Monday, November 27, 2017

طوشة الباطنيّة



من العبث إنكار مجزرة ١٨٦٠ أو ما دُعِيَ "طوشة النصارى" في دمشق، كونها حصلت في عهد التصوير الضوئي والصحافة المطبوعة وتدخّل أوروپّا في شؤون الإمبراطوريّة العثمانيّة في زمنٍ اعتمدَ فيهِ بقاؤها بالدرجة الأولى على تنازع القوى الغربيّة بعضها مع البعض الآخر. كلّ ما يمكن عمله لمن يرفض تسمية الأمور بمسمّياتها، أن يعمد للتفسير والتأويل ولوم الغرب والاستعمار وحتّى اليهود إذا لزم الأمر، في محاولةٍ بائسة لتبرير ما لا يمكن تبريره منطقيّاً أو أخلاقيّاً. 

بيت القصيد هنا أنّ هذه المذبحة لم تكن أوّل فتنة طائفيّة تشهدها المدينة، بل سبَقَها في أواخر العقد الثالث من القرن الثاني عشر للميلاد مذبحةٌ تضاهيها إن لم تتفوّق عليها وحشيّة واتّساعاً كما سنرى.

من البدهي أنّ الوجود الفاطمي في دمشق لفترة تجاوزت القرن لا بدّ أن يُتَرْجَم إلى عددٍ لا بأس به من الإسماعيلييّن في المدينة. للتذكرة تُنْسَبُ السلالة الفاطمية إلى عبيد الله المهدي من السلميّة، بيد أنّ بدايات الدولة كانت في شمال غرب إفريقيا قبل أن تمتدّ إلى مصر في عهد المعزّ لدين الله وعامله جوهر الصقلّي بناة القاهرة. جرى نزاع على الخلافة بعد موت المستنصر بالله بين المستعلي وأخيه الأكبر نزار. خسر هذا الأخير وهرب إلى الإسكندريّة ثمّ قُتِل عام ١٠٩٥ وانشقّ الإسماعيليّون بعد هذه الأحداث إلى حزبين: الأوّل فاطميّو مصر (ومنها إلى الهند واليمن)، والثاني النزاريّون (إلى إيران وسوريّا) ومنهم من عُرِفوا بعدها بالحشّاشين

لم يجد المؤرّخ الدمشقي ابن القلانسي، على غزيرِ علمِهِ وحصافَةِ عقلِهِ، قاسماً مشتركاً بين فاطمييّ مصر (الذين كال لهم الثناء بحسابٍ ودون حساب)، وإسماعيلييّ سوريّا الذين أطلق عليهم لقب الباطنيّة واتّسمت كتاباتُهُ عنهم بالسلبيّة والعداء. 

____________

فلنستعرض بعد هذه المقدّمة الطويلة أحداث عام ١١٢٩ في عهد تاج الملوك بوري. بدأ ابن القلانسي باستعراض خلفيّة الفتنة، وكيف نجح داعية الباطنيّة بهرام، في غواية العديد من أبناء الأقاليم الجهلة وحثالة الفلّاحين واللصوص من عديمي الضمائر الذين لا يخافون الله ولا يردّهم وازعُ عن الشرّ والأذى (صفحة ٢٢١ من "الذيل")، وأضافَ أنّ عقيدَتَهم السريّة ظهرت بكلّ نقائصِها في وضح النهار عندما مارسوا العنف وقطع الطرقات والظلم، وساعدهم في مخطّطاتِهِم المشؤومة الوزير أبو طاهر المزدقاني. عيل بالنتيجة صبر تاج الملوك، وعزم على التخلّص من الباطنيّة "أعداء الله" مرّةً وإلى الأبد؛ بالنتيجة قُتِل بهرام وانتقلت الزعامة بعده للمدعو إسماعيل العجمي الذي تعاون معه المزدقاني إلى أن قُطِعَت رأس هذا الأخير وأُحْرِقَت جثّتُهُ جزاءً وفاقاً على شروره وآثامه "وما الله بظلّامٍ للعبيد". سوّغ القرآن  - في نَظَرِ ابن القلانسي - ما جرى كعقابٍ ربّاني حقّ على المفسدين في الأرض.

أذيع خبر ذبح المزدقاني في دمشق وكانت هذه بمثابة إشارة للأحداث والرعاع للانتشار في المدينة كالنار في الهشيم، مسلّحين بالسيوف والخناجر، وقَتْل كلّ من صادفوه من الباطنيّة ومشايعيهم بما فيهم من طَلَبَ الأمان، ورغم محاولة البعض التشفّع لهم. مع حلول الصباح تمّ تنظيف الأزقّة والساحات من جثثهم التي تنازعتها الكلاب وكلّ هذا طبعاًَ "عبرة لذوي الألباب" (صفحة ٢٢٣):

"فثارت الأحداث بدمشق والغوغاء والأوباش بالسيوف والخناجر المجرّدة فقتلوا من ظفروا به من الباطنيّة وأسبابِهم وکلّ متعلّق بهم ومنتمٍ إليهم وتتتبّعوهم في أماكِنِهِم واستخرجوهم من مكانِهِم وأفنوهم جميعاً تقطيعاً بالسيوف وذبحاً بالخناجر وجعلوهم مصرعين على المزابل کالجیف الملقاة والميتة المجتواة وقُبِضَ منهم نفرٌ كثيرٌ التجأوا إلى جهاتٍ يحتمون بها وأملوا السلامة بالشفاعة منها قهراً وأُريقت دماؤهم هدراً وأصبحت النواحي والشوارع منهم خالية والكلاب على اشلائهم وجيفِهم متهاوشة عاوية إنّ في ذلك لآية لأولي الألباب." 

