وصف دمشق وفقاً لعبد الباسط العلموي وكتاب "مختصر الدارس"، كما ترجمه إلى الفرنسيّة وعلّق عليهِ Sauvaire. يتوزّع الكتاب مع حواشيهِ على قرابة ٨٠٠ صفحة، ويُعْتَبَر أهمّ مصدر للمعلومات عن المدينة في ذلك الزمن. انقرضَ الكثير من الأوابد المذكورة، ومنها ما دَرَسَ قبل تاريخ المخطوط الأصلي في القرن السادس عشر، ومع ذلك بقيَ الكثيرُ منها إلى اليوم، ممّا يجعلَ الصورة التي رَسَمَها العلموي أليفةً إلى حدّ كبير لأبناء دمشق القرن الحادي والعشرين. آخر ما كتبه العلموي كان عام ١٥٦٦، عندما أشار إلى احتراق جامع الجرّاح، آملاً أن يُرَممّ قريباً. لم يُغْفِل Sauvaire الإشارة إلى حريق الأموي عام ١٨٩٣، قبل عام من البدء بنشر كتابِهِ، وكان متشائماً بالنسبةِ إلى ترميم الجامع وشكّك في توافر ما يكفي من الخبرة والذوق لإعادته كما كان.
تبقى دراسة Sauvaire، على غناها بالتفاصيل والحواشي، صعبةَ المتناول لطلّاب اليوم، المعتادين على الكتب المفهرسة والمزوّدة بالمصوّرات والخرائط، وهنا تكمن أهميّة المؤلَفات الحديثة ومن أفضلِها كتاب الباحث الأسترالي Ross Burns "دمشق" الشديد الغنى بالرسوم والمخطّطات التي تحدّد مواقع المعالم، الباقية منها وحتّى بعض المندثرة، بدقّةٍ وافية.
رتّب العلموي ومن نَسَخَ عنهُ مخطوطاتِهم حسب نوع وتخصّص الأوابد، دون تنظيم زمني ودون تفاصيل معماريّة تستحقّ الذكر (١)؛ حتّى التنظيم الطبوغرافي مشوّش ومبهم. ركّز النعيمي والعلموي على اسم المكان، وموقِعِهِ (مقابل كذا وكذا في درب كذا وكذا)، ومؤسّسِهِ، وأوقافِهِ، ومن دَرَّسَ فيه. المعلومات عن الأشخاص تفوق بكثير ما كُتِبَ عن الأبنية، والاهتمام بالدرحة الأولى بالأبنية الدينيّة الإسلاميّة حصراً (٢). الأبنية المدنيّة (الحمّامات مثلاً) لا ذكر لها عمليّاً إللهمّ إلّا في الحواشي أو بشكل عابر، ومع ذلك عنيَ Sauvaire بإضافة فصول في نهاية الكتاب تعرّضت لهذه العمائر إلى حدٍّ ما. يغطّي "المختصر" دمشق داخل وخارج السور، بما فيها الصالحيّة والميدان، وهو بالتالي أشمل من ابن عساكر وابن شدّاد، ولا عجب إذا أخذنا بعين الاعتبار توسّع المدينة بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر.
____________
فصول الكتاب
أوّلاً. دور تعليم القرآن.
ثانياً. دور الحديث (النبوي).
ثالثاً. مدارس تعليم الفقه: أكثرها شافعيّة ثمّ حنفيّة ثمّ حنبليّة ثمّ مالكيّة وبعضها مختلط. فصل المدارس أحد أطول فصول الكتاب.
رابعاً. مدارس الطبّ.
خامساً. الخانقاهات أو الخوانق (حمع خانقاه) وهي بمثابة أديرة (جمع دير) للصوفييّن ترجمها المستشرق الفرنسي couvent.
سادساً. الرُبُط hospice (جمع رباط) للزاهدين والمعتكفين والصوفييّن.
سابعاً. الزوايا chapelle: أيضاً للمتعبّدين والعلماء.
ثامناً. الترب والأضرحة.
تاسعاً. المساجد.
عاشراً. الجوامع أو المساجد الجامعة.
ينتهي هنا "مختصر الدارس"، بيد أنّ Sauvaire أضاف الفصول التالية:
١. عيون التواريخ لفخر الدين محمّد ابن شاكر وفيّات ١٣٦٣ (٣). عن أبواب دمشق الرومانيّة منها والإسلاميّة والقناطر والقصور والساحات والأسواق والمنتزهات والطرق ونهر بردى والكنائس.
٢. تحفة الأنام في فضائل الشام لابن الإمام شمس الدين أبو العبّاس أحمد إبن محمّد البصروي (وفيّات ١٦٠٦). ثلاث صفحات تحتوي على بعض المعلومات المتعلّقة بالجامع الأموي.
٣. نزهة الأنام في محاسن الشام لأبي البقاء عبد الله ابن محمّد البدري الدمشقي (وفيّات ١٤٨٩). يحتوي هذا الفصل على الكثير من المعلومات القيّمة عن قلعة دمشق وأسواقها ومنتزهاتها وأشجارها ورياحينها وثمارها وحرفها.
إذا كان كتاب خطط دمشق للحافظ ابن عساكر الأوّل من نوعِهِ، فكتاب النعيمي، ومِن بعدِهِ العلموي، مع إضافات العدوي، وترجمة وتحقيق Sauvaire هو الأغنى والأكثر تفصيلاً. لا يمكن بطبيعة الحال إغفال أهميّة "الأعلاق الخطيرة" لابن شدّاد، مع التحفّظ أنّ معظم ما جاء في هذا الأخير تكرارٌ لابن عساكر وليس هذا هو الحال على الإطلاق في "مختصر" العلموي.
____________
الهوامش
(١) إذا استثنينا ابن جبير الأندلسي وابن طولون الصالحي، لا يوجد توصيف هندسي أو فنّي بالمعنى الفهوم اليوم قبل القرن التاسع عشر، عندما أتى المستشرقون وأسّسوا هذه العلوم من الصفر.
(٢) يخال لمن يقرأ "المختصر" أنّه لا وجود للمسيحييّن واليهود في دمشق.
(٣) للتبسيط جميع التواريخ مذكورة بالتقويم الميلادي.

No comments:
Post a Comment