الطارمة كانت في البرج الشمالي الغربي.

أطلّ باب القلعة الشرقي (ولا يزال) على سوق العصرونيّة داخل سور المدينة. هذا الباب (خلافاً للباب الشمالي المتقشّف) غني بالنحت والمقرنصات الجميلة. يمكن هنا الإشارة إلى باب ثالث سُمّيَ باب السرّ، يعتقد أنّه كان في سور القلعة الغربي (٤) وأنّ المماليك استعملوه لمغادرة القلعة والدخول إليها بعيداً عن الأنظار.

ارتأى Sauvaget أنّ قصر السلاطين الأيوبييّن احتلّ الزاوية الجنوبيّة الغربيّة للقلعة.

لا مجال في هذه العُجالة للدخول بالتفاصيل التقنيّة والمعماريّة لأسوار وأبراج القلعة، بَلْهَ نقوشِها الكتابيّة الكثيرة، وإن وجبت الإشارة أنّ الوظيفة الدقيقة التي توخّاها البُناة لكل برج وكل ممرّ وكل بهو لا تزال إلى اليوم بعيدةً عن الوضوح، ناهيك عن زمن الانتداب الفرنسي وSauvaget.

__________________________________________________________________


(١) يوافق الجامع الأموي على وجه التقريب القسم الداخلي من حرم هيكل المشتري الهائل الاتّساع (حصرت أسوارُهُ الخارجيّة ١١٧٠٠٠ متر مربّع)، بدلالة بقاياه شرق وغرب الجامع.
(٢) هُدم سوق الخجا في ثمانينات القرن العشرين بهدف كشف جدار القلعة الغربي وشقّ شارع الثورة.
(٣) استند Sauvaget هنا في افتراضَهُ بتواجد حصن روماني يعود إلى عهد Dioclétien على Wulzinger و Watzinger، إلى أن غيّرَ رأيه في مقالٍ نشَرَهُ عام ١٩٤٩ (صفحة ٣٣٣). 
(٤) أطلّ بال السرّ الغربي هذا على السنجقدار وعلى الأرجح تواجد باب سرّ آخر في الجنوب أدّى إلى دار السعادة (مقرّ النائب أو الوالي). 



Jean Sauvaget. La citadelle de Damas (premier article). Syria T. 11, Fasc. 1 (1930), pp. 59-90. Jean Sauvaget. La citadelle de Damas (deuxième article). Syria T. 11, Fasc. 3 (1930), pp. 2I6-24I.

No comments:

Post a Comment