لا يورد ابن القلانسي أرقاماً (ولا ترجمة Le Tourneau). تفاوتت التقديرات حسب المصدر من ستّة آلاف ضحيّة (ابن الأثير) إلى عشرة آلاف (سبط ابن الجوزي)، ووصل بعضُها إلى العشرين ألفاً. لا شكّ أنّ الرقم الأخير على الأقلّ فيه الكثير من المبالغة ومع ذلك لا خلاف على حصول المجزرة ولا على هويّة ضحاياها. يزيد من مصداقيّة الرواة أنَّهُم دون استثناء من أعداء الإسماعيلييّن، وأنّهم افتقدوا إلى الحدّ الأدنى من الشعور بالذنب أو الشين، لا بل افتخروا بالقضاء على الباطنيّة كما افتخر العبّاسيون بإبادة الأموييّن. هناك كثير من الأمثلة المشابهة على هذه الظاهرة لمن يريد التوسّع. 

ادّعى البعض (ومنهم ابن الأثير)، في محاولةٍ لتسويغ المذبحة أنّ المزدقاني اتّفق مع الباطنيّة على تسليم دمشق للصليبييّن، بيدَ أنّ ابن القلانسي صامتٌ عن هذه النقطة قبل المذبحة، وإن أضاف كمسك الختام أنّ إسماعيل العجمي "أنفذ إلى الإفرنج يبذل لهم تسليم بانياس إليهم" (صفحة ٢٢٤)، ومات لاحقاً في بانياس (الجولان) وتخلّصت المنطقة من الباطنيّة و"رجسهم". في كلّ الأحوال حتّى إذا سلّمنا أنّ بعض الإسماعلييّن تعاون مع الصليبييّن فلا يمكن أن يبرّر هذا ذبح جميع الإسماعيلييّن ولا يعقل أنّ الآلاف منهم تعاونوا مع الصليبييّن.

من نافل القول أنّ التعصّب الديني في العصور الوسطى لم يكن وقفاً على دمشق ولا سوريّا ولا أي بلد إسلامي أو غير إسلامي. تاريخ أوروپّا يطفح بالمجازر والفتن الدينيّة، ولربّما كان سجلّ العالم الإسلامي في الماضي أفضل من نظيرِهِ المسيحي. الفرق أنّ العرب اليوم، مقارنة مع الغرب العلماني، يتّبعون إحدى سياستين في الأمور المتعلّقة بما لا يشرّف في ماضيهم: الأولى إلقاء اللوم على الغير (مجزرة ١٨٦٠)، والثانية تجاهل الموضوع بالكليّة كما في مأساة ١١٢٩. 

دمشق من أتسز إلى نور الدين


نعود إلى ابن القلانسي وذيل تاريخ دمشق. اعتمد المؤلِّفُ كما سبقت الإشارة نَهْجَ التسلسل الزمني للأحداث حسب السنة الهجريّة. سألجأ بهدف الإيجاز من جهة، وجعل المعلومات أسهل وأسلس مُتَنَاوَلاً من جهةٍ ثاني، إلى تبويبٍ يتمركز حول من تولّى دمشق في هذه الفترة التي قاربت ثمانين عاماً. 

ألحقَ السلاجقة بقيادة ألپ أرسلان عام ١٠٧١ للميلاد بالبيزنطييّن هزيمةً نكراء في موقعة منزيكرت أو ملاذكرد، التي غيّرت خارطة الشرق الأدنى وبدأت عمليّة تتريك وأسلمة آسيا الصغرى التي أنجزت في أعقاب الحرب العظمى (العالميّة الأولى) عندما قايضت تركيّا واليونان أقليّاتِهِما المسيحيّة والمسلمة. 

فلنستعرض في الأسطر التالية أحداثَ دمشق ومحيطِها، عَبْرَ من حَكَمَها، نفلاً عن ابن القلانسي مع الإيضاح والروابط الفائقة عند اللزوم.

* انتهى العهد الفاطمي في دمشق عام ١٠٧٦ للميلاد على يد أتسز بن أوق الخوارزمي (من عمّال ملك شاه بن ألپ أرسلان السلجوقي). لم يَعْنِ هذا بالطبع نهاية الوجود الفاطمي الذي دام أكثر من قرن في سوريّا، خاصّة على الساحل وفي الجنوب، ولكنّه عَنَى بروز العناصر التركيّة ومعها المذهب السنّي، وتمدّدها بالنتيجة إلى مصر في عهودٍ لاحقة.

* تولّى تاج الدولة تتش بن ألپ أرسلان دمشق عام ١٠٧٨، واستهلّ عَهْدَه بأن أمر بأستز فخُنِق، ثمّ (عام ١٠٩٥) بقسيم الدولة آق سنقر (أبو عماد الدين زنكي) الذي قُطِعَت رأسُهُ. قُتِلَ تتش بالنتيجة في صراعٍ على السلطة بينه وبين بركياروق بن ملكشاه (أي ابن أخ تتش) في نفس العام (١٠٩٥)، وأُرْسِلَت رأسُهُ إلى بغداد. قطعُ الرؤوس، وجمعها كغنائم حرب، ورفعها على أسنّة الحراب، وعرضها ليتملّى بمنظرها دهماء ذلك الوقت، كان القاعدة وليس الاستثناء.

* خَلَفَ تتش في دمشق عام ١٠٩٥ ابنُهُ شمس الملوك دقاق، باني البيمارستان الدقاقي المندثر. شهدَ عهدُ دقاق الحملة الصليبيّة الأولى واستيلاء الإفرنج على القدس صيف ١٠٩٩. تزوّج الأتابك ظهير الدين طغتكين صفوة الملك (أمّ دقاق)، ومات دقاق عام ١١٠٤ (ادّعى ابن عساكر - صفحة ٢٣٣ - أنَّهُ قُتِلَ بأمرٍ من أمّه التي أوعزت إلى جواريها بِدَسّ السمّ في طعامِهِ، بيد أنّ ابن القلانسي صامتٌ عن هذه المؤامرة المزعومة). دُفِنَ دقاق خارج سور المدينة، ولاحقاً أمُّهُ (ماتت ١١١٩) في ضريح صفوة الملك (الخانقاه الطواوسيّة) الذي صوّره (نُشِرَت اللقطة أعلاهُ في الكرّاس الأوّل من "أوابد دمشق الأيّوبيّة" عام ١٩٣٨) ووَصَفَهُ Sauvaget قبل هَدْمِهِ بقليل. هذا البناء هو الوحيد الذي تبقّى من دمشق السلجوقيّة حتّى القرن العشرين (باستثناء القلعة التي أعاد العادل بنائها ووسّعها وعزّزها في مطلع القرن الثالث عشر)، ولم يتجشّم أحدٌ عناءَ تصويرِهِ ناهيك عن دراستِهِ باستثناء المستشرق الفرنسي الشهير.  

* أصبح ظهير الدين طغتكين، مؤسّس السلالة البوريّة، الحاكم الفعلي لدمشق بعد موت (أو اغتيال إذا قبلنا رواية ابن عساكر) دقاق عام ١١٠٤، وكان عهده ميموناً على المدينة في نظر ابن القلانسي وإن تزامن مع توسّع الوجود الصليبي على الساحل السوري إلى طرابلس وجبلة وبانياس (١١٠٩)، حصن الأكراد (أي قلعة الحصن) وبيروت وصيدا (١١١٠)، وأخيراً صور (١١٢٤). 

* مات طغتكين عام ١١٢٨ وخلفه ابنه تاج الملوك بوري الذي أُبِيدَ إسماعيليّو دمشق في عهده (١١٢٩). سأخصّص لهذه المأساة مقالاً خاصّاً. 

* مات بوري عام ١١٣٢ وخلفه على أمر دمشق ولدهُ شمس الملوك إسماعيل. أمرت صفوة الملك زمرّد خاتون (أخت دقاق وزوج بوري وهي غير صفوة الملك أمّ دقاق) عبيدَهَا بقتل ابنها شمس الملوك في مطلع عام ١١٣٥، وإذا قبلنا بعض الروايات (نقلها المعلوف) فالدافع للجريمة كان التستّر على فضيحةٍ تتلخّص بوجود عشيق لزمرّد خاتون، هو الحاجب يوسف ابن فيروز الذي دبّرت فرارَهُ من ابنها إلى تدمر قبل أن تُجْهِز على هذا الأخير.   

* نأتي الآن إلى عهد شهاب الدين محمود (ابن آخر لزمرّد خاتون). تميّزت هذه الفترة بصعود نجم الأتابك عماد الدين زنكي سيّد الموصل وقاهر الصليبييّن (طردهم من أورفة - الرها أو Edessa عام ١١٤٤). توسّع زنكي إلى حلب وغيرها وإن بقيت جائزة دمشق مبتغاهُ، وفي هذا السبيل تزوّج زمرّد خاتون عام ١١٣٨ أملاً أن يفتح له الدمشقيّون أبوابَ المدينة طواعيةً، لم يكتف سكّان المدينة بالرفض بل طلبوا معونةَ الصليبييّن ضدَّهُ. 

* اغتيل شهاب الدين محمود عام ١١٣٩، وآلت الولاية إلى أخيه جمال الدين محمّد، الذي مات ١١٤٠.

* مجير الدين أبق (ابن جمال الدين محمّد) آخر حكّام دمشق البورييّن، بيد أنّ الحاكم الفعلي للمدينة من ١١٤٠ إلى ١١٤٩ كان معين الدين أنر الذي حالفه الحظ عندما اغتيل عماد الدين زنكي عام ١١٤٦، وإن استأنف ابن هذا الأخير نور الدين محمود (أو نور الدين زنكي أو نور الدين الشهيد) سياسةَ أبيه ومحاولاتِه لضمّ دمشق، ولم يتردّد في هذا الصدد في الزواج بابنة أنر عصمة الدين خاتون (١١٤٧)، كما تزوّج زنكي زمرّد خاتون قَبْلَهُ، وأيضاً دون جدوى. حاول الصليبيّون الاستيلاء على دمشق صيف ١١٤٨ في الحملة الصليبيّة الثانية بقيادة Louis VII ملك فرنسا و Conrad III أوّل ملوك أسرة Hohenstaufen في ألمانيا. بائت هذه المحاولة الخرقاء بالفشل، وأقول الخرقاء لأنّ علاقة أنر مع الصليبييّن - على الرغمِ من مدِّها وجَزْرِها - كانت وديّةً عموماً، ولم يتردّد الأتابك في التحالف مع الإفرنج ضدّ إخوته المسلمين عندما ارتأى أنّ مصلحته تقتضي ذلك. 

* مات أنر صيف ١١٤٩ وأصبح مجير الدين أبق حاكماً إسماً وفعلاً. حاصر نور الدين دمشق واستغاث أبق بالصليبييّن الذين هرعوا لإسعافه عام ١١٥١ (نخوةً منهم ما في ذلك من شكّ)، وبعد أخذٍ وردٍّ ومساومة نجح نور الدين في دخول المدينة ربيع ١١٥٤ وسط مشاهد البهجة والحبور (أو على الأقلّ تنفّس الصعداء) بين أهاليها. 

Tell ʾum Ḥōrān



Two 24-25 cm bronze helmets from the beginning of the second century C.E. were illicitly dug at the site of Tell ʾum Ḥōrān (Darʿā Governorate, north of Nawā) back in 1955. They were promptly seized by the General Directory of Antiquities and Museums to be transferred to the National Museum of Damascus, where they've resided ever since. Further excavations—this time legally and professionally—have subsequently taken place and yielded a substantial number of valuable artifacts. 

Seen at the center of the first helmet is a Roman warrior surrounded on both sides with an eagle, a symbol of the solar god. Posteriorly on the lateral view are two identical groups representing horses pulling a chariot on their way to heaven. The mask itself is that of a bearded face. 

The second helmet has a gorgon occupying its summit. Below is an eagle dominating a sacrificial scene with its stretched wings. The occipital cover features a battle between the Romans and the Parthians. Finally, the artist—a certain Mactorius Barbarus—was kind enough to leave his name inscribed on the right temple. 

Sunday, November 26, 2017

تاريخ دمشق ١٠٧٥ - ١١٥٤


يغطّي كتاب ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي (١٠٧٣-١١٦٠) قرابةَ مائتيّ عام تبدأ بسنة ٣٦٠ للهجرة (٩٧٠ - ٩٧١ للميلاد) وتنتهي بسنةِ وفاتهِ، اختارَ المستشرق الفرنسي الدكتور Roger Le Tourneau (تلميذ Sauvaget) منها الفترة التي تبدأ مع نهاية الهيمنة الفاطميّة وبداية تسلّط الأتراك السلاجقة، وتنتهي بدوال الدولة البوريّة عندما تقلّد الأتابك نور الدين زنكي زمام الأمور في دمشق. لهذه الفترة أهميّة خاصّة كونها شهدت بداية العهد الصليبي في سورّيا (الحملتين الأولى والثانية) واصطدام الغرب والشرق. 

وُلِدَ Le Tourneau عام ١٩٠٧ ومات فجأةً إثر تداخلٍ جراحي "روتيني" عام ١٩٧١. اختصّ لوتورنو في الدراسات العربيّة والإسلاميّة مع اهتمام خاصّ بالمغرب وشمال إفريقيا. تزوّج من Jeanne Largarde (١٩٠٩ - ٢٠١١) عام ١٩٣٠، التي عاشت أربعين عاماً بَعْدَهٌ وماتت عن عمر ١٠١ من الأعوام. الصورة الملحقة لجان وروجيه عام ١٩٣٠. 

صَدَرَ كتاب "دمشق من  ١٠٧٥ إلى ١١٥٤" عام ١٩٥٢ عن المعهد الفرنسي بدمشق في حوالي ٤٠٠ صفحة، وللمهتمّين بالفترة السابقة (الفاطميّة) هناك كتاب Bianquis عن نفس المعهد على جزأين (الأوّل ١٩٨٦ والثاني ١٩٨٩). المعلومات عن العهود اللاحقة (نور الدين والأيّوبييّن والمماليك إلى آخِرِهِ) أكثر غزارة تردّدت في العديد من المصادر المحليّة والأجنبيّة. 

ابن القلانسي عالم دمشقيّ أرستقراطي ومتديّن. قد يؤخَذ عليهِ رأيُهُ في "الباطنيّة" وأهل الأرياف وعلّه مع ذلك أكثر موضوعيّة من غيره بمقاييس عَصْرِهِ (اعتمدت دمشق في إمدادها الغذائي آنذاك على حبوب حوران والبقاع رغم غوطتها الغنّاء ومواردها المائيّة). اقتَصَرَ سردُ المؤلّف على الأحداث السياسيّة ودسائس البلاط ووفيّات الأعيان وذكر الفيضانات والزلازل والأوبئة وغيرها من الكوارث. التركيز بالطبع على دمشق وإن امتدَّ مسرحُ الأحداث إلى سوريّا بأسْرِها وآسيا الصغرى والعراق وحتّى إيران وخراسان بدرجاتٍ تتناسب عكساً مع بعد هذه الأقاليم عن المدينة. لا يوجد في "الذيل" عن وصف المدينة ما يشفي الغليل، باستثناء ذكر قلعتها (أُعِيدَ بناءُ القلعة لتأخذ شكلها الحالي في عهد الأيّوبي الملك العادل) وهناك إشارات عابرة لبعض مواضعها ودورِ عبادتِها وأبوابِها.

اتّبع ابن القلانسي نَهْجَ التسلسل الزمني حسب السنة الهجريّة، واختار Le Tourneau العام ٤٦٨ (١٠٧٥ أي الانتقال من العهد الفاطمي إلى السلجوقي) منطلقاً لكتابِهِ الذي خَتَمَهُ ٥٤٩ (١١٥٤ م)، سنة دخول نور الدين إلى المدينة، قبل موت المؤلّف الدمشقي بست سنوات. 

للحديث بقيّة.  
  

A Mosaic from Philippopolis


Šahbā's golden age is closely associated with the Roman Empire and Emperor Philip the Arab, hence its Classical name: Philippopolis. Gracing the National Museum of Damascus is a giant (337 cm x 276 cm) Šahbā mosaic from the 3rd century C.E. This piece features brightly colored themes and allegories from Greco-Roman mythology. Mortals and divinities are designated by their names. Let's analyze this heavenly beauty in detail: 

Occupying the bottom center is a woman personifying Gaia, the Mother Earth Goddess, surrounded by four kids. Identified above her shoulders are Georgia (meaning agriculture) and Triptolemus (inventor of agriculture), familiar figures in Greek fables.

Seen in the bottom right is a bearded man sitting artist-like before a painting. He is none other than Prometheus, about to create the first man out of clay. Right above him is Hermes, the messenger god, who, among other tasks, commutes between the world of the divine and that of the mortals. He is surrounded by three women: the topless one is, of course, Aphrodite, goddess of beauty; another one would be Psyche, symbolizing the soul.

In the bottom left is Aion, god of time, carrying a ring in his right hand. Above and behind him are four winged ladies personifying the Four Seasons.

At the topmost on both sides are four heads emerging from the clouds and representing the Four Winds as follows:

Boreas: the north wind brings forth the cold winter air.
Zephyrus: the west wind and harbinger of spring and early summer breezes.
Notos: south wind announcing storms of late summer and fall.
Eurus: the southeast wind is not associated with any of the Greek seasons.


Photography: Nicholas Randall



J. Charbonneaux. Aiōn et Philippe l'Arabe. Mélanges de l'école française de Rome. Année 1960 (72)  pp. 253-272. 

Highlights of the National Museum of Damascus. Media Minds LLC, [Lebanon], 2006.


فسيفساء شهبا


يرتبط تاريخ شهبا وعهدها الذهبي بالإمبراطوريّة الرومانيّة وفيليپ العربي، ومنه اسمها الثاني Philippopolis. حظي متحف دمشق الوطني باقتناء لوحة فسيفساء عملاقة (٣٣٧ في ٢٧٦ عشير المتر) من هذه المدينة، تعود للنصف الثاني من القرن الثالث الميلادي، وتمثّل مشاهداً رمزيّة من الأساطير الكلاسيكيّة (اليونانيّة  - الرومانيّة)، وأشخاصاً مع أسمائِهِم. 

تحتل مركز وأسفل الصورة امرأةٌ تمثّل Gaia، تجسيد للأرض، يتحلّق حولَها أربعةُ أطفالٍ، ويحيط بها من الأعلى Georgia، رمز الزراعة، و Triptolemus الذي ابتكر الزراعة حسب قدماء اليونانييّن. 

على يمين الناظر في الأسفل نرى رجلاً ملتحياً جالساً كالفنّان أمام لوحتِهِ يمثّل الجبّار Prometheus، في سبيلِهِ لخلق أوّل رجل من الصلصال، وفوقه الربّ Hermes رسول الآلهة الذي يتنقّل بين عالمهم وعالم المخلوقات الفانية (البشر)، وحولَهُ ثلاثةَ إناثٍ إحداهنّ الزهرة إلهة الحبّ (العارية الصدر)، وثانية Psyche ربّة الروح. 

على يسار الناظر نرى Aion ربّ الزمن يحمل طوقاً في يده اليمنى وخلفَهُ في الأعلى أربعة نساءٍ مجنّحات يرمزن للفصول الأربعة

الرؤوس في أعلى الصورة من الطرفين تمثّل  الرياح الأربع: Boreas (ريح الشمال وهواء الشتاء البارد)، Zephyrus (رياح الربيع وباكورة الصيف الغربيّة)، Notos (ريح الجنوب وعواصف أواخر الصيف والخريف)، و Eurus (من الجنوب الشرقي).   


الصورة عن عابد عيسى


Jean CharbonneauxAiôn et Philippe l'Arabe. Mélanges de l'école française de Rome  Année 1960  72  pp. 253-272.
ʿĀbid īsā. A Guide to the National Museum of Damascus 2006.

Saturday, November 25, 2017

An Emesan Treasure


A sensational discovery of a royal necropolis was made back in 1940 near Ḥimṣ (Classical Emesa). It yielded several artifacts from the reign of Augustus Caesar or his immediate successors. Featured among the objects are ornaments of a sarcophagus, including gold leaves with several patterns related to Greco-Roman mythology, golden rings, a bracelet, and a neckpiece. Those treasures and some more have graced the National Museum of Damascus ever since.

At the center of this assortment is a 24.5 cm helmet with a mask dating, according to the French archaeologist Henri Seyrig (1895-1973), from the first century C.E. and crafted by a Syrian jeweler.

The item in question has two components: the upper one, or helmet, is made of a single piece of iron decorated with silver. The lower part consists of an iron mask entirely laminated with silver. Likely this set had been the pride of a private collection of a wealthy owner.


Saturday, November 18, 2017

The Synagogue of Dura Europos




A fresco from the famous Dura Europos Synagogue representing a niche designating the direction of Jerusalem and surmounted by an entablature featuring, from left to right, the following themes from the Torah:

1. A menorah. 
2. The Temple of Solomon.
3. Abraham in the process of immolating Isaac. 

Dura Europos is a Hellenistic city erected in 303 B.C. and destroyed by the Sassanids in 256 C.E. Its ruins are located south of the Euphrates River and northwest of abū Kamāl near the modern village of aṣ-Ṣāliḥīyyā. A collaborative effort of Yale University and the Académie des inscriptions et belles-lettres led to the excavation of the above synagogue in the first half of the twentieth century. The edifice was probably constructed in the year 250 C.E., shortly before the fall of the city. It was restored and reassembled at the National Museum of Damascus in 1936. The archaeological site fell to the humanoid hordes known as the Islamic State in 2014 to be looted and ravaged in yet another orgy of modern madness.

Wednesday, November 15, 2017

دمشق القرن السادس عشر


وصف دمشق وفقاً لعبد الباسط العلموي وكتاب "مختصر الدارس"، كما ترجمه إلى الفرنسيّة وعلّق عليهِ Sauvaire. يتوزّع الكتاب مع حواشيهِ على قرابة ٨٠٠ صفحة، ويُعْتَبَر أهمّ مصدر للمعلومات عن المدينة في ذلك الزمن. انقرضَ الكثير من الأوابد المذكورة، ومنها ما دَرَسَ قبل تاريخ المخطوط الأصلي في القرن السادس عشر، ومع ذلك بقيَ الكثيرُ منها إلى اليوم، ممّا يجعلَ الصورة التي رَسَمَها العلموي أليفةً إلى حدّ كبير لأبناء دمشق القرن الحادي والعشرين. آخر ما كتبه العلموي كان عام ١٥٦٦، عندما أشار إلى احتراق جامع الجرّاح، آملاً أن يُرَممّ قريباً. لم يُغْفِل Sauvaire الإشارة إلى حريق الأموي عام ١٨٩٣، قبل عام من البدء بنشر كتابِهِ، وكان متشائماً بالنسبةِ إلى ترميم الجامع وشكّك في توافر ما يكفي من الخبرة والذوق لإعادته كما كان.  

تبقى دراسة Sauvaire، على غناها بالتفاصيل والحواشي، صعبةَ المتناول لطلّاب اليوم، المعتادين على الكتب المفهرسة والمزوّدة بالمصوّرات والخرائط، وهنا تكمن أهميّة المؤلَفات الحديثة ومن أفضلِها كتاب الباحث الأسترالي Ross Burns "دمشق" الشديد الغنى بالرسوم والمخطّطات التي تحدّد مواقع المعالم، الباقية منها وحتّى بعض المندثرة، بدقّةٍ وافية.   

رتّب العلموي ومن نَسَخَ عنهُ مخطوطاتِهم حسب نوع وتخصّص الأوابد، دون تنظيم زمني ودون تفاصيل معماريّة تستحقّ الذكر (١)؛ حتّى التنظيم الطبوغرافي مشوّش ومبهم. ركّز النعيمي والعلموي على اسم المكان، وموقِعِهِ (مقابل كذا وكذا في درب كذا وكذا)، ومؤسّسِهِ، وأوقافِهِ، ومن دَرَّسَ فيه. المعلومات عن الأشخاص تفوق بكثير ما كُتِبَ عن الأبنية، والاهتمام بالدرحة الأولى بالأبنية الدينيّة الإسلاميّة حصراً (٢). الأبنية المدنيّة (الحمّامات مثلاً) لا ذكر لها عمليّاً إللهمّ إلّا في الحواشي أو بشكل عابر، ومع ذلك عنيَ Sauvaire بإضافة فصول في نهاية الكتاب تعرّضت لهذه العمائر إلى حدٍّ ما. يغطّي "المختصر" دمشق داخل وخارج السور، بما فيها الصالحيّة والميدان، وهو بالتالي أشمل من ابن عساكر وابن شدّاد، ولا عجب إذا أخذنا بعين الاعتبار توسّع المدينة بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر. 

____________

فصول الكتاب

أوّلاً. دور تعليم القرآن.

ثانياً. دور الحديث (النبوي).

ثالثاً. مدارس تعليم الفقه: أكثرها شافعيّة ثمّ حنفيّة ثمّ حنبليّة ثمّ مالكيّة وبعضها مختلط. فصل المدارس أحد أطول فصول الكتاب.

رابعاً. مدارس الطبّ

خامساً. الخانقاهات أو الخوانق (حمع خانقاه) وهي بمثابة أديرة (جمع دير) للصوفييّن ترجمها المستشرق الفرنسي couvent.

سادساً. الرُبُط hospice (جمع رباط) للزاهدين والمعتكفين والصوفييّن.

سابعاً. الزوايا chapelle: أيضاً للمتعبّدين والعلماء.

ثامناً. الترب والأضرحة. 

تاسعاً. المساجد.

عاشراً. الجوامع أو المساجد الجامعة.

ينتهي هنا "مختصر الدارس"، بيد أنّ Sauvaire أضاف الفصول التالية:

١. عيون التواريخ لفخر الدين محمّد ابن شاكر  وفيّات ١٣٦٣ (٣). عن أبواب دمشق الرومانيّة منها والإسلاميّة والقناطر والقصور والساحات والأسواق والمنتزهات والطرق ونهر بردى والكنائس.

٢. تحفة الأنام في فضائل الشام لابن الإمام شمس الدين أبو العبّاس أحمد إبن محمّد البصروي (وفيّات ١٦٠٦). ثلاث صفحات تحتوي على بعض المعلومات المتعلّقة بالجامع الأموي.

٣. نزهة الأنام في محاسن الشام لأبي البقاء عبد الله ابن محمّد البدري الدمشقي (وفيّات ١٤٨٩). يحتوي هذا الفصل على الكثير من المعلومات القيّمة عن قلعة دمشق وأسواقها ومنتزهاتها وأشجارها ورياحينها وثمارها وحرفها.

 إذا كان كتاب خطط دمشق للحافظ ابن عساكر الأوّل من نوعِهِ، فكتاب النعيمي، ومِن بعدِهِ العلموي، مع إضافات العدوي، وترجمة وتحقيق Sauvaire هو الأغنى والأكثر تفصيلاً. لا يمكن بطبيعة الحال إغفال أهميّة "الأعلاق الخطيرة" لابن شدّاد، مع التحفّظ أنّ معظم ما جاء في هذا الأخير تكرارٌ لابن عساكر وليس هذا هو الحال على الإطلاق في "مختصر" العلموي. 

____________

الهوامش

(١) إذا استثنينا ابن جبير الأندلسي وابن طولون الصالحي، لا يوجد توصيف هندسي أو فنّي بالمعنى الفهوم اليوم قبل القرن التاسع عشر، عندما أتى المستشرقون وأسّسوا هذه العلوم من الصفر.
(٢) يخال لمن يقرأ "المختصر" أنّه لا وجود للمسيحييّن واليهود في دمشق. 
(٣) للتبسيط جميع التواريخ مذكورة بالتقويم الميلادي. 

Tuesday, November 14, 2017

عبد الباسط العلموي، هنري سوڤير، ووصف دمشق


قراءةُ المخطوطات التاريخيّةِ القديمة والاستفادة منها متعذّرةٌ على غير الأخصّائييّن. الغالبيّةُ العظمى من الوثائق العربيّة مكتوبةٌ بخطّ اليد وتنقيطٍ منقوص، وتحتوي على العديد من المصطلحات التي طواها النسيان، ناهيك عن الأخطاء والهفوات الناجمة عن النسخ والسهو وعدم الإحاطة الشاملة بالموضوع قيد البحث. أضف إلى هذا وذاك أنّ كثيراً من هذه المخطوطات وصلتنا ناقصةً، وإن أمكن أحياناً تلافي النقص بمقارنة أكثر من نسخة لنفس الكتاب، مع التحفّظ بوجود فوارق في النسَخ المختلفة من نفس الكتاب لنفس المؤلّف.

المخطوطات باختصار مستعصيةٌ على أغلب الناس، ما لم تُحَقّق وتُفَسّر وتُطْبَع مع الحواشي والإيضاحات، تماماً كما هو الحال في تفسير الكتب المقدّسة، ليس فقط لفهم لغَتِها، وإنّما أيضاً لوضعِها في سياقِها التاريخي والنفسي.   

لا غنى لدارس تاريخ دمشق عن الكتب الثلاثة الآتية:

١. خطط دمشق لابن عساكر (القرن الثاني عشر للميلاد) : حقّقه الدكتور صلاح الدين المنجّد ونشره المجمع العلمي العربي عام ١٩٥٤، وترجمه Elisséeff إلى الفرنسيّة عام ١٩٥٩ مع خريطة لدمشق في القرن الثاني عشر بناء على معطيات ابن عساكر.

٢. الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة لابن شدّاد (القرن الثالث عشر للميلاد) حقّقه الدكتور سامي الدهّان ونشره المعهد الفرنسي للدراسات العربيّة عام ١٩٥٦. 

٣. تنبيه الطالب أو إرشاد الدارس في تاريخ المدارس لأبي المفاخر محيي الدين النعيمي الدمشقي (وفيّات ١٥٢١) موضوع بحث اليوم.

تعود أسبقيّة تدقيق وتمحيص وشرح ما وصلنا من عمل النعيمي والتعليق عليه إلى الفرنسي Henri Sauvaire (١٨٣١ - ١٨٩٦)، الذي نَشَرَهُ في Journal Asiatique تحت عنوان "وصف دمشق" بين الأعوام ١٨٩٤ و ١٨٩٦ متّبعاً المنهج الآتي:

اعتمد Sauvaire كنقطة انطلاق، ليس على مخطوط النعيمي الذي لم يكن في متناوله وقتها، وإنّما على "مختصر الدارس" لعبد الباسط العلموي (١٥٠١-١٥٧٣)، كما وصله عن طريق القاضي الشيخ محمود العدوي (وفيّات ١٦٢٠) الذي نقل "المختصر"، وأضاف إليه. نَسَخَ رمضان بن موسى العطيفي (وفيّات ١٦٨٣) مخطوط العدوي، وأتى بَعْدَهُ (عام ١٨٦٨) الشيخ محمّد سعيد وأرسلان بن حامد وابن هذا الأخير أديب لينسخوا مخطوط العطيفي. بعبارة ثانية تَرْجَم Sauvaire نسخةً من القرن التاسع عشر عن العطيفي (القرن السابع عشر)، عن العدوي، عن العلموي، أنّ النعيمي (مطلع القرن السادس عشر) قال! 

ذكر Sauvaire أربع نسخ من مخطوط العلموي: أحدها (الذي استند إليه) في المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة، وإثنان في المكتبة البريطانيّة، ورابعة رآها السويسري Max Van Berchem في مكتبة ڤينّا، بيدَ أنّ المعلومات عنها محدودة. نوّه Sauvaire بحالة المخطوط السيّئة وكتابته الرديئة، ولحسن الحظّ استطاع مقارنتهُ مع مخطوط النعيمي الوحيد الموجود في أوروپّا آنذاك، والذي أتاح له الإطّلاع عليه المستشرق Schefer

"مختصر الدارس" على "اختصاره" عملٌ موسوعيّ يمتدُّ على مئات الصفحات، ومرجعٌ لا غنى عنه للمهتمّين بتاريخ دمشق. يؤخّذ على عمل Sauvaire عدم وجود فهرس للمواضيع أو الأبجديّة. تمّ تلافي هذا النقص بعد حوالي ستين عاماً من نشرِهِ - تحديداً عام ١٩٥٤ - على يد الآنسة إميلي عويشق ومعهد دمشق الفرنسي كما سنرى. 

للحديث بقيّة.  


Monday, November 13, 2017

متحف الفنون والتقاليد الشعبيّة


بُنِيَ قصر العظم جنوب الجامع الأموي في منتصف القرن الثامن عشر، في نفس الموقع الذي شَغَلَهُ سابقاً قصر الذهب للأمير المملوكي تنكز في القرن الرابع عشر، ولربّما أيضاً قصر معاوية المعروف بالخضراء في القرن السابع. يحتلّ القصر مساحة ٥٥٠٠ متر مربّع، ويحتوي على العديد من الغرف والقاعات والأواوين، وحمّام خاصّ (أمر نادر في ذلك الزمن)، وبرّاني (سلاملك) فسيح مع ديار وبحرة في وسطه، وجوّاني (حرملك) أكبر، ومطبخ مع دياره، وإسطبل. يستمدّ البناءُ الماءَ من نهر القنوات.

القصرُ نموذجٌ مثاليٌّ للبيوت الدمشقيّة الباذخة، وأهمّ هذه البيوت وأكبرها، لا يزال في حالةٍ جيّدة إلى اليوم على الرغم من عُمرِهِ الطويل وكارثة ١٩٢٥

____________

تنبّهت الجهات المعنيّة في منتصف القرن العشرين إلى الخطر المُحْدِق بالحرف اليدويّة السوريّة التقليديّة، والأزياء والتقاليد ااشعبيّة المتوارَثة في زمنٍ حلّت فيه المصانع الكبرى والآلات محلّ العمّال اليدوييّن المهرة، وغزت فيه الأزياء الغربيّة كافّة أرجاء العالم، وقررّت بناءً عليه إنشاء متاحف للفولكلور والحِرَف لتعريف الأجيال الصاعدة عليها وحمايتها من الإنقراض، وهكذا استُحْدِثَت أربعة متاحف متخصّصة لهذا الغرض في دمشق وحماة وتدمر وطرطوس. اتّخذَ متحف دمشق قصر العظم مقرّاً له، وفتح أبوابه للزوّار في ١٣ أيلول ١٩٥٤. نجح المتحف في جذب الكثير من السيّاح، وبلغ عددُ زوّارِهِ أحياناً ٤٠٠٠ شخص في اليوم؛ ليس هذا الرقم بالمُستهان في منتصف القرن العشرين، ومدينةٍ كانت إلى أمد قريب محدودة الاتّصال مع العالم الخارجي.

جبرائيل سعادة

استقيتُ هذه المعلومات من كتيّب من منشورات المديريّة العامّة للآثار والمتاحف بطول ٧٥ صفحة مع ثلاثين صورة ونيّف بالأبيض والأسود من نوعيّة متوسّطة. المؤلِّف شقيق الإمام (١٩١٣ - ١٩٩٣)، القيّم على المتحف. والمُتَرْجِم إلى الفرنسيّة جبرائيل سعادة (١٩٢٢ - ١٩٩٧). من شبه المؤكّد أنّ هناك نسخة عربيّة وإن لم أنجح بالعثور على معلوماتٍ عنها. المنشور دليل سياحي وليس كتاباً مدرسيّاً عن قصر العظم الذي يتطلّب مجلّدات لتعطيه بعضَ حقِّهِ. تاريخ النشر غير مذكور وفي تقديري أنّه بين ١٩٥٥ و ١٩٧٠، استناداً إلى أجرة الدخول: نصف ليرة في الأيّام العاديّة وربع ليرة يوم الجمعة وللطلّاب. ساعات الدوام حسب التوقيت الصيفي من الثامنة صباحاً إلى الواحدة بعد الظهر، ومن الرابعة إلى السابعة مساءً. لا تتغيّر الساعات الصباحيّة في التوقيت الشتوي عكس المسائيّة التي تصبح من الساعة الثانية إلى الرابعة. 

التدخين ممنوع، وكذلك حال التصوير واللمس والبخشيش.  

Sunday, November 12, 2017

Sarapis of Syria


Sarapis is a Macedonian-Egyptian synthesis, the cult of which was introduced in 3rd century B.C. Alexandria by Ptolemy I in an attempt to unify the Hellenic newcomers with the natives. Etymologically, Sarapis is likely an amalgamation of Osiris with the Calf God Apis. It may be identified with the Greek Hades, Lord of the Underworld.

This statue represents a majestic Sarapis sitting on his throne with Cerberus at his feet to his right. The sculpture dates from the second or third century C.E. and was acquired by the National Museum of Damascus in 1933 from a site called H̱irbat Ramdān. The exact location is unclear, as there exist several modern villages bearing this name, but it most likely is of Southern Syrian provenance.

Dimensions: 77 cm x 42 cm x 30 cm.

Substance: grained white marble.


(*) A monstrous multi-headed dog guarding the gates of the Underworld for the purpose of preventing the dead from escaping.



Thomas M. Weber
.
 Sculptures from Roman Syria in the Syrian National Museum of Damascus. Vol I, from Cities and Villages in Central and Southern Syria. Wernersche Verlagsgesellschaft. Worms. 2006.

 

Saturday, November 11, 2017

Mithraism and Other Fertility Cults in the Ancient Near East


Agrarian societies have adopted the solar calendar in one form or another from time immemorial for obvious reasons. Peasants and landlords have to know exactly when to sow the seeds, irrigate the land, fertilize the soil, and harvest the crop. Keen observers could not fail to notice the death of life-giving earth in winter and its resurrection in spring. With time, princes and priests would construct an edifice—material as well as spiritual—around natural phenomena in the form of numerous religions, the common denominator of which revolved around those cyclical events. 

Examples abound, particularly in the Near East, which birthed the first agrarian societies in Mesopotamia and Egypt. The cults of Egyptian Osiris, Canaanite Adonis, and Christianity itself are but a few of those. Mithraism originated in ancient Iran, whence it spread to the Hellenistic world. It had been practiced throughout the Roman Empire from the first to the 4th century C.E.

Seen in this plate are two basaltic sculptures of Mithras slaying a bull, a central ritual in this cult where the spilled blood renovates the fertility of the soil it irrigates.  Both were found at or near Sīʿ, a village in as-Suwaydāʾ Governorate in Southern Syria, and both date from the third century of the Common Era.

The sculpture on the left measures 72 cm x 58 cm x 10 cm. It was discovered in 1919 by an archaeological expedition from Princeton University and had been stored for a while at the Teacher's College at al-Mazzā Boulevard before its acquisition by the National Museum of Damascus, where it currently resides.

Studied by Salīm ʿAbdel-Ḥaqq in the early 1950s, the one on the right features the same scene. It measures 112 cm x 106 cm x 4.5 cm and is also a possession of the museum.

Regrettably, many such ancient sculptures have been transferred from their original sites and recycled in modern dwellings, which has resulted in the deformation and loss of those priceless treasures. This phenomenon has been observed throughout Syria, including Damascus and the large cities.



Thomas M. Weber
.
 Sculptures from Roman Syria in the Syrian National Museum of Damascus. Vol I, from Cities and Villages in Central and Southern Syria. Wernersche Verlagsgesellschaft. Worms. 2006